قال أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري (تحت التأسيس) ومنسق الجمعية الوطنية للتغيير إن ثورة 23 يوليو شكلت في وجدان المصريين نموذجًا للعدالة الاجتماعية التي يحلمون بها الآن وخرجوا من أجلها في 25 يناير. واعتبر بهاء الدين شعبان في حوار مع "بوابة الأهرام" ،أن الاشتراكية هي المستقبل، مستعرضًا أخطاء اليسار المصري وأسباب انهيار تحالف 30 يونيو..فإلى نص الحوار - بعد 63 عامًا على ثورة يوليو مازالت الثورة الأكثر نجاحًا في تاريخ مصر الحديث برغم الانتقادات التي وجهت لنظام يوليو ولجمال عبد الناصر..برأيك ما سر هذا النجاح؟ ثورة 23 يوليو شكلت في وجدان المصريين نموذجاً للعدالة الاجتماعية التي يحلمون بها الآن وخرجوا من أجلها في 25 يناير فقد أرضت طموح الكثيرين من فقراء الوطن وقتها لأن ملف العدالة الاجتماعية كان من الملفات الأساسية التي قدمت فيها إنجازاً عظيماً بعد أقل من شهر ونصف، حينما ظهر قانون الإصلاح الزراعي ناقلاً آلاف الفلاحين من وضعهم المعدم إلى ملاك للأراضي. وتوسعت رقعة المستفيدين من الإصلاح الزراعي ، وتوالت بعدها الإجراءات التي منحت الطبقة العاملة مكاسب، سواء في الأجور أو الخدمات أو المشاركة في مجلس الإدارة؛ مما أدى إلى توسيع رقعة مؤيدي الثورة، وساعد في تطوير الأوضاع الاقتصادية والصحية والثقافية للمواطنين. وكل إجراءات الثورة كانت انحيازًا للطبقة الفقيرة، وظهر ذلك في مجانية التعليم والتأمين الصحي ومد خدمات الكهرباء إلى أماكن لم تصل لها وانتشار خدمات البيئة، بالإضافة إلى الكرامة الوطنية، وهذا ما خلد جمال عبد الناصر رغم الأخطاء والهزائم. -وكيف ترى المشهد السياسي الحالي ووضع ثورة يناير بعد مرور أكثر من 4 سنوات برغم رفعها شعارات حققتها بالفعل ثورة يوليو منذ 63 عامًا؟. لا شك أن المشهد الحالي في مصر، بعد أكثر من أربع سنوات من انفجار ثورة 25 يناير 2011، بالغ الارتباك، فالكثير من شعارات الثورة تم إهدارها، وأحلام المؤمنين بها لم تتحقق، بل والعديد من الرموز التي ثار المصريون من أجل استبعادهم، عادوا يستفزون الناس ويمارسون ذات ما كان سببا للغضب والانفجار. لكن مآلات الثورات، حسبما يُعلمنا التاريخ، هي كذلك. فقد حدث هذا في الثورة الفرنسية، والثورة الروسية. والثورة المصرية ليست نشازاً في هذه القاعدة وستحقق أهدافها حتماً، على مراحل أو موجات، وستفوز بالنقاط وليس بالضربة القاضية. - البعض يرى أننا أصبحنا أمام أزمة 1954 جديدة ولكن أكثر عنفًا هل تتفق مع ذلك ؟ هناك أوجه للتشابه وأوجه للاختلاف.ومن أوجه التشابه وجود قضية الحرية، أو الديمقراطية في صلب الأحداث، وكذلك علاقة الإخوان بالموضوع، لكن الوضع يختلف فى حدود ودور عامل الفاعل الأجنبي، أو التدخل الخارجي، الذي يبدو بوضوح أكثر هذه الأيام. -- بعد ثورات الربيع العربي وما صاحبها من زخم قلت إن مصر مستعدة لاستقبال اليسار .. كيف تقيم موقع وأداء اليسار منذ الثورة وحتى الآن وما هي الأخطاء وكيف يمكن تصحيحها؟ كان اليسار المصري في صلب ثورة يناير، مُشاركا في كل الأنشطة التي سبقته، وفى كل الهيئات التي لعبت دورا فيها، وأبرز دليل على ذلك شعارها الرئيسي :"العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"، الذي يعكس تأثير اليسار في مسارات الثورة، التي هي فعل يساري بامتياز، بما أنها تسعى لتغيير المجتمع، ودفعه خطوات واسعة للأمام. لكن أداء اليسار بعدها لم يكن في مستوى اللحظة، وبعض عناصره وفصائله، أخطأت أخطاءً كارثية بالتحالف مع جماعة الإخوان، فخسرت انحيازها التاريخي للتقدم والعلم والعقلانية، ولكن أمام اليسار فرصة كبرى، إذا ما التحم بالطبقات الشعبية، وتبنى مشاكلهم، وما أكثرها، وكفت بعض تجمعاته عن أن تكون ألعوبة في يد بعض الاتجاهات الليبرالية، وبعضها عن أن يصطف مع الجماعات الإرهابية والإخوان فى مقدمتها، بحجج واهية، لأنه إذا لم يتم عزل الإرهاب وتصفيته، لن تكون هناك دولة تتحقق فيها الديمقراطية التى يتكلمون عنها!. - أين الحزب الاشتراكي من تلك الخريطة الآن؟ "الحزب الاشتراكي المصري"، حزب ناشئ، يكافح بضراوة في ظروف صعبة، وهولا يقبل التمويل من أى طرف خارجي، ويعانى مشاكل النمو المعروفة، لكنه أمسك بطرف الخيط الصحيح، بارتباطه بقضايا الطبقات الفقيرة في المجتمع، وعلى رأسها الفلاحين الفقراء، وقد انضم إليه مؤخرا أعداد منهم، وهذا بداية الطريق الذي سيتقدم به حثيثاً للأمام. - - لماذا تعثر مسار الاندماج مع التحالف الشعبي وهل يمكن إعادة المحاولة؟ نحن دعاة وحدة كل قوى وأحزاب اليسار المصري، وقدمنا أربع مشاريع للوحدة، مع زملائنا في التحالف الشعبي وباقي الفصائل اليسارية، ولن نيأس من تكرار المحاولة حتى النجاح، فهو أمر لا بديل عنه، ولا تطور بدونه. - تونس نجحت في توحيد اليسار بجبهة موحدة حازت بعض مقاعد البرلمان بالانتخابات الأخيرة برأيك ما هي معوقات توحد اليسار المصري؟ بعض هذه المعوقات يعود إلى المناخ السياسي السائد، الذي يقتل السياسة والحياة السياسية، وبعضها يعود لاختلاف الانحيازات والمواقف، ولكن رغم ذلك هناك قواسم مشتركة عديدة يمكن البناء عليها. - هل تعتقد أن هناك مستقبل للاشتراكية بعد 25 يناير و 30 يونيو؟ لا أعتقد أن هناك مستقبلا لغير الاشتراكية، في بلد فقير الموارد كمصر، يقطنه شعب تعداده يقترب من المائة مليون، أكثر من أربعة أخماسهم فقراء، ينهشهم الجوع والأمية والمرض والعشوائية وفقدان الرجاء. فشلت الرأسمالية في حل أي من مشكلات المجتمع، والدين الخاص والعام يهددنا بالأخطار، ولا حل إلا بالاشتراكية. لكن هذا طبعا على المدى الاستراتيجي، أما ما نتمناه الآن هو مجتمع رشيد يجيد "تدبير" أموره وفق إمكاناته، ويسعى للتملص النسبي من التبعية للغرب وللولايات المتحدة، ويضع في قمة أولوياته تحقيق قدر معقول من العدالة لجميع أبنائه. - هناك من يطالب الرئيس الحالي بأن يكون عبد الناصر جديد .. هل تعتقد أن التاريخ يعيد نفسه؟ لا يعيد التاريخ نفسه أبدا، ولكن يمكن الاستفادة من دروسه حتى لا تتكرر أخطاؤنا. عبد الناصر ابن زمانه، وحصاد لحظة تاريخية محددة لا يمكن أن تتكرر، لكننا مُطالبون بقراءة تجربته جيداً، والتعلم من انكساراتها وانتصاراتها. - برأيك لماذا انهار تحالف 30 يونيو وكيف يمكن استعادة لحمة 30 يونيو؟ تفكك تحالف 30 يونيو كان بفعل عوامل موضوعية وأخرى ذاتية: فعلى المستوى الموضوعي: ضم هذا التحالف أضداداً ومتناقضين، فمن قوى ثورة يناير 2011، ضد نظام "مبارك"، وفئات وطبقات اجتماعية تنتمي إلى نظام مبارك ذاته، فضلاً عما اصطلح على تسميته "الدولة العميقة" أي الأجهزة البيروقراطية والسيادية، الى استشعرت الخطر من اتجاه "الأخوان" لتهديد الدولة المصرية، وتغيير ملامح الهوية الوطنية. وكان طبيعياُ أن ينفرط هذا العقد بمجرد انتهاء هدف اجتماعه، وهو إسقاط حكم "الجماعة". وعلى المستوى الذاتي، فقد كانت قوى الثورة أضعف، وأكثر انفراطًا من أن تتمكن من فرض إرادتها، بالحفاظ على زخم الثورة، ودفع مسارها باتجاه تحقيق أهدافها.ومن هنا لم يصمد تحالف 30 يونيو طويلا، خاصة وأن من بيدهم مقاليد السلطة، لم يكونوا حريصين على الإبقاء عليه، ولا على أي "شريك" سياسي بارز آخر، فسمحوا لفلول "مبارك"، بالعودة إلى صدارة المشهد مجدداً، وتم التشهير بثورة يناير، واعتبارها مؤامرة أمريكية - صهيونية، وسجن العديد من الشباب المنتمى لها، الأمر الذي عجّل بتفكيك هذه الجبهة "التكتيكية" وتقطيع أوصالها. ولكي تُستعاد لحمة 30 يونيو، لابد من اتخاذ "حزمة" خطوات عملية، ترطب الأجواء، وتزيل مبررات الاحتقان، وتعيد بناء الثقة بين أطرافها، ومنها، على سبيل المثال: إيقاف التهجمات على ثورة يناير وتطبيق القانون القاضي بتجريم هذا السلوك، باعتبارها إحدى ركائز شرعية نظام الحكم، حسبما نصّت ديباجة الدستور، والإفراج عن شباب الثورة المسجون، لاحتجاجه سلمياً على "قانون التظاهر"، والذي لم تلوث يده بالدم، وفتح حوار صريح مع جموع الشباب الذي شارك فى الثورتين، والاستماع المخلص لوجهات نظرهم. وأيضا الشروع الفوري في بحث تطبيق شعار الثورة الأساسي "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"، واتخاذ إجراءات عملية عاجلة لتخفيف المعاناة على الملايين من فقراء الشعب المصري. وتطبيق ناجز للعدالة الانتقالية، ووضع حد للتجاوزات الأمنية، تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب"، بالتمييز القاطع مابين الرأي السياسي والمعارضة السلمية، الواجب توفير كل أشكال الدعم والحماية لهما، وبين الإرهاب والعنف، الذي ينبغي مواجهتهما بكل حسم وصلابة. وفى هذا السياق يمكن تشكيل لجنة حكومية شعبية مشتركة لتلقى المقترحات حول إعادة دراسة "قانون التظاهر"، وبما يحقق هدفي: الحفاظ على الأمن العام، وعدم التغول على الحريات العامة والخاصة. والبدء في حوار سياسي مفتوح مع القوى والأحزاب السياسية، للاستماع إلى وجهات نظرها وملاحظاتها، وتبنى تنفيذ الملائم منها، حرصا على الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية الحقّة. - ما هي الأخطاء الذي وقعت فيها السلطة بعد 30 يونيو وكيف يمكن حلها والتقليل من حجم خسائرها؟ أرى أن أبرز هذه الأخطاء تمثل في السماح لفلول النظام المباركي بالتسلق على أكتافها، والتشهير بثورة يناير وعناصرها.وعدم الحسم فى مواجهة تنظيمات الإرهاب، فى المجال السياسي والأيديولوجي، وأكبر دليل على ذلك، بقاء 11 حزباً دينياً متطرفا، محتفظين ب "الشرعية" الرسمية، رغم مشاركتهم فى التحريض على القتل والتخريب والتدمير، ومنهم – على سبيل المثال –"حزب الفضيلة"، الذي يترأسه المدعو "إيهاب شيحة"، وقد شاهده الجميع أخيرا يُحرِّض من قطر شعب مصر وجيشها، على قتل الرئيس الشرعي للبلاد، "عبد الفتاح السيسى". وكذلك التأخر في وضع برنامج ناجز لتحقيق "العدالة الانتقالية"، و"العدالة الاجتماعية". وإهمال تصفية الفساد، الذي أصبح كخلايا السرطان المنتشر في بنية الدولة المصرية.والهجوم المستمر على الأحزاب السياسية، لصالح الترويج للحكم الفردي، وإهمال خلق بيئة حاضنة للمشاركة الشعبية، على كل الأصعدة. -هل تؤيد إقصاء الإسلام السياسي من الحياة السياسية؟ أؤيد بوضوح فصل الدين عن السياسة، فالدين فعل إيماني روحي موقعه الضمير، أما السياسة فهي صراع على مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية، لا يجب الزج بالدين في أتونه.وما لم يتم هذا الفصل بقطع وحسم، لن نفيق من عمليات الاستنزاف اليومي، والإهدار التاريخي للطاقة، بسبب الخلط بين المجالين. - كيف يمكن منع وصول الإخوان وفلول الوطني للبرلمان؟ بالوعي الذي يجب استثماره لدى جماهير الشعب، والذي ارتقى إلى قمة غير مسبوقة بعد "الثورتين"، وباتحاد إرادة القوى والأحزاب المدنية. - ما هي توقعاتك للبرلمان المقبل؟ أخشى ألا يأتي البرلمان القدم مُعبرًا عن الإرادة الشعبية الحقيقية، ويتقاسمه فلول نظام مبارك والقوى الاجتماعية المحافظة، والمتاجرين بالدين، الذين يملكون إمكانات مادية ضخمة، ويخدمهم مجتمع البؤس والأمية. - بم تفسر الهجوم المتواصل على الأحزاب السياسية واتهامها بأنها ورقية والاتجاه لدعم المستقلين؟ لأن السلطة تريد برلمانا منزوع السياسة، خالٍ من الأحزاب، أغلبيته أعضاء مفردين، "فرط"، حتى يسهل توجيههم لخدمة إستراتيجيتها، ولذا كان لابد من أن تُوجه مدفعيتها الإعلامية إلى الأحزاب السياسية، بدلا من أن توجهها لأعداء الوطن الحقيقيين، كالإرهاب والفساد، على سبيل المثال. - ما هو موقع الشباب في المعادلة السياسية الحالية؟ خارج المعادلة السياسية، هو وكل الفئات والطبقات المحرومة فى المجتمع، وبتخطيط مسبق وفعل فاعل، وما يقال عن "تمكين الشباب"، حتى الآن "حبر على ورق". - أين جماعات التغيير الديمقراطي من المعادلة السياسية الآن؟ كحال الشباب أيضا. أعني هنا الجماعات الوطنية، أما الأخرى فقد أعماها بريق "التمويل" عن إدراك المسئولية الوطنية!. -- كيف ترى مستقبل الجمعية الوطنية للتغيير ؟ لقد أدت دورها بشكل طيب، كما فعلت حركة "كفاية"، واحتلت مكانها في تاريخ كفاح شعبنا من أجل الحرية والكرامة، لكن الظرف تجاوزها، ويحتاج كيان جديد له نفس المضمون، وبشكل أكثر ملائمة للحاضر وحاجاته.