يمثل قيام إثيوبيا بتحويل مجري النيل الأزرق للبدء في الخطوات النهائية لبناء سد النهضة تحديًا خطيرًا للأمن المائي لدولتي المصب وتحديدًا مصر، وخطورة هذا التحدي تكمن في كون القرار أتى بعد الطمأنة السياسية التي حصل عليها الرئيس محمد مرسي في أثيوبيا خلال مشاركته بقمة الاتحاد الإفريقية قبل يومين، وأيضًا من دون انتظار لتقرير اللجنة الفنية المشتركة التي تم التوافق على تشكليها بين مصر والسودان وأثيوبيا وبدأت عملها اليوم فقط. وهناك مساحة كبيرة من الخيارات السياسية القانونية والعسكرية أمام مصر للقيام بها ردًا على هذا السلوك الأثيوبي العدائي، إلا أن المهم وجود قرار سياسي بهذا السياق. فمن جانبه، قال اللواء علاء عز الدين منصور رئيس مركز الدراسات السياسية و الإستراتيجية بالقوات المسلحة الأسبق أنه طبقا للدراسات الأولية وآراء المختصين، فإن سد النهضة الذي شرع في بنائه اليوم سيؤدي لتخفيض حصة مصر من مياه النيل تصل بنسبتها لمعدل 30% ما يؤثر سلبا علي قطاعات حيوية وتحديدًا الزراعة، ونمط الحياة الاجتماعية داخل مصر، الأمر الذي يزيد من تأزم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعايشه مصر حاليًا ويجعل في قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب الإستراتيجية كالقمح مسألة غاية في الصعوبة. ولذا يرى منصور أن الوضع الآن بات يمثل تهديدًا للأمن القومي المصري، فمحاولة الانتقاص من الحقوق المشروعة لمصر في حد ذاته خطرًا شديدًا، وسيشجع الآخرين بما فيهم أثيوبيا على انتقاص إضافي من تلك الحقوق مستقبلا، ما يعني أن تكون تحت رحمة هؤلاء. واوضح أن مصر تتبع الآن آليات للضغط علي أثيوبيا سلميًا، وحال فشل الآليات السلمية فلابد من الانتقال السريع لحقوق الدفاع الشرعي عن النفس، لكون ما يحدث في أثيوبيا من بناء سلسلة السدود على مجري النهر الذي يغذي النيل بما يعادل 85% من كمية المياه اعتداء صارخ علي حق الحياة لدى المصريين والقانون يبيح للشخص الدفاع المشروع عن نفسه حال مواجهة الأخطار. فيما أشار اللواء طلعت مسلم الخبير الاستراتيجي إلي أنه من المؤكد وجود اتفاقيات بين مصر وأثيوبيا في هذا المجال، تحكم كميات المياه التي تصل مصر، بالإضافة لعدم الاعتراض علي تنمية أثيوبيا بما لا يؤثر علي حصة مصر من المياه، مشددا علي ضرورة البحث في الأسباب التي دعتها للقيام بهذا الأمر وتقديم مساعدات لأديس أبابا في مجالات مختلفة مع بقائنا مستعدين بكل الوسائل لمواجهة هذا التحدي الجديد بما فيها استخدام القوات المسلحة رغم صعوبة هذا الاحتمال في الوقت الحالي. إلا أنه يمكن الاستعاضة عنها بالعمل الاستخباراتي الذي يمكن أن يمكن الآلية الفاعلة بهذا السياق. أما إيهاب شيحة رئيس حزب الأصالة السلفي، فقد طالب بضرورة النظر إلي الأمر كوحدة واحدة لتأثيره الكبير علي الاستقرار داخل مصر وأمنها والبحث عن أسباب تعمد إعلان أثيوبيا بدء تحويل مجري النيل الأزرق وبناء سد عقب زيارة الرئيس مرسي، واصفًا الأمر بأنه جرس إنذار لنا جميعًا. وأشار إلي قيام إسرائيل بالتحرك بقوة ضد مصر داخل أثيوبيا، فهناك شركة إسرائيلية هي المسئولة عن توزيع الكهرباء الناتجة عن السد. إلا أنه فضل عدم اللجوء للخيار العسكري، ودعا للتحرك الدبلوماسي الفوري وبقوة لدعم العلاقات مع أثيوبيا و اريتريا، بعد تراجع دور مصر إفريقيًا، بسبب سواء تعامل وإهمال نظام مبارك للعلاقات مع دول القارة وتحديدًا تلك التي تشترك في مصر في حوض نهر النيل، وأن القوت لم يفت كما يعتقد البعض للحد من التأثيرات السلبية لسد النهضة. فيما عارض هذه الحلول الدبلوماسية مجدي حمدان عضو المكتب التنفيذي بجبهة الإنقاذ والقيادي بحزب الجبهة الديمقراطية بقوله: أن تحويل مجري النيل مؤشر خطير جدًا، وخطوة على طريق تعطيش المصريين وحرمانهم من حقوقهم المشروعة حسب الاتفاقيات المبرمة منذ الاحتلال البريطاني للقرن الإفريقي، والذي أعطي لدول المصب الحق في التمتع بحصصهم المائية كاملة، بالإضافة لحق الموافقة على أي مشاريع مائية على مجري النهر والاعتراض عليها إذا كانت تهدد حصتها من المياه. ودعا إلي تدخل الجيش على الفور بهذه الأزمة، والقيام بخطوة استباقية لهدم ما بني من بنية أساسية لسد النهضة لإرجاع مجري النهر لسابقة، مطالبا الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع بعدم التهاون في حقوق الوطن. مؤكدًا أن أثيوبيا لم تجرؤ على القيام بذلك بعد 24 ساعة من عودة الرئيس مرسي من أديس أبابا إلا بعد تيقنها من ضعف مؤسسة الإدارة المصرية. واتفق معه أحمد الفضالي رئيس حزب السلام الديمقراطي، بقوله: أن الأمر ليس مطروحا للمناقشة أو المساومة السياسية لذلك لابد من التصدي للأمر بقوة. وطالب وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي للاجتماع فورا لمناقشة تداعيات القرار الأثيوبي، وأن خطورة الأمر فيما ستشهده مصر مستقبلا وزيادة الأطماع في حقوقنا نتيجة التهاون الآن في تلك الحقوق. كما طالب أثيوبيا بالتراجع عن قرارها لما له من أثار سيئة قد تؤدي للحرب، متهمًا إسرائيل بأنها اللاعب الأساسي في العمل علي اتخاذ أثيوبيا مثل هذا القرار للإضرار بمصلحة مصر القومية.