تواصل إدارة الرئيس باراك أوباما البحث عن غطاء سياسي خارجي وتفويض من الكونجرس لعملية عسكرية ضد قوات الرئيس بشار الأسد. وحض أوباما أعضاء الكونجرس على "عدم التغاضي" عن استخدام السلاح الكيماوي قرب دمشق، محذرًا من أن "عدم الرد" على النظام السوري سيوجه "رسالة كارثية". ومع تأكيد وزراء خارجية الدول الأوروبية ضرورة حصول "رد واضح وقوي" وتحميل النظام السوري مسؤولية "الهجوم الكيماوي"، دعا مجلس التعاون الخليجي إلى "تدخل فوري" بهدف إنقاذ الشعب السوري من بطش النظام". ويلتقي وزير الخارجية الأميركي جون كيري نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل في باريس اليوم، ضمن سلسلة من المحادثات يجريها كيري مع عدد من الوزراء العرب. وفي ظل ترقب النظام السوري "الضربة"، أعلنت قيادة حزب "البعث" أنها في حالة "انعقاد دائم" في ضوء احتمال حصول عملية عسكرية، وقالت مصادر في المعارضة في إسطنبول، إن مسؤولاً أمنيًا رفيع المستوى كان يعمل في الاستخبارات في دمشق هرب إلى تركيا قبل أيام. وقالت إن المسؤول الأمني برتبة لواء، ما يعني أنه صاحب أعلى رتبة لمسؤول أمني ينشق عن النظام. في غضون ذلك، أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي عبداللطيف الزياني، قلق دول المجلس من تفاقم الأزمة السورية التي باتت تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين بسبب تعنت النظام السوري، وإدانتها الشديدة لما يرتكبه من أعمال إجرامية وممارسات غير إنسانية ضد أبناء شعبه. وأشار إلى أن الأوضاع الإنسانية المأسوية التي يعيشها الشعب السوري في الداخل والخارج، وما يتعرض له من إبادة جماعية وانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان تحتم على المجتمع الدولي التدخل الفوري لإنقاذه من بطش النظام ووضع نهاية لمعاناته ومأساته المؤلمة. ونقلت "وكالة الأنباء السعودية" عن الزياني قوله إن النظام السوري يتحمل كامل المسؤولية لما يجري في سوريا، لرفضه كل المبادرات العربية وغير العربية لتسوية هذه الأزمة واستمراره في ممارسة كل أساليب القتل والتدمير، بما فيها استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا التي راح ضحيتها مئات من المدنيين الأبرياء. وشدد الزياني على أن دول مجلس التعاون تؤيد الإجراءات الدولية التي تتخذ لردع النظام السوري عن ارتكاب هذه الممارسات غير الإنسانية. وكان الرئيس أوباما قال في كلمته الإذاعية الأسبوعية أمس: "لا يمكننا التغاضي عن الصور التي رأيناها عن سوريا، لذلك أدعو أعضاء الكونغرس والحزبين (الديموقراطي والجمهوري) إلى الاتحاد والتحرك من أجل النهوض بالعالم الذي نريد العيش فيه، العالم الذي نريد تركه لأولادنا والأجيال المستقبلية"، محذرًا من أن "عدم الرد على مثل هذا الهجوم الفاضح سيزيد مخاطر رؤية أسلحة كيماوية تستخدم مجددًا أو أن تسقط في أيدي إرهابيين قد يستخدمونها ضدنا، وهذا سيوجه رسالة كارثية إلى الدول الأخرى بأنه لن تكون هناك عواقب بعد استخدام مثل هذه الأسلحة". وبالتوازي مع حشده الدعم داخليًا، سعى أوباما إلى الحصول على دعم خارجي، إذ شارك كيري في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في فيلنيوس (ليتوانيا)، حيث دعوا في ختام اجتماعهم إلى "رد واضح وقوي" على "الهجوم الكيماوي". وقال الوزراء في بيانهم الختامي: "في مواجهة الاستخدام الوقح للأسلحة الكيماوية، لا يمكن أن يبقى المجتمع الدولي صامتًا. لا بد من رد واضح وقوي لتأكيد أن جرائم مماثلة مرفوضة ولا يمكن أن تفلت من العقاب. علينا أن نتفادى خلق سابقة رهيبة عبر الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيماوية. من جهته، رحب كيري بالبيان "الصارم" للاتحاد الأوروبي، على رغم أن البيان لم يعلن تأييده الخيار العسكري الذي تدافع عنه واشنطن. واعتبرت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل الموقف الأوروبي ينطوي على "أهمية كبيرة". وقررت ألمانيا أمس الانضمام إلى النداء الذي وقعته 11 دولة بينها الولاياتالمتحدة خلال قمة "مجموعة العشرين" في سانت بطرسبورغ، الذي يدعو إلى رد دولي "قوي" على النظام. وخلال تلاوتها البيان الختامي، أوضحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون أن الوزراء توافقوا على وجود "قرائن قوية" تشير إلى أن النظام السوري مسؤول عن الهجوم الكيماوي. وأمل الوزراء الأوروبيون في أن ينشر هذا التقرير الأولي لمفتشي الأممالمتحدة "في أسرع وقت"، منوهين ب "التزام" الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انتظار هذا التقرير قبل القيام بأي تحرك. فيما اعتبر ديبلوماسي أوروبي أن «هذا الأمر أتاح حلحلة في المشاورات» في فيلنيوس. في المقابل، قال كيري لشركائه الأوروبيين إن واشنطن لا تقطع التعهد نفسه. وأعلن مسؤول أميركي أن "كيري قال بوضوح إن الولاياتالمتحدة لم تقرر انتظار" تقرير مفتشي الأممالمتحدة من أجل التحرك المحتمل. وقال جان اسلبورن وزير خارجية لوكسمبورغ التي تتولى حاليًا مقعدًا في مجلس الأمن الدولي، إن تحضير تقرير الأممالمتحدة "يمكن ان يستغرق أسبوعًا ونصف الأسبوع". لكنه أضاف أنه من الممكن أن "تنقل عناصر مهمة من هذا التقرير إلى أعضاء مجلس الأمن" قبل نشره رسميًا. إلى ذلك، شدد الأوروبيون في بيانهم على "المسؤولية الفردية لمنفذي" الهجمات الكيماوية، وعلى "دور المحكمة الجنائية الدولية بهدف التحقيق في هذه الأفعال والمحاكمة" عليها. وكرر الوزراء: "وحده حل سياسي يمكن أن يضع حدًا لحمام الدماء الفظيع هذا ولهذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وتدمير سوريا". ووصل كيري مساء أمس إلى باريس، حيث التقى نظيره الفرنسي لوران فابيوس على أن يلتقي اليوم وزراء خارجية لجنة مبادرة السلام العربية. وبعد لقائه الأمير سعود، يجتمع كيري اليوم مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ووزراء خارجية تسع دول عربية. وتوقعت مصادر أن يشرح الوزير الأميركي موقف بلاده من الرد العسكري على الهجوم الكيماوي السوري وبحثه عن أوسع تحالف لهذه الضربة المحتملة. ويصل كيري إلى لندن اليوم. وأعرب كيري في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس عن ترحيبه ببيان الاتحاد الأوروبي "القوي" ردًا على الهجوم الكيماوي. وقال "رحبت بالبيان الذي أصدره الاتحاد الأوروبي. لقد كان بيانًا قويًا يدل على أن الغضب العالمي "يزداد ولا ينقص" حيال الهجوم الكيماوي، في حين رحب فابيوس بوجود "دعم واسع ومتعاظم" لرد "قوي" على استخدام "الكيماوي". وقال: "هناك دعم واسع ومتعاظم. باتت هناك سبع من أصل ثماني دول في مجموعة الثماني تشاطرنا التحليل حول رد قوي، و12 دولة من مجموعة العشرين تشاطرنا أيضًا هذا التحليل"، مشيرًا أيضًا إلى دعم الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. وقال كيري "إن الرئيس باراك أوباما لم يتخذ بعد قرارًا في شأن انتظار تقرير محققي الأممالمتحدة بخصوص استخدام الأسلحة الكيماوية وإنه يبقي على جميع خياراته مفتوحة". وأعلن الرئيس فرنسوا هولاند في نيس أنه سيتوجه إلى الفرنسيين في شأن الملف السوري بعد تصويت الكونغرس الأميركي وصدور تقرير مفتشي الأممالمتحدة. وسئل هولاند إثر لقائه الرئيس اللبناني ميشال سليمان على هامش افتتاح ألعاب الفرنكوفونية السابعة ما إذا كان سيخاطب الفرنسيين "نهاية الأسبوع المقبل"، فأجاب "حين يصوت الكونغرس (الأميركي)، وأعتقد أن الامر سيتم الخميس أو الجمعة، وحين يصدر تقرير المفتشين وعلى الأرجح نهاية الأسبوع، عندها علينا أن نتخذ قرارًا في هذا الشأن.