بعد ليلة من الهدوء النسبي، وعلى نحو مشابه لما شهدته القاهرة في أعقاب ثورة 30 يونيو تجددت الاشتباكات في العاصمة الأوكرانية كييف بين المتظاهرين وقوات الأمن والشرطة. ورغم توصل قيادات المعارضة مع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إلى اتفاق حول التهدئة، فقد عاد المتظاهرون إلى سيناريو المواجهة حيث اعتلى الكثيرون من قناصتهم أسطح المباني المطلة على ميدان "الاستقلال" في قلب العاصمة وراحوا يطلقون النار ضد قوات الأمن والشرطة وفرق الأمن الخاص المسماة "بيركوت"، فيما أضرموا النار في اطارات السيارات التي استخدموها ضمن ترسانة أسلحتهم التي نصبوها حول مخيماتهم في قلب الميدان. وعاود المتظاهرون إلي تكسير ونزع أحجار أرصفة الشوارع المجاورة لاستخدامها في قذف رجال الأمن والبشرطة إلى جانب زجاجات "المولوتوف" الحارقة وإطلاق الرصاص والخرطوش ما أسفر عن مصرع ضابط شرطة وسقوط المزيد من الجرحي والمصابين والذين قالوا إن عددهم قارب الثلاثين. وكانت حصيلة القتلي من الضباط والمدنيين في اليوم السابق 28 قتيلا منهم عشرة من قوات الأمن، فيما تجاوز عدد المصابين الخمسمائة، وفي حديث إلى قناة "سي ان ان" الأمريكية أعلن ليونيد كوجار وزير الخارجية الأوكرانية عن خرق المعارضة للهدنة التي توصلت اليها قياداتها مع الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش مؤكدا عدم عقلانية ما يطرحونه من مطالب. ويطرح المتظاهرون ضرورة الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة والعودة إلى دستور 2004 (دستور الثورة البرتقالية). وقال كوجار باستعداد السلطات الأوكرانية لمناقشة تشكيل حكومة ائتلافية وإجراء العديد من الاصلاحات الدستورية بعد أن استجابت للعديد من المطالب الأخرى ومنها إعلان العفو العام وإطلاق سراح المئات من المعتقلين في السجون الأوكرانية. وكان ارسيني ياتسينيوك زعيم حزب "باتكفشينا" (الوطن) أعلن عن تراجعه عن اتفاقه مع يانوكوفيتش حول إخلاء الميدان وتفريق المتظاهرين والمعتصمين ممن سارعوا بإعلان عدم موافقتهم على كل ما توصلت إليه قيادات المعارضة مع الرئيس يانوكوفيتش. وأعلنت المصادر الروسية الرسمية عن إجراء الرئيس فلاديمير بوتين لمكالمة هاتفية مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تناول خلالها تطورات الأحداث في أوكرانيا وضرورة العمل من أجل سرعة وضع حد للنزاع الدموي هناك إلى جانب دعوته للزعماء الغربيين إلى الكف عن توجيه اللوم إلى السلطات الرسمية الأوكرانية، وسرعة إدانة تصرفات زعماء المعارضة. وقالت وكالات الأنباء أن وزراء خارجية بلدان الاتحاد الأوروبي دعوا إلى اجتماع عاجل في بروكسل لبحث السبل الرامية إلى وقف الاقتتال في أوكرانيا إلى جانب احتمالات فرض العقوبات السياسية والاقتصادية بعد أن أعلنت واشنطن عن عدد من القرارات والقيود ضد أعضاء الحكومة الأوكرانية. وكشفت المتحدثة الرسمية عن حزب "باتكفشينا" المعارض عن لقاء جمع وزراء خارجية فرنسا والمانيا وبولندا مع زعماء المعارضة في محاولة لوقف المواجهة والعودة الى الحوار مع السلطات الرسمية. وفي حديث إلى "سي ان ان " أشار وزير الخارجية الأوكرانية إلى :"أن روسيا شريك مهم لأوكرانيا ولكن موسكو لا تملك تأثيرا مباشرا على كييف". وأضاف قوله :"أنه من الضرورى عدم استخدام أوكرانيا كورقة في الألعاب الجيوسياسية بين الغرب والشرق"، مشيرا إلى أن "الشعب الأوكراني يملك الحق في اختيار مصيره". ومن جانبه أصدر الرئيس الأوكراني عددا من القرارات التي جرى بموجبها إعفاء رئيس الأركان من منصبه وكذلك عمدة العاصمة كييف. ومن اللافت أن وكالات الأنباء المركزية ومنها وكالة انباء "انترفاكس" تكتفي في نشراتها الدورية بنشر تطورات الأحداث مرفقة بتوقيتاتها على النحو الذي يعيد إلى الاذهان النشرات الإعلامية خلال الحروب على الجبهات العسكرية.