"لن نتاجر بدم ابننا الشهيد ونرفض تسيس الإعلام لقضيته" تلك الجملة بدأ بها أهل الشهيد النقيب محمد أبو شقرة لقاءهم معي في منزل الأسرة بالفيوم. وقالوا إنهم بعد متابعتهم لطرق تناول وسائل الإعلام حادث استشهاده ظهرت لهم رغبة البعض في المتاجرة بقضية الشهيد، بينما هو بطل استشهد في سبيل وطنه وعمله الذي كان همه الأول. وبالرغم من إصرارهم على عدم التقاط أي صور لهم أو لأي من أفراد العائلة إلا أنهم وافقوا على استقبالي كمندوبة ل"بوابة الأهرام" لتكون وسيلة الإعلام الوحيدة التي التقت أسرة الشهيد. وداخل منزله مفتوح الأبواب الذي لا يعكس هدوءه كم المشاعر والأحزان التي تفيض في قلوب وصدور قاطنيه،استقبلتني شقيقة الشهيد الوسطى السيدة نهي والتي تشبهه كثيرًا، وسألتني عن هويتي ورفضت في البداية الحديث عن الشهيد، ولكن بعد خروج والد الشهيد اللواء متقاعد سيد عبدالعزيز واطلاعه على ما يثبت هويتي الصحفية تقبل عزائي ووافقوا علي اللقاء بشرط عدم التصوير، وذكر الحقيقة كاملة. وبصوت هادئ ومشاعر لم يخف تماسكها رجفة الحزن و الألم تحدث والد الشهيد عن تفوقه في العمل الشرطي، وقال إنه منذ التحاقه بكلية الشرطة وتخرجه في عام 2003 كان عمله هو همه الأول بعد أسرته التي كان يهتم بها كثيرًا، خاصة شقيقاته البنات. وأضاف أنه تم اختيار ابنه من وسط المئات من خريجي كلية الشرطة ليلتحق بجهاز الأمن الوطني بعد عمله في الأمن المركزي في العمليات الخاصة منذ 2003 حتي 2005، وعمل فيها بإدارة مكافحة الإرهاب الدولي فرع إنقاذ الرهائن. وكان الشهيد يهتم جدًا بالرياضة وتطوير قدراته من أجل العمل فحصل على أكثر من 40 فرقة، وكان يقوم بالتحضير للحصول على دبلومة وماجيستير بالجامعة الأمريكيه. وبينما كان والد الشهيد يحكي وسط دموعه المكتومة عن تاريخ ابنه المشرف دخلت بنات شقيقاته إلي الغرفة، وبالرغم من صغر أعمارهن إلا أن بكاءهن الذي يقُطع نياط القلوب يوحي بأنهن يستوعبن معني الموت ومصيبته ومن وسط الدمع تساءلن: "هو إحنا مش هنشوف حمادة تاني؟"وقال جدهن إنهن كن ينادين خالهن باسم"حمادة" لقربه الشديد منهن وحبهن له. وبينما حاولت أمهاتهن - شقيقات الشهيد - أن يُهدئن من روع الفتيات، أكمل والده الحديث عن رغبة ابنه في الاستشهاد، والذي كان يطلبه من الله، خاصة بعد استشهاد صديقه الضابط عبدالخالق في مهمة في منطقة باب الحلال بسيناء منذ فترة. وتدخلت شقيقته نهى في الحديث قائلة: إن حبه لعمله كان كبيرًا فبعد أحداث الثورة واستهداف الشرطة عرضنا عليه كثيرًا أن نوفر له فرص عمل مميزة في دبي أو السعودية، حيث يعمل زوجي وزوج شقيقتي الصغري، ولكنه كان يرفض بشدة. ووسط دموعها قالت شقيقته إنه كان يحضر لزفافه وأوشك على الانتهاء من تجهيز شقته بالقاهرة و حجز أثاث المنزل بدمياط وحدد موعد عقد القران في 5 يوليو المقبل بمسجد الشرطة بالسادس من أكتوبر، أما الزفاف فكان موعده في 24 أغسطس المقبل، وانخرطت في بكاء مرير مرددة: "اتحرمنا من دخلته علينا.. ودخلته كانت ليها هيبة". وبعد لحظات من الصمت لم أقو فيها علي توجيه سؤال لأحد من أفراد الأسرة المكلومين خرجت والدة الشهيد تستند على بناتها وجلست وسط أسرتها وأخذت تدعو للشهيد بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة من أوسع أبوابها وأن يجزيه الله خير جزاء عن بره بوالديه وأهله ورددنا جميعًا آمين. وقالت والدة الشهيد: لا أجد في الكلام ما أصف به حسن أخلاقه وقربه من الله والتزامه وبره بكبار السن، وحبه للأطفال فكان يساعد الجميع من العاملين في المنزل والبواب، حتي الأشخاص الغرباء الذين يصادفهم علي الطريق. تقول كنت أشعر أن عمره قصير، وكان فعلًا ابن موت، وكان دائما يردد أن كل رحلة لها نهاية وأن العمر رحلة نهايتها القبر، فلابد أن نعمل لهذه النهاية، وقالت: "عزائي أنه شهيد مع الأبرار والقديسين تحيط به الحور العين في الجنة فوجهه المبتسم الضاحك محفور في قلبي" ووسط ذكريات عديدة عن مواقف الشهيد الإنسانية وبره بأهله جميعًا أكدت خالة الشهيد أنه كان دائم السؤال عنها وعن ألادها، وكان لا يتوانى عن مساعدة أحد أبدا، وهو ما أكده المهندس أحمد زوج الشقيقة الكبري للشهيد الذي قال: "كان حمادة إنسانًا يحب أهله جدًا حتي إنه كان يتصل بأفراد أسرته جميعًا بشكل يومي ولم يرد طلب أحد يومًا حتي لو كان خارج عن إرادته كان يسعي لتحقيق مسألته" وبتأثر شديد تذكر زوج شقيقته الصغرى والذي يعمل مهندسًا بالسعودية أنه كان يؤجر سيارة عند قدومه إلي مصر فكان الشهيد يحذره دائما ألا يقاوم أحدًا إذا اعترضه، وأن يترك له كل شيء، فقال له هل ستفعل ذلك فأجاب الشهيد: "لا أنت مهندس، وأنا ضابط مدرب على التعمل مع هذه المواقف ودوري حمايتك". التقط والده أطراف الحديث مرة أخري وأكد أن الشهيد كان يتكتم بشدة ما يخص عمله، ولم يكن يطلعنا على أي من مهامه حتي إننا اكتشفنا بعد استشهاده أن بعض الإصابت التي كان يردد أنها من "الجيم" أو التدريب كانت إصابات في عمليات خاصة قام بها، وأضاف أن الشهيد بدأ العمل في سيناء منذ رمضان الماضي. وقالت شقيقة الشهيد نهي إنها هي آخر من تحدث معه ربما قبل دقائق من وقوع الحادث فتقول:" تلقيت اتصالا من حمادة - كما كانوا يطلقون عليه، وكما كان يحب أن يسميه الجميع من كبار وصغار- قبل الظهر بقليل وأخذ يمازحني، وكان يرغب في التحدث معي لمدة أطول فطلبت منه أن يتصل مرة أخري بعد نصف ساعة، ولكن بعد مرور أقل من عشر دقائق فوجئت باتصال من هاتفه من شخص مجهول قال لي هل تعرفي صاحب هذا الرقم؟ فقلت له هو شقيقي هل سقط منه الهاتف؟ فأجاب بل هو مصاب وملقي علي الطريق في ميدان الساحة فتعالوا لتأخذوه. بالطبع لم استوعب ما قيل لي وبدأت اتصل بزملائه وأصدقائه. وتكرر هذا مع والده الذي تحدث معه في نحو الساعة 12 وخمس دقائق في حوار عادي حول أحواله وعمله، ولكن في نحو الواحدة إلا خمس دقائق تلقى والده اتصالا من خطيبة الشهيد تقول له إن شخصًا ما اتصل بها من هاتف محمد ليبلغها أنه مصاب وملقي علي الطريق في العريش. يضيف والده: "قمت بالاتصال بهاتفه ليرد علي الشخص نفسه الذي قال إنه وجده ملقي علي الطريق ومصابًا بطلق ناري في كتفه وفاقدا للوعي وإنه تم نقله إلي مستشفي العريش وبالطبع قمت بالعديد من الاتصالات حتي علمت أنه تم نقله بالطائرة الي المستشفي في القاهرة وكل ما كنت أعرفه أنه مصاب حتي بدأت أتلقي اتصالات تعزيني في ابني فعلمت أن قضاء الله نفذ" وعن ملابسات الحادث كما أوضحها لهم بعض أصدقائه قال والد الشهيد إن عربتين دفع رباعي حاصرتاه في أثناء سيره بسيارته المدنية، وكان أيضا يرتدي ملابس مدنية وطلب ركابها منه النزول فقاوم وأطلق من سلاحه الخاص طلقات أصابت أحدهم وقتلت الثاني فاطلقوا عليه وابلا من الرصاص فاصابته 4 طلقات في الكتف وواحدة أصابته في الظهر فاخترقت القلب والرئة فأخذوا السيارة وتركوه علي الطريق الذي لا يبعد كثيرا عن مديرية الامن في العريش وأضاف والده:"ما يصبرني كثيرا ان ابني كان بطلا لم يستسلم لهم وانا فخور به". وعن ما يحدث في سيناء الان قال والد الشهيد انه وضع محزن للغايه و ان هذه الاحداث لا يمكن ان تصدر من اهل سيناء و لكنها عناصر من خارجها فقد عمل والد الشهيد كمأمور لقسم رفح ست سنوات منذ عام 1982 وعمل فترة اخري منذ عام 1991وحتي 1993 وقال ان القبائل كلها كانت متعاونه وكانت سيناء امنه ووصف بدو سيناء بانهم اكرم ناس. واشار الي انه حصل علي وعد من وزير الداخليه - والذي كان زميله ودفعته في كليه الشرطة- بالقبض علي الجناه خلال 48 ساعه ولكن والد الشهيد امهله اسبوعا. واثناء هذا اللقاء لم يتوقف هاتف والد الشهيد عن الرنين فكافة وسائل الاعلام كانت ترغب في التواصل معهم وهو ما دفع شقيقات الشهيد لتوضيح بعض الاكاذيب التي ترددت عنه في بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل عن كونه شارك في قضيه تعذيب سيد بلال وقلن ان ذلك محض افتراء لانه كان متخصصا في إنقاذ الرهائن ولم يكن يعمل في جهة تحقيق وهو بطل استشهد في سبيل الوطن وقالت شقيقته شيماء:" اخي لديه رصيد من البطولات يكفينا فخرا طوال العمر ". واختتم والد الشهيد قائلا بمرارة:" إحدي القنوات استضافت عاصم عبد الماجد الذي كان ضمن مجموعة الجهاديين وسُجن في قضايا الارهاب وتسبب في قتل عشرات من ضباط الشرطة وعلق علي استشهاد الضباط فكيف يسمح بذلك وهو آخر من يتحدث عن شهداء الشرطة؟ ".