هل تريد أن ترى الملك فاروق طفلا أم ترغب في مطالعة أنباء الزواج الملكي السعيد؟! أيعجبك أن تقرأ آخر أخبار يوسف بك وهبي، أم تعيش الأحداث المؤسفة التى انتهت باستقالة سعد باشا زغلول من أول وآخر وزارة يشكلها؟ يمكن أيضا أن تطالع ما كتب عن أجواء الجلسات الصاخبة في مجلسي النواب والشيوخ. كل ذلك وأكثر لن يفصل بينك وبين أحداثه أكثر من أربع وعشرين ساعة هي المدة الفاصلة بين الحدث وما تطالعه حالا في صدر صحيفة الأهرام المصرية. في واحد من أحدث مباني المؤسسة العملاقة، تبدو الغرفة من الخارج مثل أي غرفة لمكتب إداري في مبنى تقليدي لمؤسسة مثل مؤسسة الأهرام، لكن بعد خطوات داخل المكتبة الميكروفيلمية تشعر وكأنك ركبت آلة ارتياد الزمن التى كتب عنها ه. ج. ويلز، فتحلق بك الآلة وتخرق حجب الزمان فتطالع عناوين جريدة الأهرام والتى صدر أول أعدادها في 5 أغسطس 1876 كما هو مدون على رأس الصفحة الأولى. وحسب ماقرره "أسامة الديب" مديرير مركز التنظيم وتكنولوجيا المعلومات"الميكروفيلم"، فإن فكرة حفظ تراث جريدة الأهرام حتى يبدو وكأنه نابض إلى الآن، قد راودت الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في نهاية عقد الستينيات حيث كان في رحلة إلى إحدى الدول الأوروبية ورأى تجربة حفظ الوثائق التاريخية والتراث على صور يتم تسجيلها على أشرطة حساسة "ميكروفيلم" ولما عاد بدأ في اتخاذ خطوات لحفظ هذا التاريخ الحافل بالأحداث منذ صدور أول عدد. ويشرح "الديب" كيفية نقل الوثائق التاريخية على شرائط أفلام الميكروفيلم، مبينا أن هذه الوسيلة يصعب تعرضها للتلف شأن طبيعة الوثاق ذاتها، كما يسهل استنساخ تلك الأفلام ووضعها في أماكن أكثر أمانا بعيدا عما يمكن وقوعه من حرائق أو أي مؤثرات أخرى قد تؤدي إلى ضياع المواد الأصلية. ويبدو الحزن على محمد الرشيدي الموظف بالمركز وهو يشرح كيف ضاعت فرصة تسجيل تراث المجمع العلمي في شارع قصر العيني الذي احترق داخله تراث لايقدر بثمن في يوم مشئوم من أيام ديسمبر 2011 وكان مركز الأهرام للميكروفيلم قد عرض تسجيل ذلك التراث الهائل لكن لم يتم الأمر بسبب عدم وجود ميزانية لذلك في المجمع كما قرر ذلك أحد المسئولين عنه. وكثير من الهيئات التى تحتفظ بكنوز تراثية، لا تشعر بأهمية الميكروفيلم في حفظ الوثائق إلا بعد وقوع الكارثة. يعود أسامة الديب مدير المركز، ليؤكد أن كثيرا من الهيئات والوزارات تلجأ للميكروفيلم حين كتشف مميزاته التى لا تقتصر على المهمة الكبرى في حظ التراث، ولكن لسهولة العودة إلى أي بيانات لأي من المواد المدونة علية وفي ثوان معدودة كسجلات العاملين وسجلات المحاسبات وصور المقتنيات أو أي بيانات أخرى يتم تسجيلها. كما يشير إلى حجية الميكروفيلم القانونية عند العتماد عليه كوثيقة طبق الأصل، فعلى سبيل المثال تؤكد مايسة ناجي مديرة المكتبة الميكروفيلمية الخاصة بمؤسسة الأهرام، أن كثيرًا من الناس يطلبون صفحات من أعداد قديمة من جريدة الأهرام أو أي من إصدارات المؤسسة القديمة والحديثة للاطلاع على المشور فيها كمستند يسنخدم في أمور كثيرة لا سيما القضائية أو للذكريات عند الهواة الذين يرغبون مثلا في معرفة ما وقع من أحداث في تاريخ معين مرتبط بمناسبة ما. ولكن من المؤكد أن الاطلاع على ما نشرته صفحات الأهرام على مدى 137 سنة منذ صدور أول عدد وحتى الآن. الجميع في مركز الميكروفيلم يؤكدون أن تجربة البحث عن أعداد الأهرام الصادرة على مدى أربعة عشر عقدا، غاية في الصعوبة خاصة الأعداد المبكرة، وان هناك صعوبة في العثور على العدد الأول كاملا، حتى تم ذلك وتم تسجيله وتؤكد مايسة ناجي أن الغالبية العظمى من الأعداد والصفحات قد اكتملت ميكروفيلميا. والعملية تخضع لتقنية ودقة عاليتين في الأعداد القديمة، نتيجة لضرورة الحفاظ على شكل الصفحة الأصلى الذي يتم ترميمة بطرق غاية في الدقة في القسم المخصص بذلك في معمل بالجيزة في مبنى مستقل عن مباني المؤسسة في شارع الجلاء بالقاهرة. وتصحبنا كاميرا فيديو "بوابة الأهرام الإلكترونية" في جولة سريعة لرحلة عبر صفحات ما نطلق عليه الآن "الزمن الجميل".