يحتضن منتجع كامب ديفيد الشهير في الولاياتالمتحدة غدًا– الأربعاء- ولمدة يومين القمة التي تجمع قادة دول منظومة مجلس التعاون الخليجي الست بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي تنطوى بكل المقاييس على أهمية استثنائية فى مسار العلاقات بين الطرفين الأمريكي والخليجي. وتتسم القمة بأبعاد إستراتيجية لاعتبارات سياسية وأخرى تتعلق بكون منطقة الخليج واحدة من أهم مناطق العالم إنتاجا للطاقة، من خلال احتوائها على احتياطيات هائلة سواء من النفط أو الغاز، فضلا عما باتت تتميز به من قسمات حضارية متطورة، بفعل مشروعات النهوض التي تطبقها دولها الست، وإن تراوحت معدلاتها ومستوياتها, على نحو جعلها في صدارة المشهد التنموي العالمي. إلى جانب تصاعد حركة الأحداث في النظام الإقليمي العربي، الذي أضحت دول المنظومة فاعلا رئيسيا فيها سواء التوجيه أو تقديم الإسناد لأطراف فيها أو الانخراط المباشر فيها مثلما حدث مؤخرا على صعيد تشكيل التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن بمشاركة خمس من دول مجلس التعاون – سلطنة عمان انتهجت سياسة النأي بالنفس ربما انتظارا لدور تلعبه فى مرحلة التفاوض لترتيب الحل السياسي التي توشك أن تبدأ. يأتي انعقاد قمة كامب ديفيد بين قادة مجلس التعاون والرئيس الأمريكي بناء على دعوة من الأخير، في أعقاب التوصل إلى الاتفاق الإطاري بين إيران من ناحية ومجموعة 5+1 فى مطلع شهر أبريل المنصرم بمدينة لوزان السويسرية، وخلال سلسلة من الاتصالات الهاتفية التى أجراها أوباما مع هؤلاء القادة في مساء اليوم نفسه الذي تم التوصل فيه إلى هذا الاتفاق، وذلك بعد أن لمس لدى أغلبيتهم قدرًا من الهواجس من إمكانية أن يحمل هذا الاتفاق- والأهم الاتفاق النهائي الذي من المتوقع أن يتم التوصل إليه نهاية يونيو المقبل- تأثيرات سلبية على دول المنطقة. وذلك رغم إعلانها في بيانات رسمية عقب ذلك بأيام ترحيبها بالإطاري بحسبانه خطوة مهمة نحو استقرار المنطقة – باتت تشعر - من خلال بعض وسائل إعلامها – عدم ارتياحها للتقارب الإيراني الغربي - تحديدا الأمريكي- خشية أن يخصم من رصيد التحالف الاستراتيجي الطويل الأمد بين واشنطن ودول منظومة مجلس التعاون، لصالح طموحات طهران الإقليمية والتي تمددت في الأعوام الأخيرة في المنطقة العربية وبالذات فى مناطق تتماس مباشرة مع دول المنطقة ( العراق – سوريا -اليمن ). فضلا عن مشكلاتها المباشرة مع دولتين خليجيتين هما الإمارات والبحرين والاتهامات التي تفاقمت مؤخرا بتدخل إيران في الشئون الداخلية للنظام الإقليمي العربي الأمر الذي جعل مصر تعلن رسميا - وعلى لسان رئيسها وفى رسالة لإيران وغيرها من القوى الإقليمية المحيطة بالمنطقة - رفضها وتصديها لأي مصادر تهديد أيا كانت لأمنها. وفى ضوء هذه المعطيات وغيرها، يمكن الوقوف عند أهم المطالب التي ستشكل محاور رئيسية لقادة دول منظومة مجلس التعاون في مناقشاتهم ومداخلاتهم خلال قمتهم مع الرئيس باراك أوباما، والتي نتمنى أن يكون قد تم الإعداد لملفاتها من قبل مجموعة الخبراء والمستشارين، من كافة القطاعات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية بعمق وشمول. ووفق منهجية علمية تقوم على المعلومات الصحيحة، وتقديرات المواقف السليمة وعلى نحو – وهو الأمر المؤكد – يصب فى منحى يتلاءم مع المصالح العليا لدول وشعوب المنطقة، وللاستقرار الإقليمي وللنظام العربي ككل والتي تشكل منظومة مجلس التعاون رأس حربته فى المرحلة الراهنة، وذلك على النحو التالي : أولا: إن استقرار منطقة الخليج بدولها وشعوبها ومشروعات النهوض فيها، غير قابل للمساومة في الاتفاق النووي النهائي المرتقب فى نهاية يونيو المقبل، أو القبول بمنطق الصفقات التى يمكن أن تكون تحت الطاولة بين طهرانوواشنطن، في ظل تقارير تتحدث عن إمكانية مبادلة إنهاء الطموح النووي العسكري لإيران مقابل إطلاق المجال لنفوذها وتمددها الإقليمي سواء في منطقة الخليج، أو على مستوى النظام العربي ككل. ثانيا: مطالبة الولاياتالمتحدة بتغيير إستراتيجية التعامل مع إشكالية التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية، والتي تهدد بشكل مباشر دول منظومة مجلس التعاون الخليجي، خاصة بعد التمدد الواضح لتنظيم داعش فى مساحات شاسعة فى كل من سورياوالعراق، وعجز غارات التحالف الدولي الذى تقوده واشنطن عن تحقق تغييرات واسعة على معادلة وجود داعش على الأرض، والذي على الرغم من النكسات التى تعرض لها مؤخرا فى العراق. ذلك بعد إجباره على الانسحاب من تكريت فى محافظة صلاح الدين، ما زال يتشبث بمناطق مهمة مثل الأنبار والرمادى، واستعاد سيطرته على أجزاء من مصفاة النفط الإستراتيجية في بيجى معتمدا على سياسة الكر والفر، مما أعاد القلق مجددًا في الآونة الأخيرة من إمكانية أن يظل هذا التنظيم، رقما مهما فى معادلة الاضطراب السائدة فى المنطقة فى ظل سعيه الحميم إلى التمدد إلى كل من ليبيا ولبنان ومناطق أخرى. وثمة من يرى في هذا الصدد أهمية تشكيل تحالف عربي أمريكي للتدخل البري، تكون دول الخليج رأس حربته، ويمتلك أدوات أكثر فعالية فى القضاء على داعش وغيره من تنظيمات الإرهاب، وإن كان ذلك قد يشكل عبئا إضافيا على الموازنات الخليجية التى تكابد العجوزات منذ تفجر أزمة انخفاض أسعار النفط في العام الماضي . ثالثا: حث الإدارة الأمريكية على ممارسة سياسة وتحرك أكثر دينامية باتجاه الأزمة السورية، مع العمل على توظيف التحولات النوعية التى حققتها أطراف المعارضة، والتي تحظى بدعم وإسناد خليجي خاصة من قبل المملكة العربية السعودية وقطر بالتعاون مع تركيا، وبشكل خاص فيما يتعلق بالقناعة التي تؤمن بها هذه الدول، وتتمثل في أن بشار الأسد لم يعد جزءا من الحل وهو خارج حساباته، وفق ما شدد عليه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قبل أيام. وذلك يعنى الإعداد الجيد لمرحلة ما بعد سقوط النظام من خلال ترتيبات للمرحلة الانتقالية، تضمن المحافظة على مؤسسات الدولة السورية ووحدتها أرضا وشعبا، بما يحول دون تعريضها لمصير ليبيا أو اليمن، والشاهد أن انتصارات المعارضة الأخيرة، التي حاول الأسد التقليل من تداعياتها على نظامه حققت قدرا لا بأس به من التوازن على الأرض، وهى خطوة ضرورية باتجاه الحل السياسي سيطالب القادة الخليجيون بتوظيفها أمريكيا وغربيا لإنضاح الحل السياسي القائم على محددات بيان جنيف 1 الصادر فى 30 يونيو 2012. رابعا: حث واشنطن على الإلقاء بثقلها وراء الجهود الإقليمية والدولية لوضع الأزمة الليبية على سكة الحل السياسي، من خلال عدم توجيه رسائل قد تفهم منها بعض الأطراف أنها مدعومة أمريكيا وربما غربيا فيدفعها إلى المزيد من التشدد مثلما وقع مؤخرا من المواقف السلبية لبعض الأطراف تجاه مسودة الاتفاق التى توصل إليها المبعوث الأممى الخاص لليبيا برنادرينو ليون، والأهم تبنى مواقف واضح يكون من شأنه إعلاء جانب الشرعية المنتخبة من الشعب الليبى مع فتح الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تقصى طرفا أو تبعد فصيلا مادام ينتهج الطريق السلمي ويسعى للمشاركة. خامسا: إن القضية الفلسطينية بتعقيداتها المتعددة والمتنوعة لن تغيب عن أجندة قادة دول منظومة التعاون الخليجي في لقائهم مع رئيس أكبر دولة داعمة لدولة الاحتلال بل وتتحالف معها استراتيجيا وتعلن التزامها بأمنها ووجودها ومن ثم سيكون المطلب يسيرا من باراك أوباما. وهو البدء فى تنفيذ ما طرحه غيرة مرة من حل الدولتين الذي يتضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 قابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل وعدم الارتهان لضغوط اللوبي الصهيونى وابتزازات حكام الدولة العبرية، وذلك حتى إغلاق أهم نافورة تقذف بالبيئات الحاضنة للتطرف والإرهاب الذى تعانى من الولاياتالمتحدة، فضلا عن المنطقة العربية. سادسا: يتعين على قادة مجلس التعاون أن يبحثوا وبكل شفافية مع الجانب الأمريكي، ملف حقوق الإنسان الشائك الذي يشكل مشكلة كبيرة، تمثل عائقا كبير على صعيد تعزيز العلاقات الخليجية الأمريكية والأوروبية للوقوف معهم على الحد الأدنى فيما يتعلق بهذا الموضوع، خصوصًا وأن تطوير العلاقات بين الجانبين يخضع لمدى احترام وانجازات حقوق الإنسان، وهو ملف شهد تحولات إيجابية مهمة فى السنوات الأخيرة بدول الخليج.