جاءت موازنة العام المالي 2011 / 2012، التي اعتمدها المجلس العسكري، منذ بضعة أيام، بعد موافقة مجلس الوزراء عليها وتعديلها، لتفتح الباب أمام العديد من التساؤلات، حول التقشف في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والسكان وإلغاء دعم التعليم الفني وإمكانية تغطية النصيب الأكبر من العجز "120 مليار جنيه" من السوق المحلي ومن ثم مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الاقتراض المصرفي، وزيادة الدين الداخلي. كانت الموازنة العامة قد تضمنت عجزًا في حدود 134 مليار جنيه أي ما يعادل 8,6 % من الناتج المحلي، بعد أن وصل في مشروع الموازنة التى تم تعديلها إلى 170 مليار جنيه وهو ما يعادل 11 % من الناتج، وقد أعلن الدكتور سمير رضوان، وزير المالية، في وقت سابق أن الحكومة تخطط لتغطية 120 مليار جنيه من العجز من السوق المحلي، و14 مليار جنيه من الدول العربية. أكد الدكتور سلطان أبو علي، وزير الإقتصاد الأسبق، أنه بالرغم من الظروف الحالية التى تمر بها البلاد، إلا أن السوق المحلي قادر على تغطية النسبة الأكبر من العجز التى أعلنها وزير المالية، قائلا :"السوق المحلي يستطيع تغطية ال120 مليار جنيه من العجز التى أعلن عنها، من خلال مصادر بنكية وأخرى غير بنكية، ومن مدخرات الأفراد وقروض من البنوك وأذون الخزانة والسندات"، مضيفا "القطاع المصرفي به إمكانيات كبيرة، والاقتصاد المصري جيد لكنه يحتاج فقط إلى إدارة وتوجيه" ، مشيرا إلى أن الاتجاه إلى القطاع المصرفى لسد قيمة العجز لن يأتي بالضرورة على حساب القطاع الخاص ، قائلا "ليس بالضرورة أن تحدث مزاحمة من الحكومة للقطاع الخاص في حالة الاقتراض من البنوك، وهذا يتوقف على أمرين،أولا:الإمكانيات لدى الجهاز المصرفى والأموال المتاحة، والثاني: حجم طلب القطاع الخاص على القطاع المصرفي". من جانبه، أوضح الدكتور عيسى فتحي، الخبير الاقتصادي، أن الاستدانة من السوق المحلي أفضل بكثير من الخارج، مفسرا "السوق المحلي لن يضغط كثيرًا ولن تكون له شروط غير الفائدة وفترة السداد، لكن الاستدانة من الخارج وصندوق النقد الدولي تكون له شروط وتدخل في سياسة واقتصاد الدولة، وهي أشبه بالفكرة الاستعمارية"، مضيفا أن الاستدانة قد تكون عن طريق سندات وأذون الخزانة،أو الاقتراض من المؤسسات المختلفة، مؤكدا أن الجهاز المصرفي في حالة جيدة تسمح له بالإقراض، قائلا "نسبة الإقراض من الودائع في البنوك لاتتجاوز 55%، وحجم الودائع تجاوزت تقريبا ال800 مليار جنيه، وبالتالي هناك نسبة كبيرة غير مستغلة يمكن الإقراض منها"، مؤكدا قدرة توفير باقى قيمة العجز "14 مليار جنيه" من الدول العربية، كما أعلن وزير المالية في وقت سابق، قائلا "المساعدات العربية للاقتصاد المصري تجاوزت ال 14 مليار جنيه بكثير، فالسعودية أعلنت عن مساعدات ب4 مليارات دولار،والإمارات أعلنت الإسبوع الماضي عن 3 مليارات دولار مساعدات وأبدت استعدادها لإقراض مصر بأي مبلغ دون فوائد". أما الدكتورة ضحى عبد الحميد، كبيرة الاقتصاديين بالمركز المصري للدراسات الأقتصادية، فقد أبدت تخوفها من تكلفة الاقتراض، قائلة "تكلفة الاقتراض هتكون مرتفعة جدا، لأن الظروف الحالية غير مستقرة وبالتالي فإن المخاطر السياسية والاقتصادية كبيرة، وكل ما تزداد المخاطر ترتفع الفائدة، وهذا هو الوضع الحالي"، مشيرة إلى أن وزارة المالية تستطيع تغطية ال120 مليار جنيه من العجز من السوق المحلي عن طريق مخزون الودائع من البنك المركزي، مضيفة "هناك طريقة أخرى، البنك المركزي بصفته وكيل وزارة المالية في السوق يقوم بطرح سندات وأذون خزانة وإعطائها للبنوك المتعاملة معه بفوائد، وتقوم تلك البنوك ببيعها للشركات المتعاملة معها بفائدة أعلى"، مؤكدة عدم حدوث مزاحمة من الحكومة للقطاع الخاص في حالة الاقتراض من البنوك، موضحة "القطاع الخاص حاليا ليس لديه أي استعداد للاستثمار في تلك الظروف،وبالتالي لن تحدث مزاحمة له من الحكومة". وأشار الدكتور أحمد غنيم ،مدير مركز البحوث الإقتصادية، إلى أنه ستحدث مزاحمة من الحكومة للقطاع الخاص في حال الاقتراض من البنوك ، قائلا "السوق المحلي يستطيع تغطية العجز، لكن المشكلة تكمن في سحب الأموال التى تكون من نصيب القطاع الخاص لتمويل عجز الموازنة"، مضيفا "وإذا كان الوضع الحالي غير محفز لاستثمار القطاع الخاص، فهو وضع مؤقت، لكن سداد الدين يحتاج لسنوات وعلى المدى البعيد سيأتي تمويل العجز على حساب القطاع الخاص"، ويضيف "غنيم"، "المنطق كان يقضي بتمويل العجز عن طريق قرض من الخارج بدون مشروطيات"، موضحا أن سعر الفائدة في حال الاقتراض من الداخل يكون أعلى، مضيفا "كان من الممكن أن نحصل على قرض من الخارج بدون شروط وبفائدة أقل،لكن القرار في الآخر كان الاقتراض من الداخل،ونحن في الأساس نعاني من تخمة في الدين الداخلي". وفيما يتعلق بخفض مخصصات بعض القطاعات مقارنة بمشروع الموازنة السابق، مثل قطاع التعليم الذي بلغت جملة مخصصاته 52 مليار جنيه مقابل 55 مليار جنيه قبل التعديل، وقطاع الصحة الذي بلغت جملة مخصصاته 23,8 مليار جنيه مقابل 24 مليار جنيه قبل التعديل،وكذلك مخصصات قطاع الإسكان والمرافق المجتمعية الذي بلغت جملة مخصصاته 16,7 مليار جنيه مقابل 21 مليار جنيه قبل تعديلها ،إضافة إلى الحد الأدنى للأجر الذي حددته الموازنة ب684 جنيهًا، بعد أن أعلن وزير المالية في وقت سابق، أن الحد الأدنى للأجر 700 جنيه. قالت الدكتورة "ضحى" "الموازنة جاءت متعارضة مع أهداف الثورة التى قامت بالأساس نتيجة الظروف الإجتماعية والإقتصادية السيئة ، فالقطاعات الحيوية والتى كانت على مدار السنوات الماضية مهملة لم يتم الاهتمام بها بعد الثورة"، مضيفة "موازنة العدالة الاجتماعية والثورة 10% من إجمالي الموازنة ،رغم أن قيمة مصر في مواردها البشرية، فلدينا 80% من إجمالي عدد السكان في أفريقيا، وإذا استثمرنا في البشر عن طريق تعليمهم بشكل صحيح ورعاية صحتهم سنستفيد منهم في الجانب الاقتصادي والاستثمار"، وبالنسبة للحد الأدنى للأجر تقول "ضحى"،"عملت دراسة منذ عامين عن الحد الأدنى للأجور وحددته في الدراسة ب700 جنيه، واتصلت بي منظمات العمل الدولية قبل اجتماعهم مع وزير المالية واللجنة التى أقرت الحد الأدنى للأجر،وأخبروني أن دراستي هى الوحيدة التى وضعت الحل وسألوني عن الوضع الحالي، أخبرتهم أن الدراسة كانت في 2009،وفي الدراسة أكدت على أن يعدل الحد الأدنى تلقائيا قياسا بمعدل التضخم، يعني مثلا توصل هذا العام إلى 850 جنيه وتضاف عليها الزيادة السنوية لتصبح 950 جنيهًا، لكنهم أقروا فى الموازنة 684 جنيهًا أجر الموظف الجديد الذي سيلتحق بالعمل خلال العام الحالي"، مضيفة "وأعلنوا أنه سيتم تطبيقه على المعينين في الجهاز الإداري للدولة، يعني غير المعينيين الذين يحصلون على 90 جنيه لن يطبق عليهم الحد الأدنى"، مؤكدة أن الدراسات الاقتصادية والعلمية والواقعية موجودة لكننا نفتقد القرار. من جانبه يؤكد "عيسى" أن الموازنة الجديدة تعكس ظروف البلد، موضحا "ثلث الإقتصاد فقط في يد الدولة والباقي يسيطر عليه القطاع الخاص، والموازنة جاءت في حدود إمكانات الدولة،كما أن الحكومة الحالية إنتقالية ولا تريد تحميل الحكومات القادمة أعباءً إضافية"، مشيرا أن الموازنة الجديدة أفضل من موازنة العام الماضي 2010-2011 ، قائلا "الموازنة الحالية فيها نمو أكثر من العام الماضي،في قطاع التعليم مثلا محققة نمو 10% عن العام الماضى،وفى قطاع الصحة محققة نمو 5%عن العام الماضي"، مضيفا"أما بالنسبة للحد الأدنى للأجر، فالحكومة قد حملت نفسها أكثر من اللازم وكان لابد من التروي والانتظار قليلا حتى تدور عجلة الاقتصاد". أما "غنيم" فيرى أن الموازنة جاءت سيئة وغير مرضية ، قائلا "كان ممكن يحصل التقشف في قطاعات أخرى غير مهمة ولا داعي للتقشف في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، فنحن مرارا نادينا بخفض الدعم على بنزين 92 و95، وطالبنا بخفض مخصصات رئاسة الجمهورية ومخصصات الشعب والشورى، لكن هذا لم يحدث"، مضيفا "الكارثة الأكبر التى جاءت في الموازنة الجديدة، هي إلغاء ال2مليار جنيه التى تصرف في التعليم الفني المرتبط بإعانات البطالة والتدريب الفني، وهي كارثة حقيقية".