بدأ مشروع حلم الطاقة النووية السلمية في مصر منذ 60عامًا عندما وقع الزعيم الراحل جمال عبدا لناصر اتفاقية «الذرة من أجل السلام» مع الاتحاد السوفيتي عام 1955 للتعاون في المجال النووي السلمي. ولكن العدوان الثلاثي و حروب الاستنزاف و 67 أجلته، وبعد انتصار 73 تم طرح مناقصة لإنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء وفشلت بسبب التعنت الأمريكي، وفى عام 80 تم الاتفاق مع فرنسا على إنشاء محطة في الضيعة قدرتها 900 ألف كيلو وات حتى وقع حادث تشيرنوبل الذى أحبط الحلم وتكبدت مصر خسائر وصلت لأكثر من 250مليار دولار بسبب التأخر فى تنفيذ البرنامج النووي، وفى 2004 جاء قتل المشروع من الداخل بتأكيد وزير السياحة عن تحويل أرض المشروع بالضبعة لمنتجعات سياحية خاصة إرضاءً لأطماع رجال الأعمال. وفى 2008 أعلن الرئيس الأسبق حسنى مبارك إحياء المشروع وإعادة تجديد الدراسات التي تكلفت 800 مليون، وبعد الانفلات الأمني عقب ثورة 25 يناير تآمر بعض رجال الأعمال وهدموا السور والمنشآت وامحوا معالم الموقع لينتهي الحلم للأبد ،ورغم المرحلة الحرجة والوضع الاقتصادي الصعب جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ليحيى الأمل ويعلن من جديد عن تنفيذ مشروعين قوميين هما قناة السويس الجديدة والمحطات النووية بالضبعة بعد سنوات طويلة من الانتظار ومحاولات فاشلة لعرقلة الحلم. وأخيراً انطلق مارد مصر النووي على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذى عقد يوم الخميس الماضي اجتماعاً مهما برئيس الوزراء وحضور وزيري المالية والكهرباء ورئيس هيئة الشئون المالية بالقوات المسلحة ووجه خلاله بسرعة الانتهاء من الإجراءات الفنية والقانونية للبدء السريع فى إنشاء محطات نووية بالضبعة اعتماداً على مفاعلات الجيل الثالث التي توفر ذاتياً أعلى معايير السلامة والأمان. مؤكداً أهمية الطاقة النووية لمصر كمجال مستقبلي وحيوي يسهم فى إنتاج الكهرباء بشكل وفير لتلبية احتياجات المواطنين و الدولة فى تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على موارد الطاقة من البترول والغاز للأجيال المقبلة، وفى المقابل قام اللواء علاء أبوزيد محافظ مطروح بتوفير متطلبات الخبراء الروس المعنيين بتنفيذ المشروع فى وقت قياسي. بدايةً يؤكد الدكتور إبراهيم العسيرى نائب رئيس مجلس علماء مصر للطاقة النووية ،وكبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً ،أن اختيار الضبعة لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء لم يكن عشوائياً لكن الموقع خضع لعدة دراسات تناولت تاريخ المنطقة للتعرف على احتمالية حدوث سيول وبراكين وزلازل التى جاءت لتؤكد أنه أنسب المواقع ،ولذلك دعا مركز الأمان النووي لمنح الموقع إذن الصلاحية، موضحاً أن إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية حالياً أصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر مما جعل الرئيس عبدالفتاح السيسى يسرع فى خطوات التنفيذ مع الجانب الروسي مع الاعتماد على المفاعلات النووية من الجيل الثالث الذى يوفر الأمان الذاتى. وأوضح أن مصر خسرت أكثر من 250مليار دولار بسبب تأخرها فى المشروع النووي مع أننا بدأناه قبل دول كثيرة متقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند حيث إن العالم يحترم ويقدر الدول التى بها مفاعلات نووية تستخدمها فى الأغراض السلمية لإنتاج طاقة أنظف وأرخص على الإطلاق ، وأن الطاقة الشمسية رغم نظافتها فأن صناعتها تنتج 50 مادة سامة لذلك يشجع الغرب على تصنيعها فى مصر ،وأكد أن اختيار موقع الضبعة كان الأنسب بالنسبة للدراسات وأنه يستوعب ثمانى محطات كل محطة تتكون من وحدتين أو أربع وحدات حسب الإمكانات ،و كل وحدة تنتج من 900-1650 ميجاوات. وتابع: وأن المواصفات الفنية مع الجانب الروسى تتناول البدء فى إنشاء محطة تضم أربع وحدات كل واحدة تنتج 1200 ميجاوات أى قدرة المحطة 4800ميجاوات تحل الكثير من أزمة الطاقة مما يوفر نحو 20 مليون برميل من البترول سنوياً تعادل أكثر من 15 مليار دولار، وقال الدكتور العسيرى إن البرنامج النووي يسهم بشكل كبير فى تطوير الصناعات الوطنية وتأهيل مئات المصانع والشركات ورفع جودتها لتصبح منتجاتها عالمية بالإضافة إلى جذب الاستثمار الصناعي الخارجي فى شتى مجالاته المختلفة، وأيضاً يحدث طفرة هائلة فى الإنتاج الزراعي بتحلية مياه البحر مع إمكانية استخدامها فى الشرب والاستفادة منها فى زراعة ملايين الأفدنة بالصحراء الغربية التى تصلح تربتها فى زراعة جميع المحاصيل الزراعية، ولذلك تسعى المملكة العربية السعودية لإنشاء خمس محطات لتحلية مياه البحر،وأشار إلى أن المشروع سيكون تشجيعاً للسياحة خاصة الداخلية مثل بداية إقامة السد العالي الذى كانت الزيارات اليومية لا تنقطع عنه ولا تزال. وقال إنه بإنشاء محطات الضبعة سيكون البرنامج النووى الأول بالنسبة لدول شمال أفريقيا ومصر التى لم ير 99%من شعبها محطة نووية مما يحفز المواطنين على زيارة أول محطة نووية وهذه الزيارات ستوجد ألفةً مع الشعب ويطالب بالمزيد من إنشائها بتلاشى المخاوف التى تبثها دول مغرضة لا تريد تقدمنا ونهوضنا اقتصادياً 0 أما الدكتور حسن شعبان الأستاذ المتفرغ بهيئة الطاقة الذرية والخبير العالمي فى الطاقة النووية فيقول : إنه رغم أن إنتاج الطاقة الكهربائية فى مصر يزيد سنوياً بين 6 إلى 8% فان هذه الزيادة تغطى بالكاد الزيادة الحالية للاستهلاك المنزلي، وإذا أردنا إحداث طفرة صناعية وزراعية مع الاحتفاظ بمستوى الاستهلاك المنزلي الحالي للفرد لابد من زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء لتصل إلى 20% على الأقل سنوياً(5آلاف ميجاوات)،وإذا كنا حالياً نجد صعوبةً لاستيراد جزء من المنتجات البترولية لتشغيل محطات أنتاج الكهرباء فماذا نفعل بعد سنوات فى ظل الزيادة السنوية فى الطاقة ؟ مع العلم أن الطاقة الشمسية التى تمثل نسبة نصف فى المائة من إنتاج الطاقة عالمياً لا تحل المشكلة، حيث إن أنتاج المحطة يبلغ100 ميجاوات ولذلك نحتاج فى مصر إلى 20 محطة سنوياً وهذه حلول غير علمية ومرتفعة التكاليف، وأوضح الدكتور حسن شعبان أن الجيل الجديد من المحطات النووية تم تصميمه لتقليل أى احتمالات لوقوع حوادث لتكاد تكون منعدمة حيث أن الحوادث التى وقعت كانت فى مفاعلات مصممة فى الستينات وأن فرنسا تنشي المفاعلات النووية فى قلب المنتجعات السكنية، وأنه حالياً يوجد 60 مفاعلاً نووياً تحت الإنشاء لإنتاج الكهرباء فى 15 دولة حول العالم بما يعنى أن الدول المتقدمة بدأت تسعى للطاقة النووية الأكثر أماناً وأقل تكلفة وأكثر نظافة للبيئة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى لتستخدمها فى زيادة النمو الصناعي وتصدير الفائض من الطاقة للخارج، كما أنه بتنفيذ البرنامج النووي المصري ستتوفر آلاف فرص العمالة من مختلف التخصصات العلمية بالإضافة للفرص غير المباشرة، وكذلك إيجاد تنمية مستدامة فى مختلف المجالات والأنشطة وجذب استثمارات لا حدود لها . ويؤكد شاكر النجار رئيس لجنة الاستثمار بالمجلس الشعبى المحلى السابق بالإسكندرية،أنه قبل ثورة 25 يناير بسنوات قليلة تكاتف رجال الأعمال والمستثمرون يساندهم كبار المسئولين بالدولة الذين يقدمون مصالحهم ومكاسبهم الشخصية على مصلحة الوطن لقتل المشروع النووي المصرى عندما أعلن وزير السياحة زهير جرانة فى عام 2004 عن إلغاء إنشاء محطات نووية بموقع الضبعة والبناء على أرضه الذى تصل مساحتها إلى 45 كيلو متراً وبعمق من 3-5كيلو مترات وبطول 15 كيلومتراً على ساحل البحر الأبيض منتجعات وقرى سياحية. ولكننا اعترضنا على ذلك وطالبنا القيادة السياسية فى ذلك الوقت بمحاكمة من يمارسون ضغوطاً لإلغاء المشروع واستجاب الرئيس الأسبق حسنى مبارك وأعلن عن البدء فى إعادة تجديد الدراسات التى تكلفت 800 مليون جنيه ولكن المشروع تعرقل فى ظل الانفلات الأمني عقب الثورة لقيام بعض رجال الأعمال الذين يمتلكون قرى سياحية بالمنطقة بتحريض أهالي الضبعة بهدم الأسوار والمنشآت التى أقامتها هيئة المحطات النووية التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة داخل الموقع والاستيلاء عليه، ولكن مجهودات القوات المسلحة واللواء علاء أبوزيد محافظ مطروح الحالي الذى كان مديراً لجهاز المخابرات الحربية لمطروح فى ذلك الوقت أقنعت أهالي الضبعة بإخلاء الموقع للمصلحة العليا للوطن وصرف تعويضات مالية مناسبة للمتضررين من الأهالي.