يزحف ساحبا معه كائنات صغيرة حيث بإمكانه الظهور فجأة وبسرعة في كل مكان، على ساقيك أو ذراعيك أو على شعرك - وحتى في - أذنيك... إنه نمل ميونيخ الذي يجبر الأطفال وآباءهم على الهرب بعيدًا عن ساحات اللعب. يقول فولكر فيته، وهو عالم أحياء في المدينة الواقعة جنوبي ألمانيا على بعد نحو 50 كيلومترا شمال حافة جبال الألب البافارية: "يصبح الأمر حقا مثل فيلم رعب عندما يغطي (النمل) بعض الأماكن على الأرض تماما.. يمكن لهذه الحشرات أن تغطي جميع أنحاء جسمك في دقائق معدودة". ويعتقد العلماء أن أنواع النمل، التي يطلق عليها "فورميكا فوسكوسينيريا" وموطنها الأصلي جبال الألب وسفوحها ، لا تزال تتزايد وتنتشر. وحذر فيته قائلا: إن "لديه القدرة على الانتشار في جميع أنحاء وسط وشمال أوروبا". هذه الجحافل من النمل ذي الستة أرجل رسخت لنفسها بالفعل موطئ قدم في بلدة توبنجن الجامعية الواقعة على بعد نحو 200 كيلومترا شمال غرب ميونيخ. ووفقا لبرنهارد سيفرت من متحف زنكنبيرج للتاريخ الطبيعي في مدينة جويرليتس الألمانية، فإن هذا النمل جاء مع الحصى - حصى جبال الألب - المستخدم في بناء حرم الجامعة. ويضيف سيفرت: "ومن هناك انتشر الآن ليصل إلى مركز المدينة بأكمله". وتجرب سلطات البلدية في ميونيخ أساليب مختلفة للسيطرة على تلك الحشرات المزعجة التي تنشط عندما يكون الطقس دافئا. ونظرا لأنها تهوى أيضا التربة الرملية، فإن ساحات لعب الأطفال المشمسة تعد من بين الأماكن المفضلة لديها. وقالت روزماريه هينجيرل، رئيسة قسم الإنشاءات العامة في ميونيخ، في مايو الماضي في مذكرة رفعت إلى إحدى لجان البلدية: "ساحات اللعب والمرافق المقامة في الأماكن المفتوحة والتي تشبه أجوائها أجواء الطبيعة، كجزء من بيئة للحيوانات الطبيعية، دائما ما تمثل عامل جذب أيضا للنمل". لكن يمكن أن يلعب النمل أيضا دورًا إيجابيا في النظم البيئية، فهو يساعد على الحفاظ على الغابات، على سبيل المثال، من خلال تسريع عملية تحلل الأشجار الميتة. كما أنه يكافح بعض الآفات الحشرية ويعد عاملا مفيدا للمزارعين. وقد جربت ميونيخ لعدة سنوات طرقا غير كيميائية للسيطرة على النمل في أكثر من 70 مركزا للرعاية النهارية للأطفال و 60 ساحة لعب. وقالت هينجيرل إن مستحضرا يتكون من الطحالب المتحجرة لم يساعد إلا على انخفاض في أعداده على المدى القصير، كما لم ينجح مركب عطري في السيطرة عليه إلا لبضع ساعات. وأثبتت أحزمة الغراء التي تم لفها حول جذوع الأشجار- بهدف إبقاء النمل بعيدا عن حشرات المن - أنها مصدر متاعب كبيرة له. وأخيرا، تحول مكافحو النمل لمساحيق كيميائية طاردة لهذه الحشرات ، وهو الأمر الذي أدى إلى تطهير ما يقرب من 80 في المئة من المناطق المستهدفة . لكن النمل عاد بعد ثلاث سنوات. وفي معرض تقييمه لتدابير مكافحة النمل، خلص أحد الخبراء إلى أنه "مهما كانت المستحضرات أو الإجراءات الرامية للسيطرة على النمل في المساحات الخضراء العامة، فإن القضاء بشكل كامل - وقبل كل شيء بشكل نهائي - على هذا الغزو لن يتم تحقيقه أبدا بكل تأكيد".