من المقرر أن يتخذ صندوق النقد الدولي في شهر أكتوبر المقبل قراره بشأن إدراج اليوان الصيني ضمن العملات الدولية أم لا. وإذ كانت بكين تترقب قرار الصندوق بفارغ الصبر، فإن واشنطن لا تقل متابعة واهتماما بنتائج المناقشات وتأثيرها في مكانة الدولار الدولية. ووفقا لتقرير أوردته صحيفة "الاقتصادية السعودية" أن "تدويل" اليوان، وتحويله إلى عملة احتياطي نقدي عالمي سيعيد ترتيب قواعد اللعبة في عالم العملات، وقد تكون هذه الخطوة في مصلحة الصين التي تسعى جاهدة إلى اختطاف صدارة الاقتصاد العالمي من الدولار. وقال الدكتور روجر كورن، ويل أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كمبريدج، إنه إذا اتخذ الصندوق قرارا بشأن ضم اليوان إلى سلة العملات الدولية فإن ذلك الأمر سيكون قرارا تاريخيا، وبداية لتغيير جذري في النظام المالي والتجاري العالمي". وأضاف كورن أن سلة عملات الاحتياطي النقدي لدى صندوق النقد مؤلفة من أربعة عملات فقط هي الدولار واليورو والاسترليني والين، وإذا استثنينا الين فإن العملات الثلاثة الأخرى تمثل قرابة 90 % من احتياطات الصندوق، وإدخال عملة جديدة ضمن هذه الاحتياطات يعني تقليص نصيب العملات الثلاثة، وحيث أن الدولار يمثل نحو 42 % من إجمالي الاحتياطي، فإنه في الأغلب سيكون الأكثر تأثرا من إدراج اليوان ضمن سلة الصندوق. وأشار كورن إلى أن الأكثر أهمية بالنسبة لبكين أن ذلك سيكون بمثابة شهادة دولية بأن التجارة الكونية يمكن أن تتم بالعملة الصينية، وأعتقد أنه خلال عقد أو اثنين سيتم تقييم عديد من السلع الدولية بالعملة الصينية، وهذا يعني تقليص المزايا النسبية التي يتمتع بها الدولار حاليا في الأسواق العالمية. يشار إلى أن المؤشرات الاقتصادية الصينية للربع الأول من العام الجاري لا تبدو مبشرة بالخير، فاستثمارات الأصول الثابتة التي تعد عامل تحفيز أساسي للنمو الاقتصادي، زادت بنسبة 12 % وهو أدنى معدل لها منذ عام 2000. وإذ يرجع هذا الانخفاض إلى تدني النمو في قطاع العقارات الذي يشهد فائضا في المعروض، فإن البنك المركزي الصيني لم يكن أمامه غير خفض معدلات الفائدة للمرة الثالثة خلال ستة أشهر، وهو إجراء غير مسبوق تاريخيا في الصين. وإجراء البنك المركزي الصيني استهدف التغلب على حالة الركود الاقتصادي، برفع معدلات الإقراض وزيادة الاستهلاك المحلي، لكنه يأتي أيضا ضمن جهود متسارعة من السلطات الصينية لإصلاح النظام المالي، ورفع القيود الحكومية على العملة الوطنية، استعدادا لضمها لسلة العملات الدولية المعتمدة لدى صندوق النقد كاحتياطي دولي يحتفظ به لمساندة الدول الأعضاء. وتعتبر صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية المساعي الصينية للقيام بدور أكبر في النظام المالي العالمي تعود إلى سنوات الأزمة الاقتصادية وتحديدا إلى عام 2009 عندما نشر تشو شياو تشوان محافظ البنك المركزي الصيني ورقة بحثية تحت عنوان "إصلاح النظام النقدي العالمي" أشار فيها إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية كشفت خطورة اعتماد النظام الدولي على الدولار"، مقترحاً أن تكون سلة العملات الاحتياطية التابعة لصندوق النقد بمثابة عملة احتياطية دولية غير مرتبطة بالدول. من جهته، أوضح الدكتور كوبر كلينر، أستاذ مادة النقود والبنوك في جامعة ليدز، أن الاقتراح الصيني في حينه كان يعكس إدراك بكين أنها لا يمكن أن تدفع باليوان لأن يكون عملة دولية، فأرادت أن تحشد أصواتا دولية معها وتحديدا الروبل الروسي والريال البرازيلي وعملة جنوب إفريقيا الراند بحيث تتحول سلة عملات صندوق النقد إلى عملة في حد ذاتها، تعكس القوى النسبية لعملات مجموعة من الاقتصادات الدولية. ويستدرك كوبر أن الأمر مختلف تماما الآن، فالسلطات الصينية تدرك أن اقتصادها على الرغم من تراجع معدلات النمو، يسير في خط تصاعدي، واحتياطيها من العملات الأجنبية يقارب الآن أربعة تريليونات دولار أمريكي، واستثمارات الصين الخارجية تقارب إن لم تتجاوز الاستثمارات الأجنبية لديها، ولذلك لم تعد بكين تتحدث الآن عن كون سلة عملات احتياطي صندوق النقد مؤلفة من عملات دولية متنوعة خارج العملات الأربعة الكبار، وإنما تطالب بأن يكون اليوان ضمن سلة العملات. ويلقى المسعى الصيني بأن يصبح اليوان عملة دولية دعما من قبل بلدان منطقة اليورو وتحديدا ألمانيا، ويتوقع المختصون أن تدعم لندن أيضا الرغبة الصينية، ويأتي ذلك في ضوء مشاركة لندن وبرلين في مجموعة البلدان المؤسسة لبنك الاستثمار والبنية التحتية الذي اقترحته الصين وتعارضه واشنطن. ويعتقد البعض أن الدعم الأوروبي لاعتبار اليوان عملة دولية يشير إلى اتساع الفجوة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، بعد أن انتقدت تقدمهم بطلب عضوية بنك الاستثمار والبنية التحتية. ومع هذا فإن مواقف المحللين تتباين تجاه مدى استفادة واشنطن من إدماج العملة الصينية في احتياطات صندوق النقد الدولي، فصحيفة الفاينانشيال تايمز ألمحت إلى أن الإدارة الأمريكية ستحث الصندوق على تطبيق قواعده بدقة عند إدماج اليوان ضمن حقوق السحب الخاصة، وذلك كنوع من الضغط على الصين من أجل القيام بعمليات تحرير مالي أكبر، إلا أن مختصين اقتصاديين يعتقدون أن الموقف الأمريكي سيكون أكثر تشددا من ذلك بكثير. من جهته، يرى الدكتور بيتر فينر ،الاستشاري في البنك الدولي، أن القضية تتجاوز بكثير اعتبار اليوان عملة دولية، لأنها تعني تغييرات جوهرية في المنظومة المالية العالمية، وتعيد صياغة النظام الدولي ليس فقط اقتصاديا وإنما سياسيا أيضا، وعلينا أن نتذكر أن الكونجرس الأمريكي يرفض بشدة أي إصلاحات في البنك أو الصندوق الدوليين تزيد من قدرة الصين التصويتية، فهل يمكن أن يقبل بجعل اليوان عملة دولية. وأضاف فينر أنه "من الواضح أن أمريكا ليست متحدة حاليا تجاه القضايا الدولية الكبرى، فهناك خلاف بين الإدارة والكونجرس بشأن إيران، وكذلك يوجد خلاف أكثر عمقا بشأن كيفية التعامل مع الصين، بينما يعتقد أوباما والدائرة المقربة منه أن جعل اليوان عملة دولية، قد يؤدي إلى تراجع طفيف في قدرة الولاياتالمتحدة الاقتصادية على المستوى الدولي، لكنه يجعل الصين أكثر التزاما بتعهداتها الدولية، وأقل تطرفا في سلوكها سواء الاقتصادي أو السياسي". ويرى فينر أن الجمهوريين المسيطرين على الكونجرس يعتقدون أن أي تراجع في الهيمنة الاقتصادية لواشنطن على الساحة الدولية وتحديدا تفوق الدولار بوصفه العملة الدولية الأقوى يعني تراجعا في السيطرة الأمريكية على النظام العالمي سياسيا واقتصاديا. ويؤكد فينز، أنه أياً كان موقف واشنطن وحتى إن لم يقر صندوق النقد العملة الصينية باعتبارها عملة دولية في شهر أكتوبر، فإن الأمر مسألة وقت والاعتراف باليوان عملة دولية واقع لا محالة سواء الآن أو مستقبلا، فالاقتصاد الصيني هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولا يمكن استبعاد أن تكون العملة الصينية عملة دولية لوقت طويل. ويعتقد بعض المحللين أن القبول الدولي باليوان يعود في الأساس إلى التغيرات التي حدثت في نمط التنمية الصينية خلال السنوات الماضية، وقلصت تلك التغيرات من التحدي الدولي الذي يمثله الاقتصاد الصيني للاقتصادات الكبرى. وأشار وزير الماليةالصيني خلال زيارة إلى لندن أخيرا وفي ندوة له في مدرسة لندن للاقتصاد، إلى أن الصين حتى قبل وقوع الأزمة الاقتصادية في 2008، قررت التحول من التنمية القائمة على التصدير إلى التنمية القائمة على الاستهلاك المحلي. وأوضح الدكتور فرنك جوي من مدرسة لندن للاقتصاد، أن الرسالة التي كان يريد وزير الماليةالصينية إرسالها إلى الدوائر المالية العالمية خلال زيارته لندن، تتمثل في أن نمط التنمية الصيني تحول من التصدير للخارج إلى الاستهلاك الداخلي جراء تنامي الطبقة المتوسطة وارتفاع مستوى معيشتها، ومن ثم زيادة الطلب المحلي على حساب التصدير، وهذا يعني أن بكين ستلعب بطريقة عادلة في مجال التجارة الدولية بمجرد إدخال اليوان ضمن حسابات السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي. ومع هذا، فإن بعض بيوت المال الأوروبية الكبرى تبدي قلقا واضحا جراء اعتبار العملة الصينية عملة دولية، وينبع هذا القلق من أنه إذا اتخذ صندوق النقد قراره باعتبار اليوان عملة دولية، فإن القرار يتزامن مع إجراءات اتخذتها السلطات الصينية أخيرا يسمح بمقتضاها للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في السندات الحكومية المحلية، وهو ما يعني في حالة الإقرار بعالمية العملة الصينية، أن المراكز المالية الكبرى في الصين مثل هونج كونج وشنغهاي قد تصبح ليست فقط بديلا للمراكز المالية الأوروبية والأمريكية التقليدية، ولكن يمكن أن تتفوق عليها وتطيح بها على الأمد الطويل. ويقول بيرت أون، المحلل المالي، إن هناك عملية تحديث صينية مكثفة في الآونة الأخيرة بشأن عدد من القوانين المالية وتطوير قوانين حماية الملكية الخاصة التي كانت إحدى أكبر النقاط الخلافية مع البلدان الأوروبية والولاياتالمتحدة، وسيتم تطوير وتحديث قوانين الملكية خاصة الملكية العقارية عبر التخلص من الرواسب المتبقية من الإجراءات الإدارية للنظام الشيوعي. وهذا كله يؤهل الصين – حتى إن لم يتم الاعتراف باليوان عملة دولية – أن تصبح مركزا ماليا دوليا، فإذا أخذنا في الاعتبار امتلاك الصين كفاءات عملاقة وتنوعا مجتمعيا، وعلاقات اقتصادية وروابط مالية مع المنطقة الآسيوية التي تعد من المناطق الأسرع نموا في العالم، فإننا أمام تحد واضح للمراكز المالية الأوروبية والأمريكية، وإذا ما تم الإقرار باليوان عملة دولية فأعتقد أن الدولار سيفقد مركزه كإمبراطور للعملات بحلول منتصف القرن".