رغم التقدم في تنفيذ خارطة الطريق في مصر، خاصة بعد الاستفتاء على الدستور في يومي 14 و 15 يناير 2014، إلا أن ذلك لا يعني انتهاء حالة عدم الاستقرار التي شهدتها مصر منذ ثورة 30 يونيو، على نحو يمكن معه القول إن مصر ستضطر ل "التعايش" مع حالة عدم الاستقرار هذه لفترة طويلة مقبلة، بصرف النظر عن التقدم في تنفيذ خارطة الطريق، وتحقق هذا "التعايش"، سيتطلب من الحكومة المصرية اتباع استراتيجيات لعزل تأثيرات المواجهات مع عنف جماعة الإخوان، والتنظيمات المرتبطة بها، عن الحياة اليومية للناس، وعن الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في الدولة. وتكشف التفجيرات الثلاثة التي شهدتها القاهرة خلال الساعات الأربع الأولى من صباح يوم 24 يناير 2014، عند مديرية أمن القاهرة، ثم بالقرب من سيارات أمن مركزي قرب محطة مترو البحوث في شارع التحرير بالدقي، ثم عند قسم شرطة الطالبية بشارع الهرم، عن دلالتين ذاتا صلة بحالة عدم الاستقرار تلك. تتمثل الدلالة الأولى، في أن هذه التفجيرات هي النهاية السياسية لفكر جماعة الأخوان المسلمين، وليس للجماعة فقط، حيث إن حجم الغضب بين المواطنين المتجمهرين حول المديرية منذ صباح اليوم، كان موجها لجماعة الأخوان، حتى قبل إعلان جماعة بيت المقدس مسئوليتها، وهو ما انعكس في مناقشات المواطنين البسطاء الذين تجمهروا حول المديرية، وفي هتافات المتظاهرين، المقيمين في المناطق المحيطة بالمديرية، والتي لم تقتصر على المطالبة بالقصاص من الجماعة، من خلال هتافاتهم: "علي وعلي كمان داهية تاخد الأخوان"، و"الشعب يريد إسقاط الأخوان"، و"الإعدام للخرفان" ، في إشارة للأخوان المسلمين ، وإنما أيضا امتدت لحركة حماس، حيث هتف البعض " يا ابن هنية بكرة تحصل ابن سنية" في إشارة إلى الرئيس المعزول محمد مرسي. وفي ظل هذا "الغضب" الشعبي، فإن أي حديث عن الانفتاح على شباب جماعة الإخوان المسلمين، نظرا لعدم مسئوليتهم عن أخطاء جماعة الأخوان طوال حكمها خلال العام 2012، أو عن التصالح مع عناصر الجماعة التي لم تمارس العنف، لا يتواءم مع حالة الغضب في الشارع المصري. وتتمثل الدلالة الثانية في استقرار التحول في استراتيجيات عمل جماعة الإخوان المسلمون والجماعات المرتبطة بها مثل أنصار بيت المقدس، باتجاه اعتماد الإرهاب إستراتيجية رئيسية لها خلال الفترة المقبلة، على نحو ينهي مرحلة السلمية في عمل الجماعة، مع ملاحظة اعتمادها على استراتيجيات تقوم على تنفيذ عمليات في مواقع وفي مواجهة أهداف في مناطق مأهولة بالسكان، على نحو يسمح بارتفاع عدد الضحايا، ورفع حجم الخسائر. وعلى سبيل المثال، التفجير الذي وقع أمام مديرية أمن القاهرة لم تقتصر آثاره على الأدوار الأربعة في المبنى والواجهة، أو على واجهة المتحف الإسلامي، وإنما تسبب في تحطيم واجهات المحال وكذلك تحطيم المنازل المحيطة به ، والواقعة في محيط المديرية، خاصة وأن المديرية تقع في شارع بورسعيد، وهو شارع تجاري، مكتظ بالسكان. وعادة ما تلجأ الجماعات لهذا التكتيك في حالات الضعف، وعدم القدرة على توجيه ضربات موجعة للمؤسسات الأمنية، خاصة بعد نجاح الأخيرة في إلحاق خسائر كبيرة بها. وهذا الوضع يتطلب إلى جانب اعتماد السياسات الأمنية في التعامل مع هذه الأحداث، تطوير استراتيجيات تسمح ب "التعايش" مع مرحلة عدم الاستقرار التي تمر بها مصر، فالحياة في الدول لا تتوقف بسبب أعمال العنف، وهذا ما تكشف عنه خبرات مرت بمراحل مماثلة، مثل سوريا التي رغم شدة الصراع فيها في مناطق محددة، إلا أن الشعب السوري قادر على ممارسة حياته اليومية ، وكذلك العراق، الذي رغم تزايد نشاط تنظيم القاعدة فيه، إلا أن العراقيين لايزالون قادرين على الذهاب إلى أعمالهم وممارسة أنشطتهم الاقتصادية. ويمكن القول، أنه في الحالة المصرية، هناك تحديان رئيسيان يواجهان قدرة الدولة المصرية على التعايش مع هذه الحالة، التي من المتوقع أن تستمر فترة من الزمن. يتمثل التحدي الأول في قدرة الحكومة على تعزيز ثقة الشعب في المؤسسات الأمنية، خاصة وأن وقوع هذه التفجيرات الثلاث، كما خلف مشاعر لدى البعض بأن دعم الداخلية هو "واجب وطني"، وكما عزز الحاجة لرئيس من المؤسسة العسكرية حتى يستطيع تحقيق الأمن في الدولة، وهو ما انعكس في هتافات المتظاهرين حول المديرية التي كانت تطالب الفريق عبدالفتاح السيسي بالترشح للرئاسة، من قبيل "انزل يا سيسي"، فإن الجانب السلبي لهذه التفجيرات الثلاث، هو عدم نجاح مؤسسات الأمن في منع وقوعها، وعدم قدرتها على تأمين مؤسساتها، خاصة وأن هذه التفجيرات استهدفت مقار أمنية. وهذا يتطلب من الداخلية أن تطور إستراتيجية للتواصل المستمر مع المواطنين تكشف فيها عن تفاصيل التفجيرات التي تم إحباطها، بقدر كشفها عن تفاصيل التفجيرات التي وقعت، بهدف معالجة أي تصورات خاصة بضعف المؤسسات الأمنية. وينصرف التحدي الثاني، إلى مدى قدرة الحكومة على معالجة البعد المجتمعي للصراع الدائر بينها والأخوان المسلمين، والذي أصبح المجتمع طرف أصيل فيه، وكذلك المواطن البسيط، فازدياد تعمق هذا الصراع في المجتمع، وانتقاله للأجيال الأصغر، وانعكاسه في تفاصيل الحياة اليومية، سيترتب عليه انقسام المجتمع، وربما عودة تشكل مناطق يسيطر عليها الأخوان، كما كان الوضع في دلجا في المنيا، وفي كرداسة في الجيزة، مقابل المناطق التي تسيطر عليها الدولة، ويرجع ذلك إلى طبيعة الجماعة، حيث لا يمكن التعامل معها أمنيا بعيدا عن طابعها الاقتصادي والاجتماعي، فجماعة الأخوان باعتبارها القوة الأكثر تنظيما مقارنة بغيرها، متغلغلة في نسيج الدولة والمجتمع، وطوال فترة حكم الإخوان عملت من خلال عملية "الأخونة" على الانتشار في مؤسسات الدولة والجهاز البيروقراطي لها، على نحو أوجد لها موالين في كل مكان. كما لا تزال الجماعة تحتفظ بشبكات الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي طورتها طوال العقود الماضية، والتي لم تختبر مدى قوتها بعد بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، حتى أن وزير التضامن الاجتماعي أحمد البرعي، حين قررت الحكومة المصرية تطبيق قرار تجميد أموال الجمعيات الأهلية التي تتبع الجماعة، والتي يبلغ عددها 1055 جمعية، أكد أن هذا القرار سيطبق بطريقة لا تضر الأسر الفقيرة المستفيدة منها.