"مودي" في سلطنة عُمان... واتفاقيات تجارية مشتركة تعزز آفاق المستقبل موضوعات مقترحة الأممالمتحدة تطلق نموذجًا جديدًا للتمويل الأخضر لدعم التحول البيئي في صربيا ماكرون: قررنا بناء حاملة طائرات جديدة الكرملين: منح رؤساء قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان جائزة السلام الدولية في سان بطرسبورج
تشهد العلاقات العُمانية - الهندية تطورًا ملحوظًا ومتناميًا في مختلف المجالات، لا سيما في مجال التكامل الاقتصادي الذي يُعد ركيزة أساسية تواكب طموحات البلدين وتطلعاتهما المشتركة، وفي هذا الإطار جاءت زيارة دولة ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند إلى سلطنة عُمان في 17 ديسمبر الحالي، كمحطة مهمة في مسار هذه العلاقات التاريخية بين البلدين، التي تمتد لقرون من الروابط الاقتصادية والثقافية والتجارية بين الشعبين العُماني والهندي. تعد الهند سادس أكبر شريك تجاري مع سلطنة عُمان من حيث إجمالي الصادرات، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان والهند حوالي 30 مليونًا و369 ألف ريال عُماني حتى نهاية سبتمبر 2025. أوضحت الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بسلطنة عُمان، أن قيمة الصادرات العُمانية إلى الهند بلغت حتى نهاية سبتمبر الماضي نحو 17 مليونًا و182 ألف ريال عُماني، في حين بلغ إجمالي الواردات العُمانية من الهند 13 مليونًا و187 ألف ريال عُماني. وبلغ حجم استثمار الهند المباشر في سلطنة عُمان حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري 268.4 مليون ريال عُماني، فيما بلغ حجم الاستثمارات العُمانية المباشرة حتى نهاية 2024م في الهند نحو 5.5 مليون ريال عُماني، وبلغ عدد المنشآت المستثمرة من الهند في سلطنة عُمان حتى عام 2024 م نحو61 منشأة، فيما بلغ عدد الزوار من الجنسية الهندية حتى نوفمبر2025 م نحو 609 آلاف و789 شخصًا. تتميز العلاقات العُمانية – الهندية بعمق تاريخي ورؤية استراتيجية متجددة، وقد شهدت خلال السنوات الأخيرة نقلة نوعية، أبرزها زيارة السُّلطان هيثم بن طارق آل سعيد، للهند في ديسمبر 2023، وإصدار وثيقة "الرؤية المشتركة"، إلى جانب تعزيز التعاون الدفاعي والأمني، حيث كانت سلطنة عُمان أول دولة خليجية تجري تدريبات مشتركة مع مختلف أفرع القوات الهندية. وعلى الصعيد الاقتصادي، يضم السوق العُماني أكثر من 6000 مشروع مشترك باستثمارات تفوق 7.5 مليار دولار، كما مثلت مشاركة سلطنة عُمان ضيف شرف في قمة العشرين بالهند اعترافًا بدورها المتزن والإيجابي في الساحتين الإقليمية والدولية. تأتي زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى سلطنة عُمان، في توقيت استراتيجي لتعزيز التنسيق السياسي وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية، كما تشكل فرصة للدفع نحو التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA)، بما يسهم في دعم جهود التنويع الاقتصادي وتحفيز الاستثمار وفق رؤية عُمان 2040. عُمان والهند تتشاركان في الرؤى والأولويات عُمان والهند تتشاركان في رؤية واضحة في قطاعات استراتيجية وعلى سبيل المثال في مجال الطاقة، حيث إن هناك تعاونًا متناميًا في مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا، من خلال الاستفادة من الموارد العُمانية والخبرة الهندية. أما في مجال الموانئ واللوجستيات، فتعمل سلطنة عُمان على تطوير الربط البحري مع الهند عبر موانئ صحار والدقم وصلالة، لجعل سلطنة عُمان مركزًا للتجارة الإقليمية وخفض كلفة سلاسل الإمداد. كما أن سلطنة عُمان والهند تتشاركان في أولويات طموحة في مجال الطاقة النظيفة، حيث أطلقت استثمارات صناعية مشتركة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا، كما أن موقع سلطنة عُمان الاستراتيجي يجعل منها مركزًا لوجستيًّا مثاليًّا يربط أسواق آسيا بالمنطقة، وسط اهتمام مشترك بتطوير الموانئ وربط سلاسل الإمداد. لا شك أن زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى السلطنة تحمل رسالة واضحة مفادها التزام سلطنة عُمان بشراكة استراتيجية بعيدة المدى قائمة على الاحترام المتبادل وتؤكد رغبة البلدين في توسيع مجالات التعاون، لا سيما في الاقتصاد الرقمي والطاقة النظيفة والأمن الغذائي والرعاية الصحية، كما تشدد على أهمية تكثيف العمل المؤسسي لتنفيذ المبادرات الثنائية، بما يخدم تطلعات الشعبين الصديقين. آفاقًا أوسع للتعاون في مجالات واعدة فضلاً عن أن هذه الزيارة ستفتح آفاقًا أوسع للتعاون في مجالات واعدة، من بينها الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، والتقنيات الرقمية، والأمن الغذائي، والصناعات الدوائية، إضافة إلى تعزيز دور الشركات الصغيرة والمتوسطة في بناء شراكات مباشرة بين الجانبين. وقد شكّلت الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين خلال السنوات الماضية أساسًا مهمًّا لتعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين، إذ أسهمت في خفض الرسوم الجمركية وتسريع حركة التجارة وتسهيل دخول المنتجات العُمانية إلى السوق الهندية والعكس. ومن هنا يأتي دور الغرف التجارية في البلدين لتكثيف جهودها من أجل تعزيز التعاون بين القطاع الخاص في عُمان والهند، وتمكين أصحاب الأعمال العُمانيين من الاطلاع على الفرص التي توفرها الهند كأحد أكبر الاقتصادات العالمية، وفي الوقت ذاته الترويج للمقومات الاستثمارية التي تزخر بها سلطنة عُمان، وذلك عبر تسيير واستقبال الوفود التجارية في مختلف القطاعات الاقتصادية الهندية. تُعد الزيارة فرصة لتمهيد الطريق أمام مشروعات مشتركة بين الشركات العُمانية والهندية، بالإضافة إلى فتح منافذ تسويقية أوسع لمنتجات البلدين، وتعزيز التعاون الصناعي والتجاري، بما ينعكس إيجابًا على منظومة الأعمال ويعزّز مكانة سلطنة عُمان كمركز إقليمي للتجارة والاستثمار. وفي هذه الأجواء الإيجابية، ينظر رجال الأعمال العُمانيين إلى هذه الزيارة بكثير من التفاؤل، خصوصًا في ظل التوجهات المشتركة لسلطنة عُمان والهند نحو تعزيز التكامل الاقتصادي وتطوير الشراكات العابرة للقطاعات عبر تحديث الإجراءات التنظيمية، وفتح مسارات أكثر مرونة أمام الشركات التي تسعى للدخول في مشروعات مشتركة أو التوسع في الأسواق الإقليمية. كما يأمل رجال الأعمال بالهند، في أن تسهم هذه الزيارة في تبسيط الإجراءات وتسهيل التأشيرات وتطوير الربط اللوجستي، بما يدعم حركة التجارة ويزيد من جاذبية الاستثمار المشترك، كما ينتظرون أن تثمر الزيارة عن مبادرات اقتصادية جديدة، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية. وكان مجلس الشورى العُماني ناقش في 10/12/2025، خلال انعقاد الجلسة الاعتيادية الخامسة لدور الانعقاد العادي الثالث، مشروع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين حكومة سلطنة عُمان وحكومة جمهورية الهند (CEPA) المحالة من مجلس الوزراء، عملًا بأحكام المادة ال (54) من قانون مجلس عُمان. تهدف الاتفاقية إلى تعزيز التجارة بين البلدين وزيادة حجم التجارة المتبادلة بينهما من خلال إلغاء أو تقليل الحواجز التجارية مثل: إلغاء أو تقليل التعريفات الجمركية والرسوم الجمركية وشبه الجمركية على السلع ذات المنشأ في البلدين، إلى جانب تسهيل الوصول إلى أسواق البلدين وتوفير بيئة تجارية واقتصادية تزيد من فرص التجارة بين البلدين، بالإضافة إلى تنمية الاقتصاد في كلا البلدين من خلال زيادة حجم التجارة والاستثمار وزيادة معلات النمو والرخاء الاقتصادي بينهما، وتوفير منافسة عادلة في التجارة بين البلدين. ومن المنتظر أن تسفر هذه الزيارة عن توقيع الهند اتفاقية تجارة مع سلطنة عُمان، إذ تسعى نيودلهي إلى توسيع علاقاتها مع الشرق الأوسط حيث يهدد التوتر المتزايد طرق شحن رئيسية، وأن الاتفاق سيساعد الهند في الحصول على شريك استراتيجي والوصول إلى طرق التجارة الرئيسية في منطقة مضطربة. ورغم أن التجارة السنوية بين الهند وعُمان لم ترتق إلى ما تطمح إليه البلدين، لكن تلك العلاقات لها أهميتها بالنسبة لنيودلهي، لأن عُمان الدولة الخليجية التي تُعتبر بوابة إلى مضيق هرمز بين عُمان وإيران، وهو نقطة عبور رئيسية لشحنات النفط العالمية، كما أن عُمان تطمح أن تكون مركزاً لوجستياً عالمياً.