أكد مؤرخون مصريون أن قانون الوثائق الجديد الذي انفردت "بوابة الأهرام" بنشر مواده قبل أيام لا يلبي طموحاتهم في إتاحة الوثائق ولا يخدم مسعاهم في حرية تداول المعلومات، داعين الى استقلال دار الوثائق عن وزارة الثقافة لتتبع رئاسة الجمهورية. وقال د. خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية أن القانون الجديد ركز علي تعريف الوثيقة وكيفية الحصول عليها أكثر من تأكيده علي فكرة إتاحة المعلومات بشكل عام، مضيفا أنه يريد أن يكون القانون جزءا من منظومة أكبر تتيح حرية الحصول علي المعلومات لكل المواطنين وليس للباحثين فقط. ورأي فهمي ضرورة إصدار قانون يكرس لحق المواطن في الحصول علي المعلومات من جهات الدولة الرسمية فعلي سبيل المثال يحق لأي شخص أن يدخل البنك الأهلي المصري ويستعلم عن مرتب رئيس مجلس الإدارة ومؤهلاته. وأوضح صاحب كتاب "كل رجال الباشا" أن هذا النوع من القوانين يوفر رقابة شعبية علي كل ما يفعله الموظفين في الدولة وبهذا المنطق تندرج دار الوثائق تحت عملية الرقابة الشعبية علي الوثائق التاريخية. وعاب فهمي على القانون الجديد اصراره على أن فترة السرية بحيث لا يجب أن تتجاوز 30 سنة وليس 50 سنة كما ينص القانون إلا في حالات إستثنائية، وقال إن قواعد السرية يجب أن تحددها لجنة من المؤرخين مع دار الوثائق وليس الدار منفردة. وأضاف فهمي أن إتاحة الوثائق بعد مرور 30 سنة له دلالة سياسية هامة في محاربة الفساد فحين يعلم المسئول أنه واقع تحت حكم التاريخ لا محالة سينعكس هذا علي أداؤه بالضرورة. وشدد علي أن المرحلة القادمة للعمل في دار الوثائق لا يجب أن تشهد استثناءات لوثائق أية جهة سواء كانت وثائق وزارة الخارجية أو أمن الدولة أو وزارة الدفاع، فهذه مؤسسات تخدم الشعب وهو من ينفق عليها ومن حقه الإطلاع علي طريقة إدارة الأمور بها. من جهته قال د. محمد عفيفي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة أن القانون الجديد لا يختلف كثيراً عن القانون القديم وأضاف أن المهم ليس هو القانون فالأمور لا تسير في مصر طبقاً للنصوص والقوانين وإنما المشكلة في التطبيق. ورأي عفيفي إنشاء أرشيف وطني كبير يتبع رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء ويضم كل وثائق الدولة فتوزع الوثائق بين عدة مؤسسات يمثل مشكلة فنحن نحتاج إلي أرشيف وطني مستقل لا مجرد دار وثائق تتبع وزارة الثقافة، فبقاء دار الوثائق علي هذه الحالة لا يمنحها السلطة الحقيقية. وقال أنه لا مشكلة لديه مع القوانين الموجودة ولكن المشكلة الحقيقية فيمن يطبقها واقترح عفيفي أن يتم تدريب كوادر من خريجي أقسام الوثائق والمكتبات وأقسام التاريخ بالكليات للعمل في الأرشيف بدلاً من الموظفين غير المدربين وقال ان الكوادر المدربة فنياً وإدارياً يمكنها تحديد العمل بقواعد السرية وحل تلك المشكلة. وأكد د. شريف يونس مدرس التاريخ بجامعة حلوان أن المشروع الجديد سيعيد كثير من الأمور إلي نصابها لأن الوضع السابق فيما يتعلق بوثائق البلد كان سيئاً للغاية وقال ان ما كان يحدث فعلياً أن المؤسسات الكبير في الدولة كوزارة الداخلية لو تكن تسلم أوراقها لدار الوثائق في ظل دولة إقطاعية تعاملت مع دار الوثائق علي أنها مؤسسة حكومية درجة عاشرة ولم تنظر للوثائق علي أنها تاريخ هذا الشعب بل اعتبرتها موضوع تحتكره. وأضاف يونس أن هذا الأمر ترك أثراً سيئاً للغاية علي دار الوثائق وعلي الكتابة التاريخية أيضاً حيث أن القبضة الأمنية التي تحكمت في كل شئ يتعلق بالدار حالت دون الإفراج عن وثائق 67 مثلاً وهو ما تسبب في غياب رواية مصرية عن الحرب واضطربعض المؤرخين للرجوع إلي أرشيفات بريطانية وأمريكية وإسرائيلية متاحة على الانترنت. ووصف يونس التعامل الأمني مع الوثائق بأنه "باطش وغبي" فمعظم قرارت المنع والحجب لم تكن بناء علي دراية بمحتوي الوثائق ولكنها كانت تصدر بشكل إعتباطي تماماً وقال يونس أن تلك القرارت كانت تتسبب في إيقاف أبحاث كثيرة بسبب تلك القرارت التي تصدر في أي وقت من أناس لا وضع قانوني لهم سوي سوي الوضع الذي أتاحته له الدولة المملوكية الباطشة. وقال يونس أن فترة ال 50 عاماً هي فترة تبدو مبالغاً فيها ولكن هناك مكاسب كثيرة في هذا القانون مقارنة بحقارة الوضع السابق ذلك إذا ما ابتعد الأمن تماماً عن دار الوثائق بعد استقرار الأوضاع في البلاد. وانفردت بوابة الاهرام قبل أيام بنشر مواد قانون الوثائق الجديد المقرر عرضه على مجلس الوزراء خلال اسبوعين. ويتضمن القانون الجديد تعريفاً جامعاً مانعا لمعني الوثيقة التي يحق للدار الحصول عليها، كما يتضمن مواد تكفل للدار حق الإشراف علي الوثائق العامة بكل مؤسسات الدولة المختلفة باعتبارها مؤسسات ينطبق عليها القانون العام وسيعطي القانون الجديد حق الضبطية القضائية للعاملين بدار الوثائق، ويعطي الدار حق الحصول علي الوثائق من المؤسسات الخاصة أيضاً. كما أن مدة سريةأي وثيقة لن تزيد بحال من الأحوال علي 50 عاماً من تاريخ إنشائها وسيخول القانون لدار الوثائق الحق في الحصول علي الوثائق التي توجد بحوزة أشخاص علي أن يتم تعويضهم بشكل ملائم. ويتيح القانون الجديد للدار امتلاك فروع في كل محافظات الجمهورية لمتابعة عمل الهيئات والمؤسسات التي يسري عليها القانون، وسيكفل حال إقراره استقلال الدار في وضع القواعد المنظمة للاطلاع علي الوثائق. ويذكر أن هذا القانون هو تعديل لقانون المحافظة علي الوثائق لعام 2006، وقد تقدمت الدار برئاسة د. عبد الواحد النبوي بناء علي توجيهات وزير الثقافة د. عماد أبو غازي بمشروع تعديل القانون لمجلس الوزراء وتمت مناقشة مسودته يوم الخميس الماضي في اجتماع مجلس الوزراء. ويتكون القانون من 13 مادة، وتنص المادة الأولي فيه علي أن الوثيقة هي أي مادة يصدرها أو يتلقاها شخص من أشخاص القانون العام أو الخاص أياً كان شكلها مدونة أو مسجلة عليها أي بيانات أو صور أو معلومات وتكون لها قيمة تستدعي الحفاظ عليها.