مع ختامنا الأخير؛ حينما تمت الإشارة للأخلاق؛ وسألنا هل الأخلاق تتطور؛ تأتي الإجابة حاسمة؛ بأنها تضحى شامخة شموخ الزمن؛ فربنا جل في علاه؛ قال لنبيه الكريم؛ وإنك لعلي خلق عظيم؛ وكان ذلك منذ أكثر من 14 قرنًا من الزمان. حديث الأخلاق والقيم؛ حديث قديم يتجدد بين الفينة والأخرى؛ لاسيما عند ظهور بعض الظواهر الغريبة على مجتمعنا؛ يعاود حديث الأخلاق الظهور؛ وتظهر المقالات التي تُذكر بأخلاق الماضي الجميل؛ وكأن الحاضر بات سيئا؛ ولا أمل في علاجه! عزيزي القارئ تخيل لو وٌلد طفل لأسرة أجنبية في بلد يتحدث العربية؛ ماذا سينطق العربية أم لغة بلده؛ من المؤكد أنها العربية؛ لأنه سيسمعها مرارًا وتكرارًا؛ وهكذا أيضًا من يٌولد من أبناء العرب في دول أجنبية؛ سيكبٌر متعلمًا لغة ذلك البلد. وكذلك ستنمو مداركه على التشبع بالبيئة المحيطة به؛ وكلما كانت جيدة كانت استفادته بنفس الجودة؛ بمعنى أن الإنسان يؤثر ويتأثر بالبيئة المحيطة؛ ولنا في بلدنا الجميل العبرة. فالبيئة الصعيدية لها من العادات والتقاليد الراسخة عبر سنين طويلة ما جعلها بمثابة العرف؛ وكذلك الحال في الريف والمناطق الساحلية والحضرية.. إلخ. إلا أن التليفزيون بشاشته الساحرة؛ ونجومه المحببين للنفس؛ خلق رابطًا ما بين المشاهد بكل أطيافه الثقافية والاجتماعية وما بين الشاشة الساحرة تلك؛ حتى سعى غالبية الناس لاقتناء التليفزيون؛ ورويدًا رويدًا؛ أمسى في كل البيوت؛ تستقي منه الناس الأخبار والمعلومات؛ وأيضًا تشاهد ما يقدمه من برامج ودراما. ونحن نعي ما حدث من أزمات أدت إلى انهيار تلك المنظومة الجميلة؛ ولا أبالغ إن قلت إن انهيارها كان أحد أسباب انهيار منظومة الأخلاق في المجتمع؛ لأن بانهيارها؛ فٌقدت معايير وتبدلت أحوال كثير؛ كشف عن سوءات مؤلمة لواقع ما كنا نتمنى أن نعيشه؛ حوادث اغتصاب وتحرش وتنمر.. إلخ. أضف إلى ذلك اختفاء دور الثقافة وما تمثله تلك المنظومة الراقية في بلدنا؛ سببًا إضافيًا؛ من خلال ابتعاد وزارة الثقافة بمؤسساتها عن المجتمع؛ ولو سألت أحدًا من العامة ما تعرف عن وزارة الثقافة وما قدمته لمصر في العقد الأخير؛ لن يستطيع تقديم إجابة. وبناء عليه لو أردنا استعادة قيم وعادات الزمن الجميل؛ وعودة قامة الكبير مرة أخرى؛ لابد من عودة اتحاد الإذاعة والتليفزيون لسابق عهده مرة ثانية؛ خاصة أنه يملك كل مقومات العودة ليحتل مكانته؛ إنما حديث النفقات والمديونيات؛ فمردود عليه بأمر بسيط. لو وجد الدعم اللائق؛ والمقصود هنا بالدعم المعنوي؛ سينطلق مرة أخرى؛ ويصبح قبلة المشاهد؛ فتحقق أرباحًا نتيجة إعلانات مأمول تحقيقها؛ فتنتهي الديون ويبدأ في تغطية نفقاته؛ وتكفي لجنته المسئولة عن قراءة النصوص الدرامية وإجازتها، وكذلك إجازة الأعمال؛ قبل العرض؛ حرصًا على المواطن ومن ثم الوطن. وهكذا الحال لكل وسائل الإعلام القومية؛ التي نشأت بغرض التوعية وليس الربح؛ فنجاحها في بناء الشخصية المصرية وتنمية قدراتها الفكرية؛ ونشر الوعي وتعضيد لحمة الشعب المصري؛ يمكن مصر من تحقيق أرباح ضخمة في المستقبل القريب؛ والعكس يعني العكس أيضًا. ويجب أن يوازي ذلك وجود خطة تعمل عليها وزارة الثقافة بكل قطاعاتها؛ وبكل الفنون من مسرح وسينما.. إلخ تنشر فنونًا راقية مخاطبة عقول المصريين برشاقة وحرفية مفقودة؛ تعلمهم اللغة الجميلة واللباقة والرشاقة في الحوار؛ كما تحض على استعادة كل قيمنا النبيلة. أما غير ذلك فهو حرث في الماء؛ جهد مضنٍ بلا عائد؛ كما الضجيج الذي لا يٌخرج طحين؛ والله من وراء القصد. وكل عام ومصرنا الحبيبة بكل خير وسعادة