الحيرة.. هذا هو الشعور الذى يكتنفك عندما تستمع لحكاية (أراضى الحزام الأخضر بمدينة السادات)، فوزارة الإسكان ممثلة فى جهاز المدينة ترى أن لديها الحق القانونى والتاريخى فى الاحتفاظ بأراضيها واستردادها ممن تعدوا عليها بزراعتها وهى المخططة كامتداد عمرانى وحضارى للمدينة، والفلاحون والمستثمرون يرون أن لهم الحق فيها بحكم الأمر الواقع بعدما حولوا الصحراء الجرداء إلى جنة خضراء وسلة غذاء للداخل والخارج وأنفقوا فى سبيل ذلك المليارات. "تحقيقات الأهرام" التقت الطرفين واستطاعت الوصول إلى مقترح للحل وفق رؤية إحدى الجهات الحكومية تحتويه السطور التالية. بداية القصة، صدور قرار الرئيس الراحل محمد أنور السادات رقم 123 لسنة 1978 بإنشاء مدينة السادات لتكون العاصمة الإدارية لمصر بمساحة 119 ألف فدان، تبلغ مساحة الأراضى التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة نحو 85 ألف فدان بعد استنزال التعاملات التى تمت على الطريق وأراضى حظر القوات المسلحة بداية من الكيلو 35 إلى الكيلو 135. وبحسب آخر التقارير فإن ما تم استخدامه كامتداد سكنى هو 5028 فدانا وما تم استخدامه كامتداد صناعى هو 1565 فدانا أى أن إجمالى ما تم عمرانه فعليا خلال الست وثلاثين سنة الماضية هو نحو 6 آلاف فدان من إجمالى 119 ألف فدان بنسبة 5% فقط، هذا التباطؤ فى استغلال الأرض دفع مجموعة من الفلاحين والمستثمرين لوضع يدهم على نحو 17 ألف فدان من هذه الأرض ابتداء من 2003 واستصلاحها وزراعتها بتكلفة تبلغ المليارات ثم توجهوا للجهات المسئولة فى الدولة ل (تقنين) وضع اليد، واستمر التنازع وامتد الزمن لتستفحل الأزمة وتتجاوز المساحة المزروعة الآن أكثر من 35 ألف فدان مرشحة للزيادة مع تأخر الدولة فى حل المشكلة التى نستمع لطرفيها الآن. المهندس خالد أبو العطا رئيس جهاز مدينة السادات يؤكد أنه لن يقبل بأى محاولة لتقنين وضع التعديات التي تجاوزت ال70 ألف فدان أى نحو ثلثي مساحة مدينة السادات المخططة ولن يرضخ لضغوط الدعاية الإعلامية التى تمارسها مافيا التعدي والاستيلاء علي أراضي الدولة لتبرير تعدياتها وتقنين سلب ونهب الأراضي بالمخالفة للقانون ومحاولة إيجاد رأى عام مؤيد لتقنين ما سلبوه، مشيرا إلى أن هدف هؤلاء المعتدين من دعوات السماح بالتأجير وغيره هو محاولة إيجاد وضع قانوني يدفعهم للمطالبة بالتملك أو حتى التعويض عند محاولة نزعها منهم مستقبلا لتنفيذ المخطط الاستراتيجي ، متحديا لهم أن يثبتوا وجود أي علاقة إيجارية او مقابل انتفاع أو شراء أو أي نوع من أنواع المعاملات التي تعاقدوا عليها مع الدولة أو حتي أي قانون يستندون إليه يبرر استيلاءهم بالقوة علي هذه الأراضي واستغلالها لحسابهم سواء في الزراعة أو في غيرها. وأوضح أبو العطا أن مدينة السادات هي الرئة والمتنفس الوحيد للعديد من محافظات الدلتا التي ليس لها ظهير صحراوي وأن وزير الإسكان بعد استفحال الأمر والتعدي مرة أخري علي جميع أراضي المدينة الفضاء المخصصة للتنمية العمرانية والبالغ مساحتها نحو 70 ألف فدان اصدر القرار رقم (381) في 25/11/2011م بإزالة جميع أنواع التعديات علي جميع أراضي المدينة ولم يتم تنفيذه حتي الآن. ويشدد أبو العطا على أنه سبق للمركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضى الدولة أن قام بمخاطبة جهاز مدينة السادات بالخطاب رقم (814) فى 30/10/2011 معتبرا أن ما نقوم به من إزالة لهذه التعديات فى مهدها نموذج يحتذي على اعتبار أن إزالة التعديات أولا بأول ذات أثر فعال فى الحفاظ على أراضى الدولة وعدم تكوين عشوائية مدة أو مددا تخلق أبعادا اجتماعية يتعذر تداركها. وبخصوص إدعاء صرف ثلاثة مليارات جنيه لإقامة بنية تحتية من استصلاح وحفر آبار جوفية أوضح أبو العطا أن ما تم يعتبر جريمة وخرقاً للقانون لأن هذه الآبار لم يتم حفرها فقط دون ترخيص ولكن بالمخالفة الصريحة للقرارات المتتالية لوزارة الري بمنع حفر آبار جديدة بالمدينة حفاظاً علي المياه الجوفية اللازمة للزراعة ، وحفاظاً علي حصة مياه الشرب للمدينة، ولم يكن من جراء حفر هذه الآبار المشار إليها إلا جفاف أكثر من (16) بئرا من آبار توفير مياه الشرب فضلاً عن زيادة نسبة الملوحة بالعديد من الآبار الاخري ، مؤكدا أن إنفاق المال علي إقامة أي مشروع علي أراضي تعديات تم الاستيلاء عليها بالقوة لا يبرر تقنين هذا الاستيلاء خاصة إذا كانت هذه الأراضي مخططة ومرفقة ومخصصة للبناء والتنمية العمرانية وليست للزراعة وأضاف أبو العطا أن سداد أى مبالغ تحت أي مسمي لوزارة الزراعة غير مبرر لأن الجميع يعلم أن هذه الأراضي تابعة لجهاز مدينة السادات حسبما نص الخطاب الرسمى لوزير الزراعة رقم ( 1176) الصادر في 25/3/2012م مؤكدا أن المساحة المتعدي عليها تقع خارج ولاية وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي والهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية وهي غير مخصصة اصلاً للزراعة إنما هي توسعات عمرانية مستقبلية طبقاً للمخطط الاستراتيجي المستقبلي لمدينة السادات. وختم أبو العطا حديثه بأن جهاز مدينة السادات هو صاحب الولاية على هذه الأراضى وأن له الحق الأول والأخير فى الدفاع عنها وإقرار ما يحقق التنمية المنشودة للمدينة وكيفية إدارة استثماراتها وسيعمل الجهاز بالتنسيق مع مختلف الجهات المختصة بالدولة لإزالة هذه التعديات في اقرب وقت ممكن. الطرف الثانى فى هذه القضية هم فلاحو ومستثمرو هذا الحزام الأخضر، وقد تبنت الدفاع عن حقوق ومطالب هؤلاء جمعية فلاحي ومزارعي الحزام الأخضر المشهرة برقم 1839/2013 حيث يؤكد المحاسب عمرو عبدالغنى أمين عام الجمعية أنها تمثل خمسة آلاف أسرة مصرية هم فلاحو ومزارعو ومستثمرو الحزام الأخضر بمدينة السادات حيث ان هناك ما يقرب من 56 ألف فدان بمدينة السادات كان قد تم تسقيعها منذ عشرات السنين للنظام السابق و قد وضعت لها وزارة الإسكان مخططا استراتيجيا عمرانيا يتم البدء في تنفيذه سنة 2032 وهو عبارة عن حلقات لسباق السيارات ومضمار فروسية وبيوت عالمية للازياء والموضة وفلل ومنتجعات لرجال الأعمال !! وقد قام الفلاحون والمستثمرون بزراعة الارض بعد ظهور نتائج أبحاث للمياه الجوفية تؤكد وجود مخزون هائل من المياه الجوفية العذبة يكفي للزراعة اكثر من مائة عام، وأنشأوا البنية التحتية الكاملة ثم قاموا بزراعتها بجميع المحاصيل الزراعية والخضراوات والفاكهة (محلية وتصدير) بكميات هائلة وباستخدام احدث التقنيات الزراعية في الري والزراعة، وبناء على ذلك صدر قرار مجلس الوزراء عام 2007 بنقل تبعية هذه الأراضي من ولاية وزارة الإسكان إلي ولاية وزارة الزراعة. ويشير حامد عبدالرحمن المستشار القانونى للجمعية إلى أنهم لم يألوا جهدا فى الدفاع عن حقهم وتقنين أوضاعهم وليس أدل على ذلك من رفعهم أكثر من 1200 قضية أمام القضاء المصري لم يتم البت فيها حتي تاريخه ، وحرصا على أموال الدولة تقدمنا بطلبات لوزارة الزراعة في حكومة الدكتور كمال الجنزوري وسددنا بالفعل 1000 جنيه عن كل فدان كمقدم من سعر الفدان الذي ستحدده الدولة فيما بعد وهو ما يمثل اعترافا من وزارة الزراعة بتبعية الأراضي لها ويتساءل: لماذا يقف جهاز مدينة السادات حجر عثرة فى طريقنا رغم قيام الجهاز ذاته ببيع آلاف الأفدنة في الزمام نفسه بغرض الزراعة لشركات كبرى ؟! ويؤكد نصر أبو الفتوح أحد المستثمرين، ارتفاع تكلفة استصلاح واستزراع هذه الأراضي حيث تم صرف أكثر من ثلاثة مليارات جنيه بنية تحتية واستصلاح و حفر للآبار الجوفية وشبكات ري ، وتم توفير أكثر من نصف مليون فرصة عمل وعمالة دائمة وموسمية و مؤقتة، وتم إدخال أكثر من 100 مليون دولار عملة صعبة للبلاد عن طريق التصدير حتي الآن، إلى جانب إغراق أسواق الخضراوات والفاكهة بجميع المحافظات بالمنتجات الزراعية. لم يكن ل(تحقيقات الأهرام) أن تقف مكتوفة الأيدي أمام طرفي القضية وما يقدمه كلاهما من حجج على صحة موقفه، ولذا كان لزاما التوجه إلى طرف محايد نراه صالحا للحكم بين الطرفين ونقصد به (المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضى الدولة)، فى البداية أبدينا للواء مهندس أحمد هشام فاضل رئيس المركز استغرابنا من التناقض الظاهر فى مخاطبات المركز مع الجهات المسئولة حول التعامل مع هذه الأرض ، ففي يدنا الخطاب رقم (814) بتاريخ 30/10/2011 موجه من المركز لجهاز مدينة السادات يعتبر إزالته لهذه التعديات فى مهدها (نموذجا يحتذي). وفى يدنا الأخرى الخطاب رقم (70) بتاريخ 26-1-2012 موجه من المركز نفسه إلى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة لاستكمال إجراءات نقل تبعية هذه الأراضي من ولاية وزارة الإسكان لولايتها بحسب موافقة مجلس الوزراء بتاريخ 19-9-2007 ل (تقنين وضع اليد) عليها !!.. فأوضح بداية - أن أراضي الدولة مستثناة بحسب الأصل من فرصة الاكتساب بالتقادم أو تقرير أي حقوق من أي نوع عليها بغير ترخيص من الدولة ويحظر التعدي علي أي جزء منها بأي صورة من الصور وأن إزالة هذه التعديات في مهدها وقبل تكوين وجود وأبعاد اجتماعية يتعذر تجاهلها هي النموذج المأمول إتباعه من جميع أجهزة الدولة انطلاقا من القضاء علي المشكلات من بدايتها وقبل استفحالها. وعن مدى إمكان قيام المركز بتخصيص وتخطيط منطقة أخرى تكون بديلا لهذه المساحة خصوصا أن مضمار الفروسية وتراك السيارات ومدينة الموضة المخطط لها هذه المساحة يمكن وضع مخطط لها فى أى منطقة أخرى من صحراء مصر الشاسعة بدلا من إزالة مشاريع منتجة تكلفت الكثير وحققت اكتفاء ذاتيا وصدرت للخارج فنكون حللنا المشكلة من جذورها .. وأشار فاضل إلى أن المركز غير مختص بدراسة تخصيص وتخطيط أي مناطق أخري بديلا عن المساحة المشار إليها تجنبا للإزالة باعتبار أن ذلك من اختصاص جهات الولاية علي أراضي الدولة وهي الأقدر علي دراسة البدائل المختلفة بما يتفق ومخططاتها المستقبلية وفي الوقت نفسه عدم الإضرار بالاستثمارات المحلية . النقطة الفاصلة فى إجابات اللواء فاضل جاءت عندما سألناه عن مدى إمكان قيام المركز بتدعيم طلب هؤلاء الفلاحين والمستثمرين بنقل تبعية هذه الأرض أو الجزء المزروع منها بالفعل - للزراعة ، أو تأييد منحها لهم بحق الانتفاع المشروط بسحبها بعد 20 عاما موعد تنفيذ المخطط الاستراتيجى الموضوع.. حيث أوضح أن جهاز مدينة السادات قام بمراجعة المساحة المشار إليها للوقوف علي المساحات القائمة بها وتطويقها حتى لا تتفاقم والنظر في (توفيق أوضاع) الحالات الجادة منها التي تتعذر إزالتها وفقا للقواعد والأحكام المعمول بها بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وذلك بعد التنسيق مع الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بالنسبة للطلبات المقدمة لها وسائر الجهات المعنية وذلك بنظام حق الانتفاع مدة أو مددا ترتبط زمنيا بمخطط المدينة الخاص بتلك المنطقة وحتى سنة الهدف. وأوضح فاضل أن المركز يستند فى رأيه هذا إلى عدة اعتبارات منها أن نشوء هذه المشكلة اعتبارا من عام 2007 بداية التقاضي - وحتى تاريخه دون حل جذري أدى إلي تفاقمها واستفحالها وصعوبة حلها يوما بعد يوم ، وكذلك فإن المركز سبق أن عرض علي مجلس الوزراء بجلسته رقم 38 بتاريخ 19/9/2007 الموافقة علي ضم مساحة 17 ألف فدان ضمن مدينة السادات لاستخدامها في نشاط الاستصلاح والاستزراع تحت ولاية الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية ثم توقفت إجراءات استصدار القرار الجمهوري اللازم لأسباب تضن بها أوراق المركز وسجلاته. وفى النهاية يشدد فاضل على ضرورة توخي معطيات الصالح العام في تحقيق التوازن المرجو بين الاستثمارات المحلية التي قد تكون أنفقت في هذه المساحات وبين الاعتبارات الأمنية التي تمر بها البلاد بالنسبة لعملية الإزالة الجماعية للتعديات المشار إليها وارتباط ذلك الوثيق بهيبة الدولة واحترام القانون.