أصبح من الممكن أن نعيد صياغة عبارة "التاريخ يعيد نفسه لتصبح الثورات تعيد نفسها أو الرؤساء الديكتاتوريين يعيدون أنفسهم" ، سقط الرئيس التونسي "بن علي" في ثاني جمعة من شهر يناير وفي ثاني جمعة من فبراير تنحى الرئيس محمد حسني مبارك. الغريب أن الرئيس التونسي رحل بعد خطابه الثالث وأيضا الرئيس مبارك تنحى بعد خطابه الثالث .. وقال الرئيس التونسي إنه لم يكن ينوي الترشح لفترة رئاسية جديدة في عام 2014 ورحل يوم 14 يناير عن بلاده وكذلك طالعنا الرئيس مبارك بخطابه الذي أعلن فيه أنه لم يكن ينوي الترشح لفترة رئاسية جديدة في سبتمبر 2011 وأعلن الرئيس تنحيه عن السلطة في يوم 11 فبراير ، كلاهما راوغ شعبه وحاول التمسك حتي الرمق الأخير بالسلطة ، وكلاهما واجه إرادة شعبية لاتقهر ، كلاهما حكم بلاده فترة كبيرة حيث إن "بن علي" حكم بلاده 23 عاما ومبارك حكم بلاده " 30 عاما ". يقول محمد الجوادي المؤرخ المصري إن السبب الرئيسي في رحيل الرئيسين كان متشابها وهو نظرية التمديد والتوريث رغم أن الدستور لايسمح ، الاختلاف تمثل فى أن وريث الرئيس مبارك دائم الإلحاح لدرجة أنه كان يفكر في طريقة ذلك قبل الاستحقاق ، ولكن في حالة الرئيس التونسي لم يكن إلحاحا علي التوريث ولكنه إلحاح علي التمديد. جاء "بن علي" بعد انقلاب عسكري غير دموي علي الرئيس السابق له بو رقيبة بينما جاء مبارك بالانتخاب في عام 1981 بعد أن كان نائبا للرئيس محمد أنور السادات وطوال فترة حكمه لم يعين نائبا له وإن كان تحت ضغط الثورة عين السيد عمر سليمان نائبا له لتهدئة الثورة الشعبية التي كانت ضده. ويصف الجوادي شعور الشباب في تونس: كان الضجر من احتقار الذكاء، وشعور الشباب في مصر كان الضجر من اللف والدوران 3 مرات يوميا مما أحدث البلبلة ، في الصباح، يوجد توريث وفي الظهر لايوجد وفي الليل يوجد توريث ، هذه البلبلة أوحت للمصريين بأنهم شىء يتقاسمه الأب والابن. اختلفت ظروف رحيل كل من الرئيسين ولكن كان السبب واحدا وهو ثورة شعوبهم عليهم ، فلقد حدد "بن علي" وجهته إلي السعودية بعد أن ترددت أنباء عن رفض فرنسا استقباله في الوقت الذي ترددت الأنباء عن مبارك أنه مازال في مصر بمدينة شرم الشيخ. ويري أشرف بيومي الباحث السياسي أن هناك مجموعة من الصدف التي حدثت بين الرئيسين علي سبيل المثال أن الاثنين خرجا في يوم الجمعة وأن كلا منهما خرج بعد الخطاب الثالث ولكنه يري أن الشبه الموضوعي بينهما أن النظام واحد يتكون من نظام بوليسي وإعلام خادع وشعب حدث له إفقار ويأتي الاختلاف في المستفيدين من ثورة الرئيسين، حيث إن المستفيدين من ثورة الرئيس مبارك أكثر من المستفيدين من ثورة الرئيس التونسي ثم إننا لدينا غنوشي من الحكومة القديمة مازال يحكم في مصر. وعن طريقة خروج كل من الرئيسين، يقول الجوادي، إن طريقة خروج الرئيس التونسي أذكي من الرئيس مبارك لأن الرئيس التونسي عجل بالألم، بينما الرئيس مبارك صمم علي الخروج وتعذيب كل من حوله وكانت طريقة شابتها التعذيب وإن كانت قد أتاحت الفرصة لحرق الكثير من مستندات الفساد التي تدينه أو تهريب الأموال الخاصة به خارج الدولة. في حين قال الرئيس التونسي: "فهمتكم فهمتكم"، وقرر أن يلبي طلبات شعبه علي الفور ويسترضي المواطن الذي حاول حرق نفسه، وجاءت خطابات مبارك متأخرة عن التوقيت الزمني المناسب لها، مما تسبب في تصعيد الشعب لمطالبه يوما بعد يوم ، كانت لغة خطاب مبارك فيها استخفاف بشعبه واستعلاء وهذا مايفسر الخطاب الأخير له في ليلة تنحيه ورد الفعل الجماهيري له في ميدان التحرير حيث سارع كل شخص برفع حذائه لأعلي في مشهد جماعي احتجاجي علي استعلاء الرئيس واستخفافه. كما أن مبارك تجاهل شهداء الثورة في الخطابات الأولي له ، لذا لم يرض شعبه العزاء الذي وجهه في خطابه الأخير ، ومما زاد الأمر حساسية أنه قال "شهداؤكم" وليس "شهداؤنا". يري بيومي في لغة خطاب الرئيسين أنها واحدة لأن لغة الديكتاتور دائما ماتكون واحدة وعندما يكون الهدف واحد تتطابق اللغات ويختلف معه الجوادي فيقول عن لغة خطاب الرئيسين إن لغة خطاب مبارك كانت مركبة إلي حد كبير ، شارك في صناعتها كثيرون في الحذف والإضافة، أما خطاب الرئيس التونسي فقد اختصر كل هذه الإجراءات لأنه وجد أن المناقشات ليست في صالحه لأنه لم يواجه في حياته تمردا من هذا النوع، مضيفا أن الرئيس مبارك حاول ذلك، لأنه واجه العديد من التمردات فلقد كان من قادة القوات الجوية، الذين تم تكليفهم بالطيران فوق جامعة الإسكندرية ، وهو ربما مااقترحه عليه الدكتور أحمد شفيق بالطيران بطيارات فوق ميدان التحرير، ولكن طلاب 68 لم يكونوا هم شباب 2011 لأن شباب 2011 يلعبون هذه الالعاب علي الاتاري ولكن شباب 68 خافوا ورحلوا والحق أن مظاهرات 68 لاتقل كثافة عن مظاهرات 2011 ولكن كان يوجد فارق كبير وهو وجود الثورة الإلكترونية وثورة المعلومات والفضائيات . ويضيف الجوادي أن الرئيس مبارك أكثر جدية وقلبه أجمد وحياته كلها كانت في مصر بحكم كونه ريفيا ولايقدر علي تركها والدليل علي ذلك أن الأنباء تقول إنه حتي الآن مازال في شرم الشيخ رغم أنها مدينة مملة ولا توجد فيها حياة ولكنه يحاول أن يتمسك بالعيش في مصر حتي آخر لحظة ولكن الرئيس التونسي كان من الممكن له أن يعيش في أي مكان خارج بلده.