لم تشهد وزارة من وزارات الحكومة المصرية تقلبات كتلك التى عاشتها، وما زالت وزارة الثقافة فى مصر، وهو ما أكدته استقالة الدكتور صابر عرب الذى كان قد تقلد منصبها مرتين. وكشفت استقالة عرب عن أنها لن يعيش لها وزير طالما أن الثقافة، وبالطبع ما يتبعها من فنون غير مدرجة فى اهتمامات الحكومات فى مصر، وهو أمر غير جديد عليها. فمنذ أن أُدرجت كفكرة لكيان استعظم القائمون على الحكم إبان ثورة 1952 أن يكون لها كيان مستقل بذاتها فأُدرجت ضمن مسؤليات وزارة الإرشاد القومى، ولم تستقل عن الإرشاد القومى إلا فى عام 1965 رغم أن الدكتور ثروت عكاشة كان يحمل لقب وزير الثقافة والارشاد القومى، وكان مهتمًا إلى حد ما بالجانب الثقافى كونه من كبار المثقفين والكتاب. وظلت الثقافة مقترنة بالارشاد حتى بعد تعيين الدكتور محمد عبد القادر حاتم وزيراً للثقافة والإرشاد القومي عام 1962، ونائبًا لرئيس الوزارة للثقافة والإرشاد القومي ومشرفًا على الإعلام ووزارة السياحة والآثار عام 1964. أى أنها كانت ضمن عدة مهام لوزير الارشاد القومى، إلى أن تم الاقتناع بأهميتها، وأنها تستحق ان تكون كيانا منفصلا، ولذلك جرى تعيين الدكتور سليمان حزين وزيرًا للثقافة، والدكتور عزيز أحمد ياسين وزيرًا للسياحة والآثار، وأمين حامد هويدي وزيرًا للإرشاد القومي. وكانت هذه من المرات النادرة التي ضمت الوزارة فيها نائباً لرئيس الوزارة وثلاثة وزراء لهذا القطاع. وظلت التقلبات مستمرة حتى مع عودة الدكتور ثروت عكاشة للعمل السياسى فى الارشاد القومى فى عام 1966، حيث تولى الدكتور ثروت عكاشة الوزارة، وأصبح مسمى منصبه نائب رئيس الوزارء ووزيراً للثقافة، وبدأ الفصل بين وزارة الثقافة والإرشاد القومي ولاهتمامه بالجانب الثقافى وتأكيده على أهميته تقلد الدكتور عكاشة منصب وزير الثقافة بعد فصلها فصلا نهائيا فى شهر النكسة، أي في يونية 1967. واستمر الدكتور عكاشة وزيرا للثقافة حتى خلفه بدر الدين أبو غازي في نوفمبر 1970 حتى مايو 1971. وفي مايو 1971 عين الدكتور إسماعيل غانم وزيرًا للثقافة ثم تولى الدكتور عبد القادر حاتم نائب رئيس الوزارة وزارتي الثقافة والإعلام معًا عام 1971 حتى يناير 1972. وهى الفترة التى سبقت حرب أكتوبر عين يوسف السباعي وزيرًا للثقافة واحتفظ بمنصبه حتى عام 1975 ولمدة ثلاث سنوات متصلة. وفى 1976 عادت عملية الجمع بين الثقافة والوزارات الأخرى فجمع كل من الدكتور جمال العطيفي وخلفه عبد المنعم الصاوي بين وزارتي الثقافة والإعلام، فلم يتوليا، إحداهما بدون الأخرى، وهو ما تكرر فيما بعد، ولكن بشكل غير رسمى عندما تولى فاروق حسنى مهام وزارة الاعلام مؤقتا فى عام 2004 بسبب استقالة صفوت الشريف وتعيينه فى مجلس الشورى . ويبدو أنها لم تكن كوزارة تتحمل أن تبقى وحيدة دون ان تحمل فى مسماها اسما لوزارة أخرى ففى عام 1978 تم ضم وزارة الثقافة إلى وزارة التعليم والبحث العلمي وتولى هذه الوزارات الثلاث الدكتور حسن إسماعيل. واستمرت الثقافة تتنقل من الإرشاد القومى للتعليم ثم الإعلام حيث انتقلت من التعليم إلى الإعلام فى عام 1979 عندما أسند الإشراف على وزارتي الثقافة والإعلام الدكتور منصور حسن وزير رئاسة الجمهورية، وبذلك كان منصور حسن خامس، وزير يجمع الوزارتين بعد كل من حاتم والسباعي والعطيفي والصاوي ويعد آخر من جمع بين هاتين الوزارتين. وعاد الانفصال مرة اخرى مع تولى محمد عبد الحميد رضوان الوزارة؛ ليكون وزيرا للثقافة فقط فى عام 1981، ثم خلفه الدكتور أحمد هيكل لمدة عامين . وبعد تنقلات بين الوزارات مثل لاجىء لا يعرف الى أى بلد يحط رحاله جاء فاروق حسنى في أكتوبر 1987، ليتولى منصب وزير للثقافة ليكون صاحب أطول مدة في تولى هذا المنصب حتى يناير 2011. وظن كثيرون أنه بقيام ثورة 25 يناير قد تشهد وزارة الثقافة المصرية صعودًا فى اسهمها كون أن الشباب، وهم من قاموا بالثورة أكثر من يؤمنون بوجود ثقافة عكس الانظمة السابقة التى همشتها كثيرا. ولكن ما حدث كان محزنا، إذ سجلت وزارة الثقافة رقما قياسيا فى عدد وزرائها المستقيلين لأسباب كلها متباينة، ولا يوجد سبب محدد فى كل الحالات بداية من استقالة الدكتور جابر عصفور عن المنصب فى يناير من عام 2011 ومرورا بمحمد عبد المنعم الصاوى وعماد أبو غازى وشاكر عبدالحميد وكل هؤلاء فى عام واحد تقريبا.. وحتى تولى الدكتور محمد صابر عرب المسؤلية فى وزارة الدكتور كمال الجنزورى إلا أنه لم يلبث أن تقدم باستقالته، وقرر الجنزورى تعيين وزير الآثار الدكتور محمد ابراهيم للإشراف عليها لتعود مرة أخرى الى حضن وزارة كانت تابعة لها. ومع تولى الدكتور هشام قنديل الحكومة، أعاد الدكتور صابر عرب مرة أخرى، ليتولى الثقافة فى ظروف صعبة.. حاول جاهدا أن يتحدى الظروف المحيطة، فاهتم بالمهرجانات السينمائية وحضر افتتاح معظمها؛ ليؤكد دعمه للثقافة والفنون لكنه استقال لشعوره كما يقال بالتعبيرات القضائية ل"شعوره بالحرج".