وصفت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية الروهينجيا في ميانمار ب"أكثر الأقليات معاناة من الاضطهاد في العالم". ورصدت في تقرير على موقعها الإلكتروني- بعض ملامح من هذا الاضطهاد، لافتة إلى أن أهالي أقلية الروهينجيا المسلمة في ميانمار ذات الأغلبية البوذية، أخرجوا من ديارهم وتم حشر نحو 140 ألفا منهم في مخيمات قذرة، وتم حرمانهم من حق التصويت في الانتخابات، وتم شطب أسماء أبنائهم من المدارس المحلية .. وقالت "لقد بات مسلمو الروهينجيا عرضة لعنف الغوغاء البوذيين الذين لا يمثلون للمحاكمة إذا اقترفوا جرائم ضد هذه الأقلية، كما أن ثمة قانونًا جديدًا يستهدف تحديد عدد أطفال الأسرة الروهينجية. وتساءلت (الإيكونوميست)، هل من العجيب إذن أن يهرب الروهينجيا من بلادهم تحت وطأة هذه الانتهاكات؟! وعادت المجلة بالأذهان إلى النصف الأول من العام الجاري عندما اعتلت حشود الروهينجيا الهاربة متون مراكب متهالكة وخاطرت بحياتها في عبور بحر "أندامان" طلبا للجوء إلى تايلاند أو إندونيسيا، فما كان إلا أن ضربهم المهربون واستولوا على مدخراتهم .. ولم تكن مأساتهم في عرض البحر بأقل ترويعا من حكايات المهاجرين الأفارقة العابرين البحر المتوسط على أمل أن ينعموا بحياة أفضل في أوروبا ومع ذلك، فإن ساكنا لم يتحرك لإغاثتهم. وأومأت الإيكونوميست إلى التاريخ المتنازع عليه بين أقلية الروهينجيا المسلمة في إقليم الراخين والبوذيين الأغلبية التي تعتبرهم "مهاجرين غير شرعيين" أو تقول إنهم "بنغال"؛ ذلك أنه على الرغم من أن أهالي الروهينجيا يعيشون في تلك المنطقة منذ مئات السنين، إلا أن أعدادهم شهدت نماء إبان الحقبة الاستعمارية، في الفترة التي كان الحكام البريطانيون على ما كان يسمى آنذاك بورما، يشجعون على الهجرة.. ومن سوء حظ الروهينجيا أنه بزوال القيود الأوتوقراطية في ميانمار عام 2011 أكسبت حرية التعبير زخما لأصوات دعاة بوذيين معادين للإسلام وكارهين للمسلمين فحرضت أبواق هؤلاء الدعاة أبناء ديانتهم من الغوغاء ليعتدوا على أقلية الروهينجيا وسط تقاعس من قوات الجيش والشرطة في ميانمار رغم قدرتها على ضبط الأمن، حتى لقد لقي أكثر من 200 مسلم روهينجي مصرعه عام 2012 على مرأى ومسمع من تلك القوات ولم تحرك ساكنا. ورصدت الإيكونوميست وصف "ديزموند توتو"، كبير أساقفة جنوب أفريقيا السابق والحائز على جائزة نوبل للسلام، لما يحدث للروهينجيا بأنه عملية "إبادة جماعية"، ورأت الصحيفة إن هذا الوصف مبالغ فيه، وأن الوصف الأقرب إلى الصواب هو أن ما يحدث أشبه ب"الأبارتايد" أو نظام الفصل العنصري الذي عانته جنوب أفريقيا وناضل الأسقف "توتو" لإسقاطه. لكن الإبادة الجماعية عادة ما تتقدمها أربع مقدمات جميعها وقعت بالفعل في حالة الروهينجيا: الوصم، والمضايقة، والعزل، والإضعاف الممنهج للحقوق.. ففي غضون العام الجاري سحبت حكومة ميانمار بطاقات الهوية ممن وصفتهم بغير المواطنين - تحديدا الروهينجيا ممن تنكر وجودهم كأقلية. وقالت الإيكونوميست إن على الغرب أن يطالب ميانمار بأن تمنح الروهينجيا حق المواطنة، كما يتعين على دول الجوار ومنها إندونيسيا وماليزيا أن تعامل الهاربين من الروهينجيا على متون القوارب باعتبارهم لاجئين وأن تسمح للمزيد منهم بدخول البلاد. ورأت المجلة أن ثمة شخصيتين ينبغي عليهما أكثر من غيرهما التدخل الجدّي: الأولى هي "أون سان سو تشي"، زعيمة المعارضة في ميانمار والحائزة على جائزة نوبل للسلام، والتي أحرزت سلطة معنوية هائلة في الداخل والخارج بعد معاناة طويلة في ظل الاعتقال في مسيرة النضال لإنهاء الحكم العسكري في ميانمار.. الشخصية الثانية بحسب المجلة هي "هيلاري كلينتون" التي أحرزت أكبر نجاحاتها في السياسة الخارجية إبان توليها حقيبة الخارجية الأمريكية، من خلال ملف ميانمار. غير أن أيا من الشخصيتين لم تحرك شفة أو عِرْقا من أجل الروهينجيا؛ ذلك أن السيدة كلينتون في سباقها للبيت الأبيض، لن تجني أصواتا انتخابية إذا ما تحدثت عن معاناة غير الأمريكيين ممن يعيشون على بُعْد آلاف الأميال عن ولاية "أيوا".. أما السيدة "سو تشي"، فإنها ولا شك تحسب عدد الأصوات التي قد يخسرها حزبها في الانتخابات المقررة في وقت لاحق بميانمار إذا ما دافعت عن فئة منبوذة لا تحظى بشعبية في البلاد. وأكدت الإيكونوميست أن صمْت الشخصيتين، كلينتون و"سو تشي"، يجلب عليهما العار والخزي .. ففي ميانمار، كما كان في جنوب أفريقيا، إنهاء الأبارتايد هي مسؤولية الجميع.