انتقلت حدة خلافات القوى السياسية المصرية فجأة إلى خارج الحدود، كأنها لم تكتف بما هو كائن داخل مصر من خلافات، بات من الصعب حصرها من كثرتها وتشعبها. كان الدافع لإثارة هذا الخلاف الجديد، حدثين رغم بساطتهما مقارنة بكم الأحداث الخطيرة التي تمر على مصر يوميًا، إلا أنهما كانا كاشفين عن عمق وهوة الخلاف بين التيارين الإسلامي والمدني. وكذلك رغبة كل طرف في تسجيل نقاط في مواجهة الطرف الآخر، بعدما فشلت محاولات لمّ الشمل الوطني، واستدعى كل ما في الحقبة التاريخية من موروث عدائي، يبدو أن الزمان غير قادر على طي صفحته. عبر الأول عن نفسه في زيارة وفد من التيار الناصري بزعامة أحمد حسن، أمين عام الحزب الناصري لدمشق أمس الأول، لإظهار التأييد والدعم الكبيرين للرئيس السوري بشار الأسد، ضد معارضيه الذين يقاتلون من أجل إسقاط نظامه السياسي. فيما كان الخبر الثاني، نعى حركة الإخوان المسلمين سقوط محمد محرز شقيق المتحدث الإعلامي باسم الحركة محمد محرز، الذي قتل في حلب خلال مواجهات مسلحة بين المعارضة السنية المسلحة التي تحاول السيطرة على المدنية وقوات الجيش النظامي صباح اليوم. وباتت حلب معها أدلب مركزًا لتجمع الجهاديين العرب والأوروبيين الذي يقاتلون نظام الأسد بغرض إعلان دولة إسلامية تحت راية " جبهة النصرة ". إذ انتقدت قوى التيار الإسلامي -تحديداً السلفية- بشدة، تلك الزيارة التي لا تخفي دعمها للثورة الثورية من منطلق عقائدي، إذ نددت بالزيارة جماعة أنصار السنّة وصفتها بالمشئومة وأكد بيان الجماعة اليوم أنها "تبرأ إلى الله من هؤلاء الذين ذهبوا إلى سوريا ليجالسوا ذلك الطاغية غير عابئين ببحور الدماء التي أجراها هناك من قتل وتشريد" بل واعتبرت الزيارة "خيانة عظمي لمصر". فيما ذهبت الجبهة السلفية أبعد من ذلك، حيث لم يتهم متحدثها الإعلامي هشام كمال، القوميين واليساريين بكونهم لا يأبهون بدماء السوريين، إلا لما يحقق مصالحهم الحزبية الضيقة بتلك الاتهامات فقط، أنما استدعي الموروث التاريخي مع التيار الناصري والقومي، بقوله: "فهؤلاء الذين ناصروا من قبل عبد الناصر وجريمته البشعة بحق التيارات الإسلامية من سجن وتعذيب وقتل بحجة استقرار الدولة، واليوم يرتكبون نفس الخطيئة من جديد مع أهل السنّة في سوريا، وتوصيفهم لتطلعات الشعب السوري وثورته بالإرهابية. واعتبر الزيارة بمثابة مزايدة رخيصة على دماء الشهداء من قبل أنصار هذا التيار". ورغم تبرؤ الحزب الناصري من زيارة الوفد، وتصريحات توحيد البنهاوي أمينه العام "بأن من ذهبوا لدمشق لا يمثلون إلا أنفسهم"، ومؤكدًا أن أحمد حسن نفسه تم إسقاط عضويته من الحزب خلال المؤتمر العام الأخير، في إشارة للصراع المرير على الزعامة مع نقيب المحامين سامح عاشور رئيس الحزب الحالي، إلا أن قياديين في اليسار المصري مثل أسعد هيكل، أن أكدوا رفضوهم للزيارة، إلا أنهم اعتبروها محاولة لوقف تمدد جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي في البلاد العربية، وليس حباً في بشار الأسد. ومستعين بحجج ضاحي خلقان مدير أمن إمارة دبي ضد الجماعة وتهديداتها لاستقرار البلدان العربية. فيما اتهم محمد البلتاجي القيادي بحزب الحرية العادلة على حسابه بموقع الفيسبوك، وسائط الإعلام التي تخضع للتيار المدني بالانحياز والتربص ضد التيار الإسلامي والرئيس محمد مرسي، بتجاهل نبأ استشهاد محرز على يد ما وصفهم بقناصة الجيش السوري، كما أن برامج التوك شو لم تقف طويلاً أمام تلك الزيارة، رغم كونها لا تترك شاردة دون تسليط الضوء عليها، بل أنها تجاهلت تسليط الضوء على انتخابات المفتي الجديد. والنتيجة التي يمكن استخلاصها من البلتاجي وكلامه بين السطور، أننا أمام وسائط إعلام همّها الأول تشويه التيار الإسلامي ورموزه، ومحاولتها التركيز على الجوانب غير الإيجابية من ممارسات واتجاهات لرموزه وعناصرها كبر شأنهم أو قل، بهدف اتهام التيار الديني بالفشل والرغبة في إقصاء الآخر، وسرقة الثورة. كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقات واسعة منددة بهذا السلوك من جانب عناصر التيار الناصري، تركزت حول المقارنة بين محرز الذي ترك وضعًا اجتماعياً مرموقًا من أجل مساندة الثورة السورية، ورموز التيار الناصري واليساري المعارض الذين يدّعون مناصرة مطالب الثوار في مصر ضد نظام الرئيس مرسي، في حين أنهم يساندون استبداد وبطش نظام الأسد، ضد ثوار يطالبون بالحريات العامة والديمقراطية. تناقض استهدف بداية حملة هجوم على المعارضة السياسية، التي لم تعلق على الزيارة، رفض أكثر من مسئول فيها الحديث في تلك المسألة.