هل دخل الحوار "الإسلامي – المسيحي" غرفة الإنعاش ، بعد قرار الأزهر الشريف بتجميد الحوار مع الفاتيكان إلى أجل غير مسمى ؟ وهل كان حادث الاعتداء الآثم على كنيسة القديسين بالإسكندرية، وما تبعه من أصوات غربية تتحدث عن مزاعم لاضطهاد المسيحيين بالدول العربية، القشة التي قصمت ظهر البعير ؟ أم أن الرماد كان تحته نار من الخلافات القديمة بين Hتباع الديانات الإبراهيمية ؟ . ولماذ قرر الأزهر الشريف تغيير مسمى "لجنة حوار الأديان "بعد سنوات طويلة من عملها إلى "مركز الحوار بالأزهر الشريف"؟ ، وهل تتوقف الفروقات عند حدود التسمية، أم تتجاوزها إلى الآليات ومنهج العمل؟. الدكتور محمود العزب مستشار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومدير مركز الحوار بالأزهر الشريف، يكشف في حواره ل " بوابة الأهرام " عن منهج جديد للأزهر في ملف حوار الأديان ، وآليات عمل المركز الجديد، وملابسات قرار الأزهر بتجميد الحوار مع الفاتيكان. - هل يعني قرار الأزهر تجميد الحوار مع الفاتيكان ، بداية النهاية للحوار الإسلامي المسيحي ؟ -- هذا القرار الذي صدر الأسبوع الماضي ، بإجماع أعضاء مجمع البحوث الإسلامية - أعلى هيئة لكبار علماء الأزهر الشريف - لا يعني توقف الحوار الديني القائم على الاحترام والتفاهم مع الكنائس أو الهيئات والمؤسسات الدولية ، فنحن على علاقة طيبة بالجميع ، والإسلام الذي يمتد تاريخه عبر أربعة عشر قرنا من الزمان لن يضيره توقف الحوار مع الفاتيكان لسنوات معدودة ، حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح القائم على الاحترام المتبادل، وحتى يتوقف الغرب المتعجرف عن تلك التصريحات والممارسات وسياسة الإملاءات التي يتبعها مع الدول الإسلامية ، والتي لا تراعي التنوع الثقافي والخصوصيات والهويات الوطنية، فالإساءات المتكررة والتدخلات غير المقبولة من بابا الفاتيكان والتي تمس العقائد والهوية الوطنية المصرية، والتي سبقها أيضا تطاول من بابا الفاتيكان خلال احدى محاضراته بألمانيا على الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والتي جاءت متزامنة مع نشاط لجنة حوار الأديان بالأزهر الشريف مع الفاتيكان ، دفعنا نحو اتخاذ موقف حاسم، أملا في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ، ولن يسمح الأزهر لأي طرف خارجي بالمساس بعقيدتنا أو وحدتنا او أوضاعنا الداخلية ، أو العبث بها . كما أن الفترة المقبلة ستشهد تفعيلا لدور "مركز الحوار بالأزهر"الذي تأسس حديثا، بعد أن قرر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب تغيير مسمى لجنة حوار الأديان، إلى " مركز الحوار " ليكون اسمه عام لأن الأزهر من الآن يتحاور مع الجميع بما في ذلك الملحدين ، شريطة الاحترام المتبادل ، وذلك في عدة اتجاهات. أولها الحوار الداخلى فى الإسلام، بين المختلفين فى العقيدة مثل الشيعة والوهابية والإخوان والإباضية ، والعلمانيين ، ثم الحوار مع الكنائس المصرية وفى مقدمتها الكنيسة الوطنية المصرية الأرثوذكسية، باعتبارها الكنيسة الأم ، ثم الكنائس الأنجيلية ، والبروتستانتية ، والإنجليكانية ، والكاثوليكية والأرمن الكاثوليك بلا استثناء فهم جميعا شركاء في الوطن ، وبمشاركة رجال الدين والمفكرين وعلماء الاجتماع ، وتقديم نتائج الحوار بلغة سهله يفهمها المواطن العادي ، حتى يحقق نتائجه المرجوه لوحدة المصريين ونبذ الخلاف والتعصب وإزالة الاحتقان الطائفي ، ودعم التماسك الداخلي . - هل يعني ذلك أن "لجنة حوار الأديان بالأزهر " والتي شهدت نشاطا ملحوظا خلال السنوات الماضية ، فشلت في تحقيق أية نتائج ملموسة على أرض الواقع ؟ -- كانت هناك سلبيات عديدة في آلية واساليب الحوار المتبعة سابقا ، لذلك كان لابد من إنشاء مركز له أسس وأهداف تتفق مع مكانة الأزهر،والتجارب الحوارية السابقة في الأزهر ، كرستنا كمفعول به ، ولم يكن للأزهر دور فاعل ، وكانت حركة الأزهر دفاعية أحيانا ، واندفاعية في أحيان أخرى ، وغير منظمة في أغلب الأحيان،وهو ما لم يجعلنا على مستوى حضارتنا وديننا ، ونحن لن نقبل أن يكون الإسلام في قفص الاتهام أبدا ، فالغرب ليس كتلة صماء، وسنواجه الإساءات بعلم وعقلانية ترشد أداء الغضب، وسنعطي الحوار الفرصة ليؤتي ثماره . تجربتنا في الأزهر الآن مختلفة تماما فنحن أولا نستبعد العقيدة من الحوار والمناقشة ، لأن العقائد بطبيعتها أراد الله أن تكون مختلفة ، وهذا ما تدلنا عليه النصوص القرآنية، حيث يقول تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " وقال تعالى : " لا إكراه في الدين " ، ونحن مسلمون ، وعقيدتنا هي الإسلام، والآخرون لهم الحرية في أن يكونوا كذلك أو لا يكونوا ، لأن اختلاف الشريعة ثابت في القرآن ، وعلينا جميعا أن نراعي المنهج القرآني في حق الاختلاف ، والتحاور إذن يكون حول القيم الإنسانية المشتركة، التي تهم البشر جميعا، كالحق، والعدل، والخير، والسلام، والأمن، والتنمية، والتطور، وتحضر الشعوب، ومقاومة الفقر، والجهل، والمرض، والتهميش، وقهر الشعوب، واغتصاب الحقوق ، وهي مفاهيم تزخر بها الأديان، ولذلك لم نقل باستبعاد الأديان، وإنما قلنا استبعاد العقائد ، لذلك نسمي مركزنا الجديد " مركز الحوار بالأزهر الشريف " ، نحاور كل المختلفين معنا، لنتفق على هذه القيم وضرورة صيانتها والحفاظ عليها، لتمر السفينة الإنسانية بأبنائها بسلام ، والأزهر سيتبنى رؤية جديدة للحوار من خلال المركز الجديد تستهدف التوسع في مجالات الحوار، وعقد لقاءات حوارية حتى لو مع ملحدين، أو أصحاب أديان وضعية. .ماذا عن الهيكل التنظيمي للمركز الجديد وآليات عمله ؟ -- شيخ الأزهر لا يؤمن بالعمل الفردي، وعندما قدمنا له تصورا بمشروع مركز الحوار بالأزهر أوصى بأن يكون اسم المركز هو مركز الحوار بالأزهر وليس حوار الأديان، أو حوار الحضارات أو حوار الثقافات لأن الحوار لا يتناول الأديان فقط، فالأديان هي أحد أهم محاور الحوار، ولكنها ليست كل الحوار . وكان شغلنا الشاغل في البداية ، هو التركيز على دواعي الحوار وتحديد أسبابه، خاصة وأنه قد يفهم في المجتمعات الإسلامية أن الآخرين يطلبوننا في الحوار لنرد عليهم لكن لن يكون هذا هو الأساس في مركز الحوار فالأمر مختلف ، سنكون نحن المبادرين للدعوة للحوار استنادا إلى ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من ضرورة دعوة الآخرين للحوار ، وإذا دعانا الآخرون إلى شيء يطالبنا به القرآن الكريم والسنة فنحن نلبي، استجابة لدعوة القرآن ، قال تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " فالحوار ليس لإكراه الآخر على أن يتبع ثقافتي أو ديني أو حضارتي ،فالعقيدة لابد أن تظل في مأمن ومستوى أعلى من كل نقاش وحوار ، كما أنه لا بد أن يسلم كل طرف بعقيدة الطرف الآخر، فلا يناقشها ويسفهها ولا يحللها ولا ينقضها ، إنما يكون الحوار حول القيم الكونية العليا المشتركة بين البشر جميعا التي لا يستطيع مؤمن بأي دين ولا ملحد أن ينكرها. - معنى ذلك أن مركز الحوار بالأزهر لن يقتصر عمله على أتباع الرسالات السماوية ، وهل يشمل نشاطه الحوار مع أتباع الديانات الوضعية والعقائد غير السماوية ؟ -- سيكون هناك حوار مع أتباع كل الديانات والعقائد ، حتى مع الملحدين ماداموا يحترمون عقيدتنا،هناك شرط أولي في الحوار وهو عدم المساس بالمسلمات الأساسية في الدين ، اما الباقي من القواسم الإنسانية المشتركة التي سبق أن أشرت إليها ، فهو قابل دائما للحوار ، مع ملاحظة أن الأزهر يطرح تلك التطبيقات ارتكازا على قواعد الشريعة الإسلامية، فإذا اتفقنا على المشترك الذي يؤدي لاستقرار المجتمعات والأمم تحقق النجاح، وهذا هو المطلوب . - كيف سيتم اختيار أعضاء المركز ؟ -- هناك أعضاء للمركز سيتم اختيارهم وفقا لشروط أهمها الكفاءة العلمية في مجال الإسلام في أصوله وثوابته وفي مصادره المتفق عليها وإدراك ما يحدث في العالم وفهم كبير لأديان الآخرين وخبرتهم وتمرسهم في الحوار ، وسيكون مقر مركز الحوار بالأزهر بمشيخة الأزهر وله مجلس أعلى دائم، وهذا المجلس يجتمع مرة كل شهر اجتماعا دوريا، تحت رئاسة الإمام الأكبر ، وهو الرئيس الأعلى لمجلس الحوار يليه الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف، ثم الدكتور محمود عزب مدير المركز. وبجانب مركز الحوار الذي يتم إعداده الآن ستكون هناك الهيئة الاستشارية، من أزهريين وغير أزهريين من مؤسسات مختلفة وربما من غير المسلمين أيضا بحيث يؤخذ رأيهم في بعض الأشياء ويستشارون في البعض الآخر، ويتابعون أخبار الحوار في العالم يوما بيوم ، وما يمسنا أو يمس الإسلام فيما يتم من حوارات بالخارج وهل نحن طرف فيه أم لا وهل سنتدخل أم لا وآلية وأسلوب التدخل . - ما آليات تنفيذ تلك المبادرة على أرض الواقع ؟ -- دورنا هو توسيع دائرة التقارب وتوصيلها للناس، واستقطاب الشارع إلى الحوار بلغة سهلة وبسيطة، والشارع المصري مستعد لتقبل تلك المبادرات، ومن المهم جدا التواصل مع وسائل الإعلام لتواكب هذا العمل البالغ الأهمية ،ونتمنى من كل المؤسسات والأفراد التعاون معنا لإنجاح هذا العمل ، وعلينا أن نخرج الحوار من الأوساط النخبوية للأوساط العامة من خلال وسائل الإعلام، والمهم أن نكسب عقولهم وقلوبهم . - هل يعني ذلك توقف الحوار مع الغرب في المرحلة المقبلة والاهتمام بالداخل ؟. -- الحوار مع الخارج لم يتوقف ، نحن اتخذنا خطوة في الاتجاه الصحيح ، فالفاتيكان والولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية لا تدين سوى قتل المسيحيين بالعراق، وبابا الفاتيكان عندما تعاطف مع المسيحيين لم يشمل مسيحيى فلسطين، ونحن نؤكد للجميع أن الأزهر يحترم الحوار مع الآخر شرط الاحترام المتبادل والابتعاد عن العقيدة، وهناك عقبات تنتظرنا فى الحوار مع القوى الكبرى المتحضرة، لأنها تمارس ضغوطا وحروبا فى بلاد كلها إسلامية كأفغانستان والعراق وغيرهما ، والحوار مع أوروبا قديم منذ القرن الثالث عشر، نختلف معهم كثيرا حول مسائل خلط السياسة بالدين وازدواجية المعايير، والإعلام الغربى الذى دائما ما يصور القضايا العربية بشكل مختلف وغير فعال وغير مسئول، مؤكدا أن أرضية الحوار الأولى لدينا آتية من النص الإسلامى وهو القرآن الكريم لأنه يأمرنا بالحوار فهو يؤمن بالتعددية والاختلاف. - ماأهم عقبات الحوار مع الدول الكبرى؟ -- أهم العقبات تتمثل في أن القوى الكبرى والمتحضرة تمارس ضغوطا وحروبا في الدول الإسلامية، ووقوفها صامدة أمام جميع أنواع الظلم الذي قد يقع على المسلمين ، وخير دليل على ذلك الحرب التي شنتها أمريكا عقب 11 سبتمبر على أفغانستان ثم العراق، وتصريحات بابا الفاتيكان بحماية المسيحيين من القتل دون المسلمين، في محاولة لتجزئة الحضارة الإسلامية ، وكثيراً من الدول الغربية التي تقول إنها تحمي حقوق الإنسان،عندما تعلن إسرائيل أنها دولة لن يعيش فيها إلا يهود، لا يعلق أي منها على ذلك، بينما عندما وقعت أحداث الإسكندرية تمت المطالبة بحماية المسيحيين في مصر، وقبلها في الشرق الأوسط ، وليس ببعيد عن كل ذلك ظاهرة الإسلام فوبيا التي يغذيها الإعلام الغربي، وكل تلك الممارسات الخاطئة تقف عقبة كبرى في طريق الحوار . - هل الأزهر قلق حتى الآن من توجهات الغرب؟ -- ما يقلق الأزهر هو الانفصام بين الفعل والقول في الغرب، حيث نسمع من مسئولين الترحيب بالحوار والتقارب لكن تفرض القوانين التي تضطهد المسلمين فيصدر قوانين منع المآذن والحجاب، وهذا في حد ذاته يؤكد لكثيرين أن الحوار بلا جدوى ، وفيما بعد الحوار، إذا اتفقنا حول القيم العليا التي سنتحاور فيها فهذا أمر طيب، وإذا اتفقنا اتفاقا ضعيفا نسبيًا، فنحن نرجو أن نطوره في المستقبل، أما إذا لم نتفق فقد لزم أن نبحث عن وسائل أخرى حتى نتفق حول القيم المشتركة وليس العقيدة . - ماذا عن الحوار مع اليهود؟. -- اليهود لهم تاريخ طويل مع الحضارة الإسلامية، فقد كانوا جزءا منها، يكتبون لغتهم بنفس المصطلحات التى يستخدمها علماء أصول الدين وعلماء الفقه، وكانوا ما بين بغداد وقرطبة ممثلين فى بلاط الخلفاء وينالون عناية كبرى، وكانوا وزراء ومترجمين وحكماء يعتز بهم المسلمون، واليهود الذين يعرفون ذلك يمكن الحوار معهم أما الصهيونية المتطرفة التى تقتل الفلسطينيين وتحتل أرضهم منذ 60 عاما لا حوار معهم.