تباينت ردود أفعال عدد من الشعراء والنقاد، حول فوز الشاعر السوري أدونيس بجائزة "جوتة" الألمانية المرموقة كأول أديب عربي يحصل عليها، وسبب التباين لا يعود للقيمة الفنية لشعر أدونيس وإنما ارتبط بموقفه السياسي الذي عده البعض "ملتبسا" من المظاهرات الداعية للحرية في سوريا، إذ كان كثيرون يتوقعون منه موقفًا أشد وضوحًا في دعم المتظاهرين في مهاجمة النظام السوري الذي يقتل مدنيين عزل. وكانت مؤسسة جوتة قد أعلنت أمس فوز الشاعر السوري الكبير أدونيس بجائزة "جوته" المرموقة كأول أديب عربى، واعتبرته لجنة التحكيم "أهم شاعر عربى فى عصرنا"، وفى حيثيات منحها رأت اللجنة أن أدونيس نجح فى نقل منجزات الحداثة الأوروبية إلى الثقافة العربية. ويرى الناقد والمترجم حامد أبو أحمد أن موقف أدونيس "مخيب للآمال"، الأمر الذي يجلعنا نتردد كثيرًا في الاحتفاء به لفوزه بمثل تلك الجائزة، لأن عدد القتلى السوريين تعدى الألف ومائة شهيد، فإذا كان أدونيس لم يقم بإدانه هؤلاء القتلة وعلى رأسهم بشار الأسد فهو في رأيي لا يستحق أن نهنئه بالجائزة. وكتب أدونيس عدة مقالات في صحيفة الحياة رأى منتقدوه أنها تدين القمع بالمطلق، لكن صاحبها يصمت عن إدانة القامع السوري. ونفى حامد أبو أحمد أن يكون أدونيس شاعرًا عربيًا كبيرًا بالأساس، مؤكدًا أنه بدأ ضد فكرة العروبة أساسًا، وواصفًا حيثيات منح الجائزة لأدونيس التي تشير إلى أنه نجح في نقل منجزات الحداثة الأوروبية إلى الثقافة العربية، ولموهبته الشعرية الفائقة وتوجهه الكوزموبوليتى ومساهماته في الأدب العالمي، ب"الأكاذيب " مؤكدًا أن انتشار أدونيس بالأساس جاء بسبب كتابه الثابت والمتحول الذي يحمل هجومًا سافرًا ضد العرب وضد الثقافة العربية. ومن ناحيته اعترض الشاعر محمود قرني على الاتهامات التي وجهها أبو أحمد لأدونيس، مؤكدًا استحقاقه لجائزة جوته وماهو أكبر منها، ولفت إلى أن حيثيات الجائزة تؤكد هذا المعنى إذ قدم للثقافة العربية مغامرتين نادرتين، فهو على المستوى الإبداعي شاعر مجرب واقتراحاته في الشعرية العربية صنعت منه علمًا من أعلام الحداثة العربية، وهو في هذا السياق ترك عشرات بل مئات ممن تتلمذوا عليه، مشيرًا إلى أن هذه المغامرة الإبداعية لأدونيس مثلت طوقًا أخرج الشعرية العربية من ترهلاتها ومن رجعيتها إلى آفاق تجاوزت الأغراض التقليدية. وعلى المستوى الفكري فقد استطاع أدونيس - بحسب قرني - أن ينقل عشرات الترجمات المهمة لشعراء ومفكرين رفدوا الثقافة العربية، وفي الوقت نفسه ظل صاحب مقترح فكري متميزًا منذ كتابه الثابت والمتحول في الثقافة العربية وهو الذي مثل فيما بعد مرجعية أساسية حتمية لإعادة قراءة تراثاتنا الفكرية والنقدية. أما بالنسبة لموقف أدونيس من الثورة السورية فيشير قرني إلى أنه: "ليس موقفًا مفاجئًا لي ولا يجب أن يكون مفاجئًا لغيري، وهو موقف أراه شديد النقض للموقف الفكري لأدونيس، وهو موقف قديم يؤكد من خلاله دائما تحالفات مريبة مع النظام السوري منذ أن كان الأسد الأب حاكمًا للبلاد، ولا أظن أن هذا الموقف ينفصل عن الموقف العقائدي لأدونيس الذي دفعه لاتخاذ مواقف تناقض دعوته الطليعية على الصعيد الفكري، ولعلنا نراجع في ذلك موقفه من الثورة الإيرانية والكثير من اختياراته التي تبدو في عقائديتها وأقلويتها في مختارات الشعر العربي، وهي مختارات نادرة لكنها تفتقر إلى كثير من الموضوعية بإهمالها لشعراء كبار وتصعيدها لأصاغر الشعراء على أسس فكرية وعقائدية وليس على أسس شعرية وفنية، وتأسيسا على هذه الرؤية لايندهش قرني من موقف أدونيس السلبي من الثورة السورية التي تسعى للانعتاق من تراث شديد الوحشية مارس أعتى وأحقر أنواع القهر والقمع ضد شعبه على مدار أكثر من 49 سنة. وفي المقابل يرى الشاعر عبدالمنعم رمضان أن أدونيس شاعرًا مظلومًا، مثله في ذلك كل الشعراء الرؤيويين العرب، وقد ظلم مرتين، الأولى لأنه شاعر عربي والمنطقة العربية طوال القرن الماضي دائما في احتدام سياسي؛ إما في استعمار ورغبة في التحرر، أو في قضايا كبرى كالقضية الفلسطينية، وبالتالي فالهم السياسي هو الهم الغالب، وعندما يطغى هذا الهم كل هذا الزمن يصبح الشعراء الأكثر امتيازا شعبويًا هم شعراء الهم السياسي وهم غالبًا الأقل قيمة وأكثر حظوة. وأضاف: أما المرة الثانية التي ظُلم فيها أدونيس، فلأنه عربي على أساس أن اللغة العربية وأدابها لاتقع في مرتبة عالية، مثل لغات شديدة الحياة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية، وأن نجيب محفوظ عندما يفوز بجائزة نوبل يحجبها أكثر من قرن على الأدباء العرب، رغم أن قيمة أدونيس الشعرية تفوق كثيرًا قيمة عدد من الشعراء الذين فا زوا بجائزة نوبل. أما بالنسبة للموقف السياسي لأدونيس فامتنع عبدالمنعم رمضان عن التعليق عليه: قائلا: لا أريد أن أتحدث في هذا الأمر حتى لا أخون نفسي وحتى لا أعتدي على صديق، لكني أستطيع الجزم بأن أدونيس ليست له مصالح مع النظام السوري ليدافع عنها، ربما تكون له مخاوف على عائلته هناك في سوريا. وفي السياق ذاته أكد الشاعر حلمي سالم على استحقاق أدونيس لتلك الجائزة، لكنه رأى أن موقفه من الثورة السورية نقطة سلبية كبيرة في مشواره، كشاعر عربي سوري كبير يجب أن يؤيد ويدعم الثورة السورية والثورات العربية عمومًا، ويدين القتل والقتلة، وأرجو أن يراجع نفسه في موقفه ذلك مرة أخرى، مؤكدًا أن منح أدونيس هذه الجائزة ليس لع علاقة من قريب أو بعيد بموقف أدونيس من الثورة السورية لأن مثل تلك الجوائز يكون الإعداد لها واختيار الفائزين يكون قبل منحها بسنة على الأقل. يُشار إلى أن أدونيس – المرشح منذ سنوات طويلة لنيل جائزة نوبل – سيتسلم جائزة جوته في الثامن والعشرين من أغسطس القادم، يوم ميلاد الشاعر الكبير جوته. وتُمنح الجائزة التي تبلغ قيمتها المادية 50 ألف يورو كل ثلاثة أعوام، ويُقام حفل التكريم في فرانكفورت، مسقط رأس يوهان فولفجانج فون جوته. ومن الحاصلين على الجائزة في السنوات السابقة الكاتب الإسرائيلي عاموس أوز ومصممة الرقصات بينا باوش والناقد الأدبي مارسيل رايش راينتسكي. يذكر أن أدونيس قد حصل على عدة جوائز، ومنها جائزة جان مارليو للآداب الأجنبية بفرنسا 1993، جائزة فيرونيا سيتا دى فيامو روما، إيطاليا 1994، جائزة ناظم حكمت بإسطنبول 1995، جائزة البحر المتوسط للأدب الأجنبى بباريس، وأيضًا جائزة المنتدى الثقافى اللبنانى بباريس، 1997، وجائزة التاج الذهبى للشعر بمقدونيا 1998، جائزة نونينو للشعر، إيطاليا 1998، وجائزة ليريسى بيا، إيطاليا 2000