يولي الإسلام عناية كبيرة بحفظ خصوصية الإنسان وصون كرامته، ويعتبرها من الحقوق الأصيلة التي لا يجوز الاعتداء عليها بأي صورة من الصور. وقد سبق التشريع الإسلامي القوانين الحديثة في تأكيد حرمة الحياة الخاصة، سواء داخل البيوت أو في العلاقات الاجتماعية أو في تداول الأخبار والمعلومات، وجعل احترام الخصوصية ركيزة أساسية لاستقرار المجتمع وانتشار الثقة بين أفراده. موضوعات مقترحة «لا» حقك.. كلمة صغيرة في مواجهة أخطر الانتهاكات التي تهدد الأطفال داخل المدرسة وخارجها انتهاك الخصوصية.. تحذير قرآني وحدود شرعية لا يجوز تجاوزها كيف أصبحت الخصوصية مجرد هامش في عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي؟ خبير قانوني يكشف الثغرات انتهاك الخصوصية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وقد جاء التحذير الإلهي صريحًا من انتهاك خصوصيات الآخرين، فقال الله تعالى في سورة النور: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا﴾، كما نهي سبحانه وتعالي عن التجسس وتتبع العورات بقوله في سورة الحجرات : ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾، وهي نصوص تؤسس لمبدأ واضح مفاده أن ما خفي عنك من شؤون الناس فالأصل فيه الحرمة لا الإباحة. وأكد النبي صلي الله عليه وسلم هذا المعنى في أكثر من حديث صحيح، حيث قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. كما حذر نبينا محمد صلي الله عليه وسلم من االبوح بأسرار الزوجية فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» أخرجه مسلم في "صحيحه" لما في ذلك إفساد للقلوب وكشف للعورات. هل التجسس عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي يدخل في النهي الشرعي؟ نعم، التجسس عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي يدخل في النهي الشرعي الوارد في القرآن والسنة، لأن الحكم الشرعي يتعلق بالفعل لا بالأداة. فالدخول على حسابات الآخرين دون إذن، أو مراقبة رسائلهم، أو تتبع صورهم ومحادثاتهم الخاصة، يعد صورة حديثة من صور التجسس المحرم، حتى لو كان الدافع الفضول أو الشك أو الاطمئنان. ما حكم نشر المحادثات الخاصة أو الصور دون إذن أصحابها؟ نشر المحادثات الخاصة أو الصور دون إذن أصحابها محرم شرعًا، لأنه من إفشاء الأسرار وهتك الستر وخيانة الأمانة. وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذلك، واعتبر إفشاء أسرار الناس من أسوأ الأخلاق، ويتضاعف الإثم إذا أدى النشر إلى أذى نفسي أو اجتماعي أو تشويه السمعة. هل يجوز كشف أسرار شخص بحجة التحذير منه؟ الأصل في الإسلام هو الستر لا الفضح، ولا يجوز كشف أسرار الأشخاص بحجة التحذير إلا بضوابط شديدة، منها أن يكون الضرر محققًا وليس مجرد ظن، وأن يكون الهدف حماية الناس لا التشهير، وأن يتم الأمر عبر الجهات المختصة لا عبر العلن أو مواقع التواصل. أما تحويل التحذير إلى فضيحة عامة فهو مخالف لمقاصد الشريعة. ما الفرق بين النصيحة والفضيحة في ميزان الشرع؟ النصيحة تكون سرًا وبقصد الإصلاح، أما الفضيحة فتكون علنًا وبقصد الإدانة أو التشهير. وقد قرر العلماء أن كل نصيحة خرجت إلى العلن بغير ضرورة تحولت إلى فضيحة، حتى لو غُلِّفت بعبارات دينية أو أخلاقية، لأن الإسلام يراعي المقصد والوسيلة معًا. كيف يوازن الإسلام بين حفظ الخصوصية وحماية المجتمع؟ يوازن الإسلام بين الأمرين بجعل حفظ الخصوصية هو الأصل، ولا يبيح كشف المستور إلا إذا تعلق الأمر بضرر عام، أو اعتداء صريح على حقوق الآخرين، أو تهديد حقيقي لأمن المجتمع. وحتى في هذه الحالات، لا يُترك الأمر للأفراد، بل يُحال إلى القضاء أو الجهات المسؤولة، منعًا للفوضى وحمايةً لكرامة الناس. ويؤكد هذا المنهج أن انتهاك الخصوصية ليس مسألة أخلاقية هامشية، بل قضية دينية وإنسانية تمس جوهر القيم الإسلامية، وأن صيانة الأسرار واحترام الحدود الشخصية من أعظم أسباب تماسك المجتمع وسلامته. اقرأ أيضًا: خبير قانوني: انتهاك الخصوصية واقتحام حياة الأفراد مجرم دينيا ودستوريا العنف الرقمي ضد النساء.. في 10 خطوات كيف تحمي نفسك من الابتزاز الإلكتروني؟