بعد أزمة مياه النيل مع دول الحوض الإفريقية، ظهرت الأهمية الاقتصادية للتعاون والتكامل الاقتصادي الذي يتمثل في إنشاء مشروعات صناعية وأعمال مقاولات وحركة تجارة بينية نشطة. الشركات المصرية من جانبها أعلنت استعدادها للدخول في مشروعات شراكة وتنمية اقتصادية في هذه البلاد لكنها أثارت بعض المعوقات الرئيسية التي تمنع التواصل المستمر مع دول هذه القارة البكر. علي رأس تلك المعوقات صعوبة عمليات الشحن البحري والبري لقلة أعداد الموانئ والطرق البرية، العوائق الجمركية ونقص السيولة مع المتعاملين الأفارقة الذين يفضلون نظام المقايضة بالسلع. شركة المقاولون العرب من الشركات المصرية القليلة العاملة فى إفريقيا، حيث لديها استثمارات في 11 دولة إفريقية هي تشاد ونيجيريا والكاميرون وأوغندا وغانا وزامبيا وغينيا الاستوائية وإثيوبيا وانجولا والجابون ومالاوي تقدر ب 900 مليون دولار تتمثل في مشروعات إنشاء طرق وكباري ومساكن. ويشكو المهندس إبراهيم محلب، رئيس الشركة، من المخاطر الأمنية غرب وشرق إفريقيا وضآلة الاتصال البحرية والجوية إضافة إلى منافسة الصينيين لهم مشيرًا إلى أن المواطن الإفريقي لديه تقبل للنشاط الاقتصادي والتجاري المصري لتقارب الثقافة المصرية منهم خصوصًا وأن معظم الأفارقة لا ينسون الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي ساعد ثوار إفريقيا في الكفاح الوطني المسلح للحصول على استقلالهم. لكن رغم الصعوبات يقول محلب: إن الشركه مستمرة فى الاستثمار، وأن أحدث مشروعاتها هو إنشاء طريق يربط من كينيا حتي إثيوبيا بطول 54 كيلو مترًا وباستثمارات 57 مليون دولار. وقد قامت الشركة بتوقيع العقد مع الحكوميين لتنفيذ المشروع علي 30 شهرًا اعتبارًا من مايو الجاري، وأن الشركة يصدد إصدار خطابات ضمان الدفعة المقدمة وهذا الطريق يربط بين ميناءي البلدين لخدمة التجارة الخارجية. أيضا من أصحاب المشروعات المنتشرة في إفريقيا عماد السويدي صاحب شركة تصنع عدادات الكهرباء الأوتوماتيكية أو التي تعرف بالكارت المدفوع مقدمًا حيث يسوق هذه المنتجات في قارتي إفريقيا وآسيا، وقد تمكن من تصدير مليون عداد إلى دول إفريقيا من خلال مصانعه الكبيرة في غانا ثم زامبيا فإثيوبيا. ويؤكد السويدى أن السوق الإفريقية لديها فرص عديدة لجذب الاستثمارات من كل دول العالم لكن الاستثمارات المصرية لها مكانة خاصة في قلوب الأفارقة شعبًا وحكومة والفرص المتاحة هناك أيضًا في مجال الصادرات الكيماوية والغزل والنسيج والأجهزة المنزلية. أما عن المشاكل، فيأتي علي رأسها النقص الواضح في الخدمات اللوجستيه خصوصًا في المواني وتأمين نقل هذه الصفقات وتوفير خطوط الطيران ودعم التأمين علي المنتجات المصدرة هناك . يقول محمد شكري، رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات: إن توجه الصادرات والاستثمارات المصرية إلى إفريقيا أصبح ضرورة حتمية لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الطرفين لاستغلال الإمكانات المتاحة من حيث المصادر والخامات مؤكدًا أن الخطوة الأولي تم اتخاذها وهي التواجد المكثف للشركات في المعارض الإفريقية التي تقام في إثيوبيا وكينيا الشهر المقبل. ويشير شكرى إلى أن المجلس التصديري وأصحاب المصانع اتجهوا بالفعل إلى إنشاء مصانع في هذه البلدان التي تشهد غزوا من المصانع الخليجية والصينية والهندية، ولابد من تفعيل اتفاق الكوميسا لزيادة التعاون .. لكنه أشار إلى وجود عدد من المشاكل التي تكون سببًا في هروب الكثير من المستثمرين للدخول إلى السوق الإفريقية علي رأسها غياب النظام الائتماني المرن وتراجع العديد من البنوك المصرية عن إنشاء فروع لها في هذه الدول إضافة إلى مشاكل التخزين. ودعا إلى ضرورة تدخل حكومات الدول الإفريقية لتقديم تسهيلات وعوامل جذب للمستثمر لتشجيع تواجده فيها و تخفيض مصروفات الشحن وأن تتوافر المعلومات الكافية عن هذه الأسواق واحتياجاتها مما يترتب عليها ضعف الخطط التسويقية داخل هذه الدول. ولكن رغم المشاكل فإن هناك مجهودات لزيادة حجم التعاون. أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية والفرقة المصرية/الإفريقية يقول أن الاستثمارات المصرية في أثيوبيا مثلا فى طريقها إلى النمو. ويقول إن تلك الاستثمارات حاليا تبلغ 400 مليون دولار تتمثل في مشروع مصنع ينتج عدادات الكهرباء التي تعمل بالكارت الذكي إضافة إلى مصنع للمواسير الصلب باستثمارات 180 مليون دولار. ويقول الوكيل: إن مصر يمكن أن تلعب دورا كبيرا في المزج بين الفكر المصري والخبرة التكنولوجيا المتقدمة والشركات الأفارقة بحيث يتحول التعاون التجاري إلى تكامل اقتصادي مؤكدًا أن أصحاب 65 شركة رافقوه فى زيارته الأخيرة إلى إثيوبيا ووقعوا اتفاقيتين بين اتحاد الغرف التجارية المصرية والغرفة الإثيوبية وكذا غرفتي أديس أبابا والاسكندرية، حيث اتفق الطرفان علي تفعيل التعاون وتبادل المعلومات وإقامة المعارض بينهما. فى نفس الوقت تؤكد أماني عصفور نائب رئيس مجلس الأعمال بتجمع الكوميسا .. أنها أطلقت مشروعًا لتنمية المشروعات الصغيرة في دول حوض النيل وقررت البدء أولًا في أثيوبيا من خلال إنشاء حضانات لهذه المشروعات من واقع التجربة المصرية في الحضانة " حتشبسوت " وهي تنال دعما فنيا مصريا وتمويلا من البنك الإفريقي للتنمية وتراعي هذه الحضانات معايير الجودة والاعتماد في عمليات التصنيع بهدف انسياب المشروعات ومنتجاتها بين الدول الأعضاء في تجمع الكوميسا أو بين الدول الإفريقية حيث تقوم الحضانة بتقديم استشارات فنية ومالية وتسويقية لأصحاب هذه المشروعات وتعريفهم بها وإعدادهم علي كيفية إمساك الدفاتر وإعلان الميزانيات وإدارة المشروع. لكن المهندس وليد هلال، رئيس المجلس التصديري للكيماويات، أكد ضرورة إنشاء صندوق الضمان مخاطر الاستثمار في إفريقيا حيث تحاصر الصادرات المصرية العديد من المشاكل علي رأسها غياب الآمن، وقال هلال إن جولته الأولي في إفريقيا فتحت له صادرات ب 70 مليون دولار، وأن باقي دول تجمع الكوميسا تقدم تسهيلات وعوامل جذب كبيرة لتشجيع الاستثمارات بل ويمكن أن تنفذ الشركات المصرية عدة مشروعات في مجال حفر الآثار وحصاد الأمطار. أشار إلى أنه حاليًا يتم إنشاء ميناء بجيبوتي بالتوازي مع مشروع بورسودان لربط مصر بخطوط نقل بين إثيوبيا وجيبوتي والسودان، مما يساعد علي التغلب علي مشكلات النقل وضمان وصول السلع بسلام. وأكد أن زيارة الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، إلى إثيوبيا وأوغندا وبعض دول الحوض تعني عودة قوية إلى إفريقيا.. تلك السوق الواعدة التي أهملتها مصر لفترات طويلة لأسباب سياسية.