أصبح من الواضح أن الصراع الدائر في سوريا، أصبح يكتسي بصبغة سنية- شيعية، يلعب فيها حزب الله ومن ورائه إيران دورا رئيسيا لا يمكن تجاهله، وهذا ما أكده تصريح حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في 27 مايو الماضي، حيث قسم المنطقة إلى محورين، محور "الولي الفقيه" الذي يتزعمه الحزب، ومحور "التكفيريين"، الذي يضم حلفاء أمريكا وإسرائيل، والجديد أن هذا الخطاب لم يؤد إلى تراجع شعبية الحزب في داخل لبنان فقط، وإنما أيضا بين الشعوب العربية التي ساندته باعتباره جماعة مقاومة طوال السنوات الماضية، وأيضا بين رجال الدين الذين سبق وساندوا الحزب في صراعه مع إسرائيل أثناء حرب 2006. مناخ معاد لحزب الله كان تدخل الحزب الى جانب نظام الأسد دوره في تدعيم قدرة الأسد على الاستمرار وتوجيه ضربات للمعارضة المسلحة، وربما دوره في إطالة عمر نظام الأسد منذ مارس 2011 وحتى الآن، وتعد معركة القصير التي استمرت مدة 22 يوما وانتهت بنجاح قوات النظام وقوات النخبة التابعة لحزب الله في السيطرة على المدينة في 5 يونيو 2013، مثالا على ذلك. وفي إطار ذلك، سادت قناعة بأن تقليم أظافر نظام الأسد يتطلب استهداف حزب الله والتضييق عليه، وارتأت بعض دوائر صنع القرار في بعض الدول المؤيدة للمعارضة السورية أن البداية تكون باستهداف حزب الله. وفي هذا الإطار، أعلنت البحرين إدراج حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وأكد اجتماع المجلس الوزاري الخليجي في جدة في 2 يونيو 2013 أن حزب الله منظمة إرهابية، ولكنه لم يقم بإدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية، وقرر "النظر في اتخاذ إجراءات ضد مصالحه في أراضيها". وتشير عدة مصادر إلى اتجاه هذه الدول لحصر ممتلكات الحزب، والمراقبة الأمنية للبنانيين الموالين للحزب، و عدم تجديد إقاماتهم في دول الخليج تمهيداً لترحيلهم عند الضرورة، كما أن عملية دخول اللبنانيين إلى دول الخليج ستخضع لتدقيق كبير، ولن يسمح بدخول أي شخص يشتبه في علاقته بحزب الله. الصراع السني-الشيعي أصبح الصراع في بعض المدن السورية صراع على الهوية الطائفية، وهذا ما تشير إليه الأحداث التي تعرف إعلاميا ب"فتنة سوريا"، والتي تتكرر يوميا بسبب قيام جماعات مسلحة بقتل أطفال أو أشخاص بتهمة سب الرسول أو سب الصحابة. إلى جانب ذلك، فإن عملية تعبئة العناصر المقاتلة في صفوف المعارضة السورية، أصبحت تستند إلى منطق "الجهاد في سبيل الله"، سواء من داخل سوريا أو من بعض دول الخليج مثل السعودية والكويت، او من دول عربية أخرى مثل ليبيا ومصر وتونس. ويقابل ذلك تعبئة حزب الله المجاهدين الشيعة من أجل القتال الى جانب نظام الأسد، من داخل لبنان والعراق، ومن داخل اليمن، حيث تشير عدة تقارير عن انتقال الحوثيين اليمنيين الى سوريا عن طريق لبنان بهدف "الجهاد المقدس" إلى جانب حزب الله. والخطر المرتبط بذلك، أن هذا الصراع لن يكون صراعا إقليميا فقط، ينعكس في تشكل محاور إقليمية تجمع الدول السنية في مواجهة الدول الموالية لإيران، والفاعلين من غير الدول الموالين لها، وإنما سيمتد ايضا الى داخل الدول التي تعاني من مشاكل في إدراة العلاقات مع الاقليات الشيعية، بداية من لبنان والعراق، وانتهاء بدول الخليج مثل البحرين والسعودية، بخاصة في حالة بدء التدفق العكسي للمجاهدين في سوريا إلى دولهم بهد انتهاء الصراع في سوريا. وما يعطي شرعية "دينية" لها الصراع، تراجع الخطاب الديني الذي كان يدعو في فترات سابقة الى التوفيق بين المذاهب، ودعم حزب الله والمقاومة ضد إسرائيل، لصالح إصدار مشايخ السنة الفتاوى التي تدين أفعال حزب الله. حيث طالب الشيخ يوسف القرضاوي، أخيرا الحكومات العربية بالوقوف إلى جانب الشعب السوري "الذي يجاهد من أجل استرداد حقوقه التي اغتصبها حافظ الأسد الوحش المتجبر، وإن الذين يؤيدون بشار سيصب الله عليهم لعناته وغضبه وسينتقم منهم". واعتبر أن موقفه المؤيد في السابق لحزب الله كان "خطأ"، ففي مقابلته مع قناة العربية في 9 يونيو 2013، أكد أنه "وقفت ضد شيوخ السعودية ودافعت عن حزب الله في حربه ضد إسرائيل، وكنت أحكم على الظواهر وقلت إنهم مسلمون رغم أنهم مبتدعون، وهم يعلنون ولاءهم لأمة الإسلام، لكن اتضح أنني كنت على خطأ وأصاب علماء السعودية". حيث كان بعض مشايخ السعودية أصدورا أثناء حرب 2006 فتاوى ضد حزب الله، ومن ذلك فتوى عبدالله بن جبرين التي اعتبرت حزب الله "حزباً رافضياً"، وحرمت "الانضواء تحت إمرة الحزب والدعاء له بالنصر والتمكين"، بل إنها دعت أهل السنة إلى "التبرؤ منه وأن يخذلوا من ينضمون إليه". كما اعتبر مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في 6 يونيو الجاري حزب الله "حزب عميل لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة"، ودعا "الجميع ساسة وعلماء إلى أن يتخذوا من هذا الحزب الطائفي المقيت ومن يقف وراءه خطوات فعلية تردعه عن هذا العدوان". إلى جانب ذلك، أدلى شيوخ الأزهر بدورهم بتصريحات تفيد باتخاذ مصر موقف واضح من هذا الصراع ، ليس من حيث ادانته، بل من حيث وقوفها ضد حزب الله باعتباره تعبير عن "المد الشيعي الإيراني"، وأثنوا على جهود علماء السعودية في محاربة المد الشيعي في البحرين والسعودية واليمن وغيرها من الدول العربية. وطالبوا كذلك بصدور فتوى موحدة من الأزهر ومن مشايخ السعودية حول ذلك، في حين أن مفتى مصر خلال حزب 2006 الدكتور علي جمعة كان قد أفتى بشرعية سلوك حزب الله لأن "حزب الله يدافع عن بلاده". لقد أصبح واضحا أن الصراع السني –الشيعي في المنطقة ستزداد حدته خلال الفترة المقبلة، ولن يقتصر مداه على داخل سوريا، بل سيشمل منطقة المشرق على نحو يعيد رسم ميزان القوى فيه، كما سيمتد إلى إقليم الشرق الأوسط، حيث تشبه سوريا "عش الدبابير" hornet's nest، الذي يصعب السيطرة عليه بعد انفراط عقده.