يعانى النظام العربى أزمات مزمنة منذ ظهور الجامعة العربية قبل أكثر من 70 عاماً، ولم تفلح القمم والاجتماعات المتعاقبة على مدى عقود فى تقليل مساحات التنافر بين بعض الدول أو احتواء حكومات دأبت على تصدير أزماتها للمحيط العربي، دون وضع أي اعتبار لتبعات خطوات بعينها على منظومة العمل المشترك بين الأقطار العربية. وكم من مرات وجدت مصر نفسها فى مواقف حرجة، نتيجة بعض الممارسات والسياسات الفردية التى انتهت بنا إلى ما وصلنا إليه من تفكك وتشرذم وبعثرة فى المواقف، واقتراب بعض الدول من الاختفاء تحت وطأة صراعات سياسية وأخرى مذهبية وتضخيم مبالغ فيه لدول أو تنظيمات لتحقيق أهداف بعينها، بينما يترك أمر جماعات مارقة تعمل ضد وحدة الدول المحورية فى النظام العربى دون أن يقترب أحد من توصيفها أو تصنيفها القانوني. إن الجامعة العربية استجابت لمطلب من دول عربية لاعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا. ومن باب المصلحة المصرية الخالصة، لابد أن يكون هناك دور أكبر ل «صانع القرار المصري» لتحريك المطلب الخاص باعتبار جماعة الإخوان «إرهابية» على المستوى العربى ومن بوابة الجامعة العربية تحديداً. فالأمر عاجل ومن صميم حماية المصالح والأمن القومي المصري. أشعر بأن هناك ما يجب أن يقال، وأن هناك من يجب أن يسمع فى تلك الأوقات الصعبة أن السياسة العربية لن تخرج من كبوتها إذا لم تتخلص من تلك الازدواجية فى المواقف، فجماعة الإخوان المسلمين فى مصر وهى لا تستحق أن تنسب إلى المسلمين بأى حال قد ارتكبت على مدى تاريخها كوارث وفظائع كثيرة، وكانت رائدة فى الاغتيالات السياسية فى مصر الحديثة ثم انتشرت سمومها إلى العالمين العربى والإسلامى فى مراحل لاحقة عن طريق تنظيمات موالية وفروع قبل أن تستحدث «التنظيم الدولي» الشيطانى الذى قام خطابه الكارثى على إحياء الخلافة عن طريق تمزيق الدول القومية فى مصر والدول العربية الأخرى، بما فيها الدول التى مدت يوما يد المساعدة إلى التنظيم، حتى يستمر على قيد الحياة بحجج متنوعة، منها الإبقاء على فكرة الخلافة حية أو دعم الحركة الإسلامية فى مواجهة أعداء الأمة وغيرهما من الدعوات المضللة التى كلفت العالمين العربى والإسلامى أرواحا وأموالا ومستقبلاً بات محفوفا بالمخاطر، بعد أن نشب فى القلب منهما تنظيمات خرجت من عباءة «ظاهرة الإخوان» وتمثلت فى كتابات وخطب قيادات الجماعة نبراسًا فى منهج العنف والاستباحة والقتل. كان حتميًا أن أذكر العقلاء في مصر والمنطقة العربية أن النبع الكريه للجماعة قد خرجت منه كل الظواهر الخبيثة في عالم اليوم، ومن ثم هناك ضرورة أن يكون الفعل العربي من داخل الجامعة العربية علي قدر الجرم الذي ارتٌكب في حق ديننا وأمتنا وإنسانيتنا في المقام الأول، وبالتالي كان الأولي بالجامعة العربية أن تسخر قدرا يسيرا من جدول أعمالها لبحث الظاهرة المؤسفة للجماعات المتطرفة وخطورتها علي الدول الأعضاء وأن تبحث بشكل لا مواربة فيه في مسألة إعلان جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا علي المستوي العربي حتي تكون الجامعة سنداً حقيقيًا للنظام العربي القائم علي وحدة المصير والدفاع المشترك ضد التهديدات. إن مشروع جماعة الإخوان يمثل تهديدا «وجوديا» للدولة العربية ويمثل منذ لحظة ولادته عام 1928 علي يد حسن البنا منعطفاً خطيرا في تاريخ المنطقة العربية التي قامت علي التعدد الديني والمذهبي علي مدي قرون طويلة، ثم جاء تيار ضد الفكر الإنساني والحداثة ليبث الفرقة والانقسام بين شعوب المنطقة حتي وصلنا إلي النسخة المتوحشة من التيار البغيض يشيع التدمير والخراب والقتل ضد الأقليات وضد تراث الحضارات القديمة التي نشأت في منطقتنا من بغداد إلي طنجة ومن الموصل إلي صنعاء دون أن يفكر المسلمون الأوائل في طمس معالمها. مواءمات الجامعة العربية فيما يخص الوضع البائس للشعوب وفيما يتعلق بالسكوت عن تنظيمات تأكل الأخضر واليابس من الخليج إلي المحيط، وكلها خرجت من رحم التنظيم الأم، تشعرنا بحالة من عدم اليقين إزاء مستقبل الجامعة والمؤسسات التابعة وهي لا تستطيع أن تقف موقفا مبدئيا من تنظيم يثبت كل يوم قدر ظلاميته وانحطاطه وعمالته. أدعو الجامعة العربية إلي أن تسجل موقفًا واضحًا من تلك التنظيمات التي تهدد كيان دول وتصرف الشعوب عن المستقبل إلي هوة سحيقة من الجهالة والتردي الأخلاقي وأن تبدأ بالإجابة عن عنوان المقال: لماذا لا تعلن الجامعة العربية «الإخوان» تنظيما إرهابيا؟!.