انتهت المفاوضات بين واشنطن وطهران مساء الإثنين في سلطنة عمان حول البرنامج النووي الإيراني من دون تحقيق أي تقدم بعد يومين من المحادثات التي وصفها الجانبان بأنها "جدية". وفيما تقترب مهلة انتهاء الاتفاق المؤقت حول الملف في 24 نوفمبر، خصص وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف عشر ساعات في محاولة لتقريب المواقف بين بلديهما. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي ان المحادثات في سلطنة عمان كانت "صعبة ومباشرة وجدية"، وأن الولاياتالمتحدة تبقى "مركزة للغاية على إحراز تقدم" مشددة على أن "هناك وقتًا كافيًا لتحقيق ذلك". كما قال أحد كبار المفاوضين الإيرانيين إن المحادثات انتهت من دون احراز اي تقدم، لكنه مع ذلك اكد تفاؤله بالتوصل الى اتفاق. ونقلت وكالة ايسنا عن نائب وزير الخارجية عباس عرقجي قوله في ختام يومين من المحادثات بين وزيري الخارجية الاميركي والايراني برعاية الاتحاد الاوروبي "ليس بالامكان الحديث عن احراز تقدم في المفاوضات لكننا متفائلون بالتوصل الى اتفاق بحلول" 24 نوفمبر. وأشار الى ان هذا الاتفاق قد يكون "إما شاملاً وأما أقله على مستوى عام" ملمحًا إلى أن محادثات تقنية قد تستمر إلى ما بعد 24 نوفمبر. ووصف عرقجي هذه المحادثات المغلقة بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في أحد فنادق مسقط بانها "جدية وحقيقية ومعقدة". وتركزت المفاوضات على نقطتين: حجم البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم في المستقبل وكذلك مستقبل مفاعل آراك بالمياه الثقيلة وموقع التخصيب في فوردو من جهة، والجدول الزمني لرفع العقوبات الدولية ضد ايران من جهة اخرى. وقال عرقجي أيضًا "لم نتوصل الى إيجاد حل نهائي حول هذه النقاط" مضيفًا "هناك اقتراحات وأفكار لدى الفريقين قلق واعتراضات تجاهها". وستتواصل المفاوضات الثلاثاء في مسقط من خلال اجتماع لكبار المسؤولين السياسيين في إيران ومجموعة 5+1 (بريطانيا والصين وفرنسا وروسياوالولاياتالمتحدة وألمانيا). واضاف عرقجي انه من المقرر عقد لقاءات ثنائية مع روسيا والصين ومحادثات مع الدول الاوربية. واشار الى ان لقاء بين ممثلين اميركيين وايرانيين امر "محتمل". وبعد هذا اللقاء الثلاثي في سلطنة عمان، سيعقد اجتماع لمسؤولين سياسيين كبار في ايران ودول مجموعة 5+1 الثلاثاء. واوضحت بساكي في هذا الصدد ان الاجتماعات سيعقد في سلطنة عمان "لفترة من الوقت لم يتم تحديدها بعد". وكان الاجتماع بدأ الاحد على وقع تصريح للرئيس الاميركي باراك اوباما قال فيه ان "فجوة كبيرة" لا تزال قائمة بين الطرفين. وتساءل اوباما في مقابلة مع شبكة سي بي اس الاحد "هل سنتمكن من سد هذه الفجوة الأخيرة بحيث تعود إيران الى المجتمع الدولي وترفع عنها العقوبات تدريجيا ونحصل على تطمينات قوية وأكيدة يمكن التحقق منها بانهم غير قادرين على تطوير سلاح نووي؟". واضاف أن "الفجوة لا تزال كبيرة. وقد لا نتمكن من التوصل الى ذلك". واعتبر أوباما أنه لا بد من ردم هذه الهوة "لكي تتمكن ايران من العودة الى المجتمع الدولي، وليتم رفع العقوبات بشكل تدريجي، ولكي نحصل على ضمانات قابلة للتحق منها بان الايرانيين لن يطوروا قنبلة نووية". ورد المرشد الايراني علي خامنئي مساء الاثنين على الرئيس الأميركي بشكل غير مباشر عبر تويتر معلنًا دعمه للمفاوضات الجارية في مسقط. وأكد المرشد "تصميم" إيران على "إغلاق الملف النووي رغم عزم الخصوم على اطالة امده" وعزمه على "ابعاد شر الشيطان الاكبر (الولاياتالمتحدة) وتسوية المشكلة". كما شدد خامنئي "على سياسة إيران الحاسمة بعدم امتلاك السلاح النووي"، واكد دعمه "لقرارات المسؤولين الايرانيين باحترام الخطوط الحمر" التي حددها بنفسه واحداها تتعلق بحجم برنامج تخصيب اليورانيوم المقبل. وهذه المسألة احدى النقاط الشائكة في المفاوضات الحالية. من جهته، يرزح الوفد الايراني المفاوض تحت وطأة الضغط الداخلي الذي يريد التوصل الى رفع كامل للعقوبات الاميركية والاوروبية والدولية عن ايران. وتريد ايران ان يتم ذلك بسرعة بينما يريد اوباما ان ترفع العقوبات ضمن عملية بطيئة بالتوازي مع التزام ايران بتعهداتها الدولية. وجرت المحادثات المغلقة في فندق البستان الفخم قرب مسقط. ونقاط الخلاف الاساسية تتمحور حول عدد آلات الطرد المركزي التي ستحتفظ بها ايران مقابل تخفيف العقوبات وعمليات تفتيش في المواقع النووية الايرانية. وتنفي ايران وجود اي نية لديها بالحصول على السلام النووي وتؤكد ان برنامجها سلمي يهدف الى انتاج الطاقة، ما يتطلب تطوير قدراتها في مجال تخصيب اليورانيوم. كما تشكل مدة الاتفاق الطويل الامد المرجو بين ايران ومجموعة الدول الست (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن زائد المانيا) مادة خلاف، فمن جهة تريد ايران اتفاقا لمدة خمس سنوات فيما يريد الغرب ضعف هذه المدة على الاقل. ويرى المحللون ان تباعد المواقف وعدم تحقيق تقدم كاف يجعل من الصعب التوصل الى حل قبل 24 تشرين الثاني/نوفمبر. وقال علي فايز من مجموعة الازمات الدولية لوكالة فرانس برس ان "التوصل الى حل شامل لم يعد ممكنا قبل التاريخ النهائي. ان ما يمكن تحقيقه هو اختراق يبرر تمديد مدة المفاوضات". واضاف "ان ما نحن بحاجة اليه هو قرار سياسي شجاع لا يبدو ان احدا مستعد لاتخاذه". وتؤكد الولاياتالمتحدةوايران انه من غير المطروح بتاتا تمديد المفاوضات، لكن ورغم الخلافات، ليس من مصلحة اي من الطرفين الانسحاب من العملية. وتنفي الولاياتالمتحدة وجود اي علاقة بين المحادثات النووية والقتال الدائر ضد تنظيم الدولة الاسلامية، فيما وجدت واشنطن وطهران نفسها في نفس المعسكر ضد المتطرفين. كما يشكل فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية الاميركية ضغطا اضافيا على المفاوضات التي تديرها ادارة الرئيس اوباما الديموقراطية، خصوصا مع وجود عدة شخصيات جمهورية تعبر عن تحفظات ازاء انفتاح البيت الابيض على ايران. واذا اخفقت المفاوضات في احراز تقدم، فان الكونغرس الاميركي قد يفرض عقوبات جديدة على ايران. ويمكن للرئيس الاميركي ان يمارس حقه في نقض قرار الكونغرس، الا ان اي عقوبات جديدة ستصعب لدرجة كبيرة استمرار الجانب الايراني في المفاوضات. ويخضع ظريف ايضا لضغوط اذ ان بعض اعضاء مجلس الشورى الذي يهيمن عليه المحافظون اكدوا ان الاتفاق الشامل يجب ان يصادق عليه النواب ليصبح ساريا. والاحد طالب 200 من هؤلاء بان "يدافع المفاوضون بقوة" عن حقوق ايران النووية وان يضمنوا "الرفع الكامل للعقوبات". وحذر الاكثر تشددا منهم حكومة الرئيس الايراني حسن روحاني من تنازلات قد يقدمها فريق التفاوض الايراني. وستدخل المفاوضات بعد ذلك مرحلتها الاخيرة في 18 تشرين الثاني/نوفمبر للتوصل خلال ستة ايام الى اتفاق نهائي يمكن ان يشكل انتصارا دبلوماسيا لحسن روحاني وباراك اوباما.