احتفلت بنما بمرور 100 عام على شق قناتها، التى عدها الكثير من الخبراء الإنجاز الهندسي الأول للقرن العشرين، بعد أن غيرت مسار حركة التجارة العالمية بربطها بين المحيط الأطلسى والهادئ ، لتستحوذ على 5% من حركة التجارة البحرية في العالم. بدأ المشروع بفكرة طموحة طرحها الإمبراطور تشارلز كوينت إمبراطور إسبانيا لربط المحيطين الطلسي والهادئ، حتى لا تضطر السفن الى الالتفاف حول أمريكا الجنوبية، ولكنه لم يشهد تنفيذها، ليمر قرن وآخر لتبدأ أولى المحاولات لشق القناة تحت القيادة الفرنسية في عام 1880 . أسند مشروع حفر قناة بنما إلى المهندس الفرنسي الشهير فرديناند ديلسبس ، والذى نجح فى شق قناة السويس من قبل، ضامنًا لبلاده والقوى الاستعمارية آنذاك مكاسب إدارة القناة وتحصيل إيرادتها، وبنفس امتلأت بالزهو والثقة شمر ديلسبس عن ساعديه ليطلق إشارة حفر القناة، ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فالحفر في أجواء بنما المدارية تختلف تمامًا عن أجواء مصر الصحوة، فبمجرد بدء الحفر بات العمال عرضة للأمراض الفتاكة كالملاريا والحمى الصفراء، وأزهقت كثير من الأرواح نتيجة الانهيارات الصخرية، والحصيلة وفاة 22 الف شخص خلال ثلاثة أعوام، وقلل هذا العدد الضخم من الوفيات من وجود القوى العاملة ذات الخبرة، مما سبب الكثير من المشاكل في إستمرار العمل، لتعلن الشركة الفرنسية إفلاسها فى 15 مايو من عام 1989، وهو نفس الموقف الذى أعلنته فرنسا ، حيث أعلنت إفلاسها بعدما خسرت 287 مليون دولار. وقف ديلسبس نادبًا حظه، وخاصة بعد أن وجهت له تهم الفساد المالي والإدارى ليصدرالحكم عليه بالسجن خمسة سنوات، وتم نقضها فيما بعد، لتتولى شركة فرنسية أخرى القيام بأعمال التنقيب إلا أنها واجهت نفس المصير. ولأن المشاريع الاستعمارية تظل مستمرة، فالحلم الفرنسي بشق قناة بنما صادف الهوس الأمريكي للسيطرة على حركة التجارة بين قارات العالم الجديد، وبمساعدة الولاياتالمتحدة تمكنت بنما من الانفصال عن كولومبيا في الثالث من نوفمبر 1903 وقد وقعت بنما مع الولاياتالمتحدةالأمريكية معاهدة يتم بموجبها السماح للأمريكان بشق قناة بنما وفرض سيادتها على قطاع من الأراضي الملاصقة لجانبي القناة. في 15 أغسطس 1914 وبعد أشغال استمرت أكثر من ثلاثين عاما وموت 27 ألف عامل بسبب إصابتهم بالملاريا أو الحمى الصفراء، دشن الأميركيون هذا المشروع الهندسي الهائل بتكلفة بلغت 380 مليون دولار، لقد استغرق حفر القناة عشر سنوات في الفترة ما بين 1904إلى 1914، ثم وقعت اتفاقية سبتمبر 1977 ليتم بموجبها نقل ملكية القناة من أمريكا إلى بنما وذلك بحلول عام 1999، وبالفعل تم تنفيذ الاتفاقية ونقلت ملكية القناة إلى سيطرة بنما في 31 ديسمبر 1999. وبعد مائة عام، عبر القناة التي يبلغ طولها 80 كلم أكثر من مليون سفينة، وأعيدت إلى بنما القناة التي تولت الولاياتالمتحدة إدارتها حتى 1999، حتى أن الجيش الأمريكي يستطيع بموجب معاهدات توريخوس-كارتر التدخل اذا ما اعتبر أن حياد القناة معرض للخطر. وعادت ادارة هذه التحفة الهندسية بالكامل الى بنما، فانتعش اقتصاد هذا البلد الصغير في امريكا الوسطى، الذي يعد واحدا من اكثر البلدان حيوية في المنطقة، مع نمو بلغ 8,4% في 2013، وتؤمن القناة التي تعد الصينوالولاياتالمتحدة من ابرز زبائنها، مليار دولار سنويًا لخزانة الدولة و10% من العائدات الضريبية، وتشكل 6% من اجمالي الناتج المحلي وتوفر 10 آلاف فرصة عمل. ويقول خورخي كيخانو، رئيس مجلس القناة الحالي "بالنسبة إلى بنما، شكلت القناة عنوانا للتقدم"، واضاف "انتقلنا من مقاطعة منسية (تابعة لكولومبيا حتى 1903) إلى دولة مستقلة قادرة على اختيار مستقبلها". وعلى طول ضفتي القناة اللتين تنمو فيهما الغابات الكثيفة، تبدأ سنويا 14 الف سفينة عملية عبور بطيئة تستمر عشر ساعات، قبل أن تصل الى 1700 مرفأ في 170 بلدا، شكل افتتاح هذا المعبر خطوة نوعية للتجارة الدولية، أتاحت أولاً للولايات المتحدة ان تنقل اسطولها العسكري والتجاري من جانب الى آخر. وقال خورخي كيخانو "لا يشك أحد في أن قناة السويس يمكن أن تنافسنا، لكني أعتقد أن هذا ما يحصل، ولقد لمسنا ذلك في الاشهر الثمانية عشر الماضية"، وأكد أن قناة السويس "ضربت بهدوء عائدات" قناة بنما بفضل فاعليتها الكبيرة. غير أن قناة بنما ستواجه منافسة أشد مع إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى البدء فى حفر قناة السويس الجديدة لتسريع الملاحة في القناة الاولى على ان ينجز هذا المشروع في غضون سنة، وتضاف هذه المنافسة مع مشروع آخر وهو مشروع نيكاراغوا حيث تنوي شركة صينية شق قناة بين المحيط الهادئ والكاريبي، خلال خمس سنوات. وحذر كيخانو من ان "قناتين في أمريكا الوسطى أمر لن يكون قابلاً للحياة على الصعيد الاقتصادي". وحتى تتمكن من الصمود، تراهن قناة بنما على مشروع التكبير، لكن هذه الورشة العملاقة التي ستؤدي الى زيادة قدرتها ثلاث مرات تقريبا، قد تأخرت، وكان مقررا منذ البداية ان تنجز هذه الورشة حتى يتزامن انطلاقها مع الاحتفال بالذكرى المئوية للقناة، لكنها لن تبدأ الا في 2016، بسبب الخلاف مع تحالف الشركات المسؤول عن الاعمال والذي يطالب بتمديد المهلة. وستزود الورشة التي تفوق تكاليفها الخمسة مليارات دولار القناة بسدود جديدة تتيح مرور السفن التي تنقل حتى 12 الف حاوية في مقابل خمسة الاف حاوية في الوقت الراهن، لمضاعفة مرور 600 مليون طن في السنة. وفي نهاية المطاف، ستؤمن هذه القناة الموسعة لدولة بنما 3,1 مليارات دولار سنوياً، أي ما يفوق ثلاث مرات عائداتها الحالية.