قد تكون الحركة الاحتجاجية ضد رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان هدأت، ولكن تصريحات نائبه حول الواجب الأخلاقي للمراة بعدم الضحك في العلن تحولت الى قضية جديدة للعلمانيين الأتراك الذين يخشون حكم أردوغان الإسلامي المحافظ. وبرغم ذلك يبقى أردوغان الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية الأحد بفضل قاعدة شعبية اسلامية محافظة ازدهرت كثيرا خلال فترة حكمه المستمرة منذ حوالى عقد من الزمن. ويخشى الكثير من الأتراك أن يكون حزب العدالة والتنمية الحاكم يسعى إلى تحويل تركيا العلمانية تدريجيًا نحو النظام الاسلامي المحافظ. هذه الدولة التي بنيت على المبادئ العلمانية البحتة منذ تاسيسها في العام 1923 على يد مصطفى كمال اتاتورك. وظهر غضب العلمانيين في احتجاجات مايو 2013 التي اثارتها خطة حكومية لبناء تجمع مكان حديقة جيزي في وسط اسطنبول. وجاءت تصريحات نائب رئيس الحكومة بولت ارينتش أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، لتصب الزيت على النار وتشعل غضب العلمانيين مرة جديدة وتشكل قضية أخرى لهم قبل أيام على الانتخابات الرئاسية. وفي خطاب الأسبوع الماضي قال ارينتش ان "على الرجل أن يتمتع بالأخلاق ولكن على النساء أيضًا أن يتمتعن بالاخلاق، عليهنّ أن يفرقن بين ما هو لائق وما هو غير لائق". وتابع أن "العفة ضرورية جدا (...) عليها (المرأة) ألا تضحك بصوت عال أمام العالم كله كما عليها ان تحافظ على لياقتها في كافة الاوقات". وسرعان ما قوبلت تصريحات ارينتش بحملة واسعة على موقع تويتر حيث عمدت آلاف النساء الأتراك الى نشر صورهن وهن يضحكن بطريقة هيستيرية. وانتشرت الحملة بشكل واسع في تركيا وخارجها تحت هاشتاج أو وسم "الضحك في تركيا" و"قاوم الضحك" ويذكر الوسم الأخير بشعار "قاوم" الذي اطلق خلال تظاهرات حديقة جيزي. وكانت تظاهرات العام الماضي امتدت سريعا من إسطنبول الى مدن اخرى من بينها العاصمة انقرة ضد حكم اردوغان الذي وصف بالاستبدادي. وبين المتظاهرين العديد من الليبراليين والعلمانيين والنساء، الذين خرجوا جميعا الى الشوارع للمطالبة بحقوقهم في مواجهة القيود على الحريات من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم. ومن بين القضايا التي تثير غضب هذا الجزء من الشعب التركي اقتراح اردوغان الحد من عمليات الاجهاض وتشديد القيود على مبيعات حبوب منع الحمل والكحول، بالاضافة الى اقتراح قدمه حول انجاب المراة لثلاثة اطفال على الاقل. وساهمت سياسات أردوغان في توسيع الانقسام بين العلمانيين الاتراك من جهة وانصاره من جهة ثانية بعدما وصف المتظاهرين ب"السكيرين"، مؤكدا انه لا يتلقى تعليماته "سوى من الله"، كما ادعى ان متظاهرين اعتدوا على امراة محجبة في وسط اسطنبول. ونفرت الطبقة الوسطى العلمانية أكثر من أردوغان بسبب خطابه المتعنت، وفرضه لقوانين تقيد الإنترنت وأخرى على مبيعات الكحول وحثه الحكومة لمنع المهاجع المشتركة بين الجنسين في الجامعات. وخلال حملته الانتخابية منذ أسبوعين زار اردوغان مهجعا للبنات حيث نصح الشابات بارتداء الحجاب، والا تكن "متطلبات" أثناء بحثهن عن أزواج. وقال "تزوجن حين يتقدم لكنّ". وردا على تصريحات المسئولين الاتراك، قالت دينيز بيرم من جمعية اسطنبول النسائية ان "ليس هناك حكومة هاجمت واهانت النساء الاتراك بهذه الطريقة". وأضافت في حديث الى وكالة فرانس برس "ليست صدفة ان يطلق ارينتش تلك التصريحات في الوقت الحالي. انها رسالة واضحة بان الحكومة تريد ان يكون لها قول في تصرفات النساء واجسادهن وقراراتهن خلال السنوات العديدة المقبلة". اما ميلدا اونور النائبة عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، فاعتبرت ان تصريحات ارينتش تظهر الضحك على انه تصرف غير اخلاقي ما قد يعرض النساء للعنف. وتقدمت منظمات تركية معنية بحقوق المرأة الاثنين بشكوى ضد ارينتش بتهمة "التمييز" و"القدح" و"التحريض على الكراهية". وتشارك نساء في إسطنبول الجمعة في تحرك بعنوان "اعتصام الضحك". وبالرغم من التقدم الذي شهدته تركيا خلال السنوات الماضية إلا أن جرائم الشرف والعنف الأسري وزواج القاصرات ما زالت قضايا خطيرة في البلاد. وبحسب منظمات غير حكومية فإن أكثر من مائة امرأة قتلن نتيجة العنف الأسري في تركيا خلال النصف الأول من العام 2014. وخلصت بيرم بالقول ان "سياسيينا يريدون القول فقط ان النساء يستحقن الاغتصاب والضرب والتعذيب والقتل وخسارة أطفالهن فضلا عن الحياة البائسة إذا لم يتصرفن على نحو لائق".