دونت الأقلام مئات الشواهد على تاريخ الشد والجذب فى حوار الأديان، وهناك شخصيات كانت رئيسية مؤثرة في الحوار الإسلامي – المسيحي، مثل: بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثاني، والشيخ محمد السيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق، والبابا الحالي بنديكت السادس عشر، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالي، ولكل مواقفه وتصريحاته التي تظهر نواياه، فإما أن يكون عدوًا يتخفى خلف كلمات معسولة، أو متسامحًا يسير على الدرب الصحيح. كما أن المواقف التى دونها التاريح فى تعاون رموز الدين على دعم الحوار الدينى واضحة، فجميعنا يتذكر عندما تعرض بعض القساوسة للقتل في الجزائر، وعرض الفاتيكان أن يشترك علماء الأزهر معهم في استنكار هذا الحادث، ووافق الأزهر، لكن عندما وقعت مذبحة "قانا" عرض علماء الأزهر أن تشترك لجنة الحوار في الفاتيكان في إدانة الحادثة فلم توافق.. بل ظل بعض أعضاء الوفد في غاية التمسك بوجهات نظرهم. الاعتراف بالخطأ كان أحد سمات بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني فقبل قيامه برحلته إلى الشرق الأوسط التي قال عنها "رحلة الحج الأخيرة"، اعتذارا عن الأخطاء التي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية، خلال قداس أقامه في مارس 2000. واعتذر لليهود عن موقف الكنيسة الكاثوليكية من الاضطهاد النازي لهم، واعتذر للكنائس الأرثوذكسية الشرقية عن عنف الكنيسة الكاثوليكية واضطهادها الذي ساعد على إسقاط الكنيسة البيزنطية، كما اعتذر للروس، واعتذر عن محاكم التفتيش وصكوك الغفران واضطهاد العلماء والمفكرين. ورغم موجة الاعتذارات التي قدمها يوحنا لكنه رفض الاعتذار للمسلمين عن "الحروب الصليبية"، معتبرًا أن الحروب الصليبية هي جزء من أخطاء متبادلة بين المسيحيين والمسلمين، والاعتذار يجب أن يكون من الطرفين. ظل يوحنا، يعتقد أن "التنصير" أو ما يسميه "نشر حقيقة الإنجيل" شغله الشاغل، وهو ما كان عائقًا أمام التواصل مع العالم الإسلامي إلى حد ما. فقد طاف يوحنا بولس، قارات العالم داعيًا المنصرين إلى فتح آفاق وأراض جديدة لتنضم إلى الفاتيكان، تحت العديد من المسميات منها الإغاثة الطبية والمعونات الغذائية، من خلال تأكيده أن التبشير مهمة ملازمة للكنيسة، وأن المنظمات الخيرية تسعى إلى القيام بواجباتها من أعمال الإغاثية والمساعدات الإنسانية بالمناطق المنكوبة حول العالم. التقى بولس بحوالي 737 من رؤساء دول العالم و245 مقابلة مع رؤساء وزراء الدول، وقد تركزت حواراته معهم حول الحرب على الإرهاب، فعندما تقابل رئيس الحكومة الإسبانية "ثاباتيرو" بالفاتيكان مع وفد من الأساقفة الأسبان قال له: أكرر ما قلته لكم سابقًا من ضرورة تعاونكم مع الفاتيكان من أجل خدمة قضية السلام وحرب الإرهاب وتنمية الحوار بين الأديان. وعندما تباحث مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح واليمنيين حول أهمية وضرورة مكافحة الإرهاب، قال: إنني أحث جميع الرجال والنساء في منطقتكم على محاربة الإرهاب والعمل من أجل السلام، ثم انتقل في حديثه إلى مسألة حوار الأديان قائلا إن العمل من أجل السلام لا يتأتى إلا بعد استقرار التسامح في القلوب، لذا عليكم أن تحتضنوا لقاءات للحوار بين الأديان والشعوب في مناطقكم. وقد دل كثير من مواقف يوحنا على تسامحه ففي الوقت الذي تعرض لمحاولة قتل على يد شاب تركي، سعى هو كي يطلب له العفو. وفي عام 2009، تعالت أصوات برلمانية مصرية تدعو إلى عزل الشيخ محمد سيد طنطاوى على خلفية قيامه بمصافحة الرئيس الإسرائيلى آنذاك، شيمون بيريز، بالإضافة إلى جلوسه بجواره على منصة واحدة في مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في كازاخستان. لكن ما يؤكد سماحة الأزهر فى عدم التعامل بالمثل مع مايتعرض له المسلمون من تصريحات عدائية، قام طنطاوي فى أحد اجتماعات مؤتمر حوار الأديان بلقاء وفد من الفاتيكان برئاسة الكاردينال الفرنسي جان لوي توران رئيس المجلس البابوي لحوار الأديان، على الرغم من أن الكاردينال رفض الاعتراف بالإسلام كدين سماوي وأصر على حذف عبارة "الأديان السماوية والربانية " حيث إن وصف الإسلام كدين سماوي ورباني لا يزال محل خلاف بالنسبة للفاتيكان، خصوصا البابا الحالي. المثير للدهشة أن البابا بنديكت السادس عشر الذي أعلن فور تنصيبه اعتزامه توحيد الطائفة المسيحية والحوار مع الأديان، قال إن الإسلام أتي بكل ما هو سيئ، وهذا القول الذي لا يتوافق مع أي قيمة دينية وحضارية، لأن من حق الشخص أن يؤمن وأن يعتز بما يعتقد، ولكن ليس من حقه تسفيه أو تشويه الآخر. أثارت تلك التصريحات موجة غضب في العالم الإسلامي، وزاد من حدة غضب المسلمين آنذاك إلقاء بنديكتوس خطابا فى سبتمبر 2006 بألمانيا استشهد خلاله بنص قديم أشار إلى أن "الإسلام لم يأت إلا بما هو شرير وغير إنساني"، حيث أشاع بنديكتوس في الكثير من تصريحاته، إلى أن الإسلام لم ينتشر في العالم إلا بحد السيف، وإخضاع الناس لعقيدته بالقوة، ولولا هذا ما انفتحت له القلوب، ولكنها أكرهت عليه إكراهًا تحت بريق السيوف، فخيَّرهم بين الإسلام والقتل، فإما أن يسلم وإما أن يطير عنقه. مرت الأيام، وذهبت دعوات العقلاء، مع بساط الرياح ، ليأتى اليوم الذى يكرر فيه البابا بنديكت السادس عشر تعرضه للإسلام بشكل سلبي بادعائه أن المسلمين يضطهدون الآخرين الذين يعيشون معهم في الشرق الأوسط، ليأتى قرار مجمع البحوث الإسلامية بتجميد الحوار مع الفاتيكان إلى أجل غير مسمى بعدما أدار بابا الفاتيكان ظهره للتحذيرات التى انتهجها الأزهر ووزارة الخارجية المصرية بعدما استدعت سفيرتها لدى الفاتيكان لإبلاغها احتجاج مصر على ما تفوه به البابا فى حق مصر. وقبل أن يجمد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالي الحوار مع الفاتيكان وفي المؤتمر السادس لحوار الأديان، الذي عقد بالعاصمة القطرية بالدوحة قال إن هناك بعض العقبات التي تعترض طريق الحوار بين الأديان أبرزها "جهل الغربيين بالإسلام بسبب عدم اطلاعهم عليه من خلال تراثه وتطبيقاته التاريخية". عُرف الطيب بالاعتدال والاستنارة وسعة العلم، قضى فتره من حياته فى فرنسا وحصل على الدكتوراة من جامعة السوربون فى العقيدة والفلسفة الإسلامية، وعمل محاضرا جامعيا فى فرنسا، كما ساهم في انفتاح جامعة الأزهر على الجامعات الأوروبية عن طريق عقود الشراكة العلمية بين الأزهر وجامعات فى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وقام بإرسال العديد من البعثات للجامعات الأوروبية من خريجي جامعة الأزهر. لكنه لم يجد غير تجميد الحوار مع الفاتيكان أمام إصرار بنديكت السادس عشر على ذكر الإسلام بالسوء، ودعوته الأخيرة إلى حماية أقباط مصر من الاضطهاد الذى يتعرضون له.