أكد الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش أن دستور 1971 والذي كانت تعمل به مصر طيلة أربعين سنة، قد سقط بسقوط النظام ونجاح الثورة، ولا يجوز تعديله أو "ترقيعه" لأنه دستور ساقط. جاء ذلك خلال الندوة التي عقدت بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، التي حضرها إلى جانب درويش، أستاذ القانون الدستوري الدكتور عمرو هاشم، والمحامي صبحي صالح أحد أعضاء لجنة تعديل الدستور. وأوضح درويش أن النتيجة المؤكدة لنجاح الثورات هو إسقاط الدستور وليس تعطيله، ولا يوجد أبدًا ما يسمى بتعطيل الدستور، وأكد أن التعديلات الحادثة على الدستور وفق هذا المفهوم تعد باطلة. وتساءل لماذا يبقي المجلس العسكري على الدستور القديم؟ مؤكدًا أنه حتى في حالات الانقلاب العسكري يسقط الدستور، وقال :" إذا لم يسقط الدستور وتم تعطيل الدستور فقط "يبقى مفيش ثورة، يبقى فيه انقلاب عسكري، وإذا لم يسقط المجلس العسكري الدستور، فإنه بذلك يفقد شرعيته التي استمدها من الثورة". وأبدى درويش مخاوفه تجاه إدارة القوات المسلحة لمصر، قائًلا:" ما يحدث الآن أن السلطتين الشرعية والتنفيذية في يد رئيس المجلس العسكري، كان يجب على المشير مادام رئيسًا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتخلى عن موقعه كوزير للدفاع". واستنكر درويش من أن الدستور يجب أن يكتبه فقهاء دستوريون وأساتذة في القانون وضرب المثل بدستور الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي كتبه مجموعة من المفكرين، مشددًا على أن الدستور وثيقة سياسية بالأساس ويفسر بمجمله وليس مادة مادة، مؤكدًا أنه بالرغم من ذلك، فإن ما تم إدخاله من تعديلات على الدستور ليس له علاقة بالتشكيل الهندسي له، إضافة إلى الصياغة الخاطئة للمواد المعدلة. كما أكد أن التعديلات الدستورية الخاصة بالماد 76 تخل بمبدأ المساواة وتكافئ الفرص بين المرشحين للرئاسة، كما إنها تدفع بقوة لإقامة انتخابات برلمانية أولا وهو شيء خطير لو حدث ولا يصب في مصلحة البلاد في هذا التوقيت، وقال:" كيف تجبر المرشح المستقل لجمع 30 ألف توقيع من 15 محافظة، في حين يكفي الحزبي أن يتوفر لحزبه مقعد واحد في البرلمان ،لكي يتقدم لانتخابات الرئاسة؟ وكيف تضع شروطًا للانتخاب في يد مجلسي الشعب والشورى غير موجودين الآن، بالتالي سنضطر أولا لإقامة انتخابات برلمانية، والكل يعلم ماذا ستسفر عنه الانتخابات في ظل عدم وجود أحزاب حقيقية". كذلك أبدى درويش تخوفه من قدرة المحكمة الدستورية على مراقبة الانتخابات، ساحبًا الثقة من المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية الذي – بحسب قول درويش- عينه رئيس الجمهورية المخلوع ليسهل له أو لابنه الترشح للرئاسة، وأكد أن مبارك قد اختار المستشار بالتعيين المباشر وهو ماليس متبعًا في تعيين رئيس المحكمة الدستورية، فالمحكمة تنتخب اثنين وترشحهما لرئيس الجمهورية ليختار بينهما وهو مالم يحدث. كما طالب بإلغاء قانون الطوارئ بشكل نهائي وليس تعطيله، وأكد أننا لسنا في حاجة إليه بالمرة، قائلًا:" لسنا في حاجة لقانون الطوارئ، فالقانون الحالي هو نص القانون الحقيقي الذي أقره الاحتلال الانجليزي ليوطد قاعدة الاحتلال في مصر ويتيح لجنود الإنجليز "إنهم يحطوا ايدهم في جيب أي واحد من غير ما يفتح بقه"، أشدد نحن لسنا في حاجة لقانون طوارئ أو قانون أرهاب، لأن قانون العقوبات تضمن أوسع صور لمحاربة الإرهاب والترويع والفساد والإضرار بأمن الدولة، والعقوبة فيه قد تصل للإعدام، وكل ما تشاء من عقوبات". وأخيرًا أشار إلى أن الأسلوبين الرئيسيين المتبعين لميلاد الدستور، هما إما انتخاب جمعية تأسيسية لكتابته، أو كتابة دستور جديد وطرحه للاستفتاء عليه من جانب الشعب، وقال:" صحيح أن هناك بلاد تستخدم الأسلوبين معًا، ولكن ذلك يكون في البلاد التي لا يتوافر بها عدد كبير من الناخبين، ومصر بها 85 مليون نسمة!" ودعا درويش الشعب المصري إلى مقاطعة التصويت على التعديلات الدستورية وقال:" اللي يروح يصوت يبقى ارتكب جريمة في حق مصر". واتفق الدكتور عمرو هاشم مع دوريش وأيد مخاوفه كذلك من موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقال:" إعلان مبارك بالتخلي عن الحكم وتكليف القوات المسلحة بإدارة البلاد ليس لها أي علاقة بالدستور، ليس بالدستور ما يسمى بالتنحي أو بالتخلي أو بنقل السلطات، وإنما يقدم الرئيس استقالاته، وفي تقديري أنه قد تم الضغط عليه وأعدت له هذا الصياغة مسبقًا، وهذا يعني انقلابا عسكريًا إضافة إلى الشرعية الثورية الموجودة بالأساس". وتساءل هاشم كيف تكون هناك لجنة للقيام بالتعديلات التي أقرها الرئيس المخلوع؟ وأشار أن التعديلات ركزت على جنسية الرئيس بشكل مبالغ فيه وتركت مواضيع أخرى مثل التعليم، وقضاء الخدمة العسكرية، أيضًا لا تنص التعديلات على وجود حد أقصى للسن بالرغم من وجود حد أدنى له. كذلك وضع هاشم خطوطًا عديدة تحت باقي المواد التي تخص الإشراف القضائي، وفرض حالة الطوارئ، وجمع التوقيعات بمجلس الشعب، وتعيين الرئيس لنائبه وليس انتخابه. واعترض هاشم على دعوة درويش بمقاطعة التصويت على الدستور، وقال:" يجب بالفعل أن نذهب ونصوت بعدم الموافقة، ونراعي ألا نضيف على عملية التصويت باقتراحتنا بدستور جديد حتى لا يحتسب الصوت باطل، حتى لا نترك الفرصة لأذناب النظام أن يخطف التصويت لصالحه". ودافع صبحي صالح عن الانتقادات الموجهة للجنة تعديلات الدستور قائلا:" : لسنا ممثلين لنظام بائد، كما أننا لسنا بعيدين عن الثورة، فقد كنت في السجن يوم 25، جزء من الثورة. ويبدو أن عمرو لم يقرأ النسخة الأصلية للتعديلات، واكتفى بقراءة ما نشرته الجرائد وهي نصوص ليست كاملة ودقيقة للتعديلات". وأضاف:" أرفض لفظة أن التعديلات صيغت بإيعاز من مجلس القوات المسلحة، لأن ذلك غير مقبول، وغير حقيقي، لم يقم به أحد من أفراد مجلس القوات المسلحة، وحتى لو حدث ذلك لن يقبله أحد من أعضاء اللجنة. واستكمل:" الثورة أسقطت الدستور، نعم، لكن تعالوا ننظر في التأسيس لا في الفراغ، مسألة الدستور يعطل أم يعدم، مسألة فقهية دستوريًا، بمعنى أن السلطة المشروعية الثورية لها أن تعدم أو أن تعطل. وما هو حدث وقام المجلس بالتعطيل، نحن نؤسس لمستقبل مصر ليس انطلاقا في الفراغ، لابد الانطلاق من الواقع، والإعلان الدستوري الذي أذاعه المجلس العسكري يمثل المشروعية الحاكمة، ولقد استندت اللجنة في إعلانها إلى قرار المجلس الأعلى وهو تعديل المواد السبع".