هل عاد زمن إرهاب الشيخ جابر فى جمهورية إمبابة من جديد ؟.. البعض انقسم على إجابة هذا التساؤل، منهم من قال نعم، والآخر قال لا، بينما تحفظت جماعة أخرى على الإجابة باعتبار أن جمهورية إمبابة فى عقد التسعينيات من القرن الماضى، تختلف فى مضمونها وجوهرها عما حدث قبل أيام من "مجزرة" بين سلفيين وأقباط، بسبب شائعة ترددت تفيد بأن إحدى السيدات القبطيات قيل إنها أسلمت وتزوجت من شاب مسلم، لتحترق إمبابة من جديد، وتتناثر دماء الأبرياء على الجدران. تلك المجزرة أثبتت أن حى إمبابة الشعبى جدير أن تلتصق به الألقاب التى أطلقت عليه قبل فترة طويلة، منها الصين الشعبية، وجمهورية الإرهاب، وعاصمة التدين والتطرف فى آن واحد، ومازاد من تعقيد الأزمة، أن هذا الحى وحده يقطنه أكثر من مليون نسمة، غالبيتهم من سكان الوجه القبلى، نزحوا إليه مع نهاية ثمانينيات القرن الماضى، ربما لتطبيق أفكار كان يصعب تطبيقها على أرض الوقاع فى موطنهم الأصلى" صعيد مصر". من النزوح الصعيدى إلى إمبابة، إلى التاريخ الذى لن ينسى مشاهد الدماء التى ارتوى بها بعض مناطق هذا الحى الشعبى بعد موجة العنف والتفجيرات العشوائية التى حصدت الأبرياء ولم تفرق بين رجل الشارع العادى والمسئولين الحكوميين والسائحين ورجال الشرطة. فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، كان لإمبابة السبق فى أن تكون معقل الكثير من الجماعات الدينية المتطرفة التى كانت تقف وراء موجات العنف والتفجيرات التى شهدها الشارع المصرى فى تلك الآونة، حتى إن البعض أطلق عليها فى هذه الفترة اسم "جمهورية إمبابة الإسلامية". تلك الجمهورية لم تتأسس أعمدتها من فراغ، بينما كان الممول الأول لها شخص يدعى الشيخ جابر، الذى كان ينتمى إلى الجماعة الإسلامية التى شنت هجمات مسلحة متقطعة ضد الحكومة فى عقد التسعينيات، وكان جابر قد فرض هو وأتباعه فكرتهم على مجريات الأمور فى حى إمبابة، رغم أنف الحكومة وقتها، حيث استقطبت جماعته المتطرفة الآلاف من الشباب لسماع خطبهم التى كانوا يشيرون فيها إلى حتمية القضاء على الفساد وكل مامن شأنه معادة الدين الإسلامى بأى ثمن. ذاع صيت الشيخ جابر فى إمبابة بعدما دخل فى أمور الفصل فى النزاعات، بعيدا عن رجال القضاء والشرطة، مع تركيزه، هو وجماعته على مساعدة الفقراء بالحى، ووصل الأمر الى طرد بنات الليل وتجار المخدرات خارج إمبابة تماما، وفرضهم ارتداء النقاب على النساء، وحرق المحلات التى كانت تؤجر شرائط الفيديو الغربية، وإجبار المسيحيين على دفع الجزية. وقتها لم تجد الحكومة بديلا للقضاء على الشيخ جابر وجماعته سوى إرسال مايزيد على 12 ألف جندى وعربات مدرعة فى محاولة منها لإنهاء هذا التطرف، لكنها فشلت فى ذلك، واضطرت إلى احتلال حى إمبابة لعدة أشهر، إلى أن تم القبض على جابر بعدما سهل أهالى المنطقة المهمة على الحكومة وأبلغوها بالمكان الذى يختبئ فيه جابر وجماعته، وتم القبض عليه بعد سبعة أيام من المطاردات. الطبيعة الجغرافية لحى إمبابة، كانت سببا رئيسيا فى إخراج شخصية فى حجم الشيخ جابر، فقد كان – ومازال- حى إمبابة عبارة عن مساكن عشوائية بدون تخطيط ، تتميز شوارعه بأنها ضيقة جدا وعبارة عن "أزقة" حيث تصعب سيطرة الأمن عليها بسهولة، تلك الظروف هيأت الفرصة لبروز ظاهرة جابر، الذى كان يعمل طبالا، وبلطجيا سابقا، تلفقته جماعة إسلامية متطرفة وحولته إلى زعيم لها، وفرضت من خلالها سطوتها على المنطقة، وما لبثت إمبابة أن تحولت إلى دولة داخل الدولة، لها قوانينها الخاصة، وحاكمها المطلق. من مظاهر الدماء والتطرف فى جمهورية إمبابة فترة التسعينيات، إلى شاشات السينما التى تحدثت عن تلك الأحداث ونقلتها كما كانت، حيث تحدث فيلم دم الغزال عن الشيخ جابر تحديدا، بينما رصد فيلم حين ميسرة، حرب الحكومة مع الإرهابيين فى حى إمبابة، للقبض على الجماعة الإسلامية المتطرفة، وكيف تم تدمير هذا الحى الشعبى بالمدرعات لقبض على جابر وأعوانه. لكن، بعد مواجهات عنيفة مع الدولة، ومن خلال قبضتها الحديدية، تم إغلاق ملف الجماعات الإسلامية، وإن ظلت رياح التشدد الديني، على الأقل المظهري واضحة هناك. وكأن حى إمبابة يأبى أن يختفي اسمه من الساحة، ليحتضن النزاع الإسلامى القبطى من جديد. أحداث كنيسة مارمينا التى سقط بسببها أكثر من 12 ضحية، وما يزيد على 275 مصابا، كشفت عن أن أفكار وقوانين وإجرام " الشيخ جابر الطبال" تنذر بالعودة مجددا، بعدما جزمت تلك الأحداث بأن نيران المتطرفين مازالت موقدة، حيث تريد الجماعة السلفية بهذه النيران، احتراق كل ماهو مغاير للشريعة الإسلامية، لكنهم تجاهلوا أن الإسلام لم يدعو لاقتحام المنازل والكنائس لإحراقها، أو اضطهاد الأقباط، والآن يأتى الاختيار: "إن كان جابر قد ثبتت عليه تهمة الإرهاب، عندما كان يريد تطبيق الشريعة الإسلامية بهذه الطريقة البشعة فى التسعينيات، وجاء بعض السلفيين اليوم ليحاولوا السير على نفس نهجه فعليهم أن يرحبوا بأن يطلق على دعاة إرهاب الشيخ جابر".