مجددًا تذكرنا الأزمات المناخية والأوبئة العالمية بحقيقة ممارساتنا البيئية والصحية الهشة، وأسلوب الحياة التي نعيشها وسلوكياتنا واستخدامنا للموارد الطبيعية.. مرة أخري تعيد علينا وتنبهنا، هذه الأزمات، بأخطائنا، وخطايانا في استخدامنا غير السوي للموارد والطبيعة.. في الماضي كانت العديد من الأوبئة تنتشر نتيجة لممارسات الإنسان الخاطئة في حق الطبيعة، واليوم تأتي الجائحة "Covid-19" لتعيد علينا الدرس مرة أخرى، وترفع درجات التحذير من انحراف مسلكنا نحو الطبيعة ومفرداتها لترفع درجة الخطر بما يتناسب مع حجم المخاطر المتنامية للجائحة الحالية.. يبدو أنه جاء وقت الحساب، بعد أن تجاوزنا حدود الأدب مع كوكب الأرض الذي ظلت المجتمعات داخله على مدى عشرة آلاف سنة ماضية، تعيش في سلام.. فقد كشف أحدث تقرير دولي حول "التقييم العالمي للتنوع البيولوجي وخدمات النظم الأيكولوجي - "IPBES، عن تعرض مليون نوع من الحيوانات والنباتات لمخاطرالانقراض، من بين 8.9 مليون نوع مسجل ومعلوم بواقع 12.2%، وأن النشاط البشري يتسبب بنسبة 99٪ في تعرض الحيوانات للانقراض، بسبب استغلال الإنسان الجهول للبيئة الطبيعية واعتدائه على نطاقات الأراضي المتنامية المعنية بالحيوان في الزراعة والصناعة.. وهناك مخاطر مباشرة ستواجه ساكني كوكب الأرض بسبب إهمال التنوع البيولوجي، أهمها النقص الحاد في الغذاء والمياه والطاقة.. وربط، التقرير، الذي أعده المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي والنظم الأيكولوجية، وهي لجنة تابعة للأمم المتحدة صدر في خريف 2020، بوضوح بين أزمة التنوع البيولوجي وبين أزمة التغيرات المناخية، وبينهما جائحة "Covid - 19" من خلال اسلوب وطرق استخدامنا للأرض وأهمها استخداماتنا السلبية في الزراعة وكثافة منتجاتها، والتجارة غير المستدامة، وتعطيل النمو الفطري للأحياء الطبيعية عبر الإنتاج الجائر والاستهلاك الشره، إضافة إلى زيادة الاتصال بين الحياة البرية والماشية ومسببات الأمراض والبشر، وهو طريق يؤدي مباشرة إلى الأوبئة، لذلك اعتبرت المنظمة الدولية أن عام 2021 هو عام التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي. المعروف أن المنبر الحكومي يقوم بإجراء تقييمات منتظمة، في توقيتاتها المناسبة، للوصول إلى المعرفة المتعلقة بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الأيكولوجية والصلات المتبادلة بينهما على المستوى العالمي، بناء على دعوة من مؤتمر الأطراف في "اتفاقية التنوع البيولوجي - "CBD. وتتزايد أهمية التنوع البيولوجى باعتباره يحقق الحماية لكافة الكائنات على الأرض، وأن لها دورا مهما وتكامليًا في تحقيق التوازن البيئى، بمعني أن حمايتنا للحيوانات، إضافة إلى قيمة الرحمة، هي في حقيقتها حماية للطبيعة ولأنفسنا، حيث وجود هذه الحيوانات يساعدنا نحن على البقاء في بيئة متوازنة.. الجديد أن عدد الأنواع المسجلة للحيوانات والنباتات المعروفة والمسجلة، يشكل 10% من إجمالي عددها، اي أن 90% من هذه الكائنات الحيوانية والنباتية غير معروفة للبشر حتي اليوم.. ويتفق خبراء البيئة علي أن إهمال التنوع البيولوجي، واستخدام التقنيات الضارة بالبيئة، والإفراط في استهلاك الموارد الطبيعية، يشكل تهديدًا جسيمًا للتنمية المستدامة، فالتنوع يحفظ للإنسان بقاءه واستمرارية حياته على وجه الكوكب، خاصة بعد أن شهد العالم زيادة في هذا الاستهلاك المفرط خلال العقود الماضية، أدى إلى تدهور النظام البيئي، وتراجعت أسس الحياة على الأرض.. ولاشك أن الاستهلاك المفرط للموارد والتغيرات الديموجرافية، ومعهما تغير المناخ، يدفع كوكبنا إلى أقصى حدوده، حيث توقع الخبراء أن يحدث فيه تغير بيئي عالمي مفاجئ، وأننا بدأنا بالفعل في فقدان النظم البيئية والتنوع البيولوجي، ليصبح تحديًا لنا جميعًا، وخاصة للدول متدنية النمو، حيث يعتمد 1.2 مليار شخص يعيشون بها في فقر جسيم "أقل من دولار واحد في اليوم"، ومن المتوقع أن يواجه هؤلاء نقص في الغذاء والمياه النظيفة والوقود والدواء والمأوى، حيث يعتمدون على سلع وخدمات النظام الأيكولوجي في كسب عيشهم وكفافهم، ومن المقدر أن يعاني هؤلاء من التغيرات الكارثية المحتملة على النظم البيئية خلال العقود القادمة، وفي النهاية ستعاني كل المجتمعات، الغنية بشكل غير مباشر، والفقيرة بشكل مباشر، بسبب الاختلالات البيئية والمناخية.. في النهاية، كيف نحمي حياة البشر من الجائحة، مثل جائحة "كورونا"، وقبلها "إيبولا" وهي الأمراض الحيوانية المنشأ، والتي تظهر عندما يقتحم الإنسان النظم البيئية البكر، وتواجهه فيروسات، لم يعتد عليها جهازه المناعي.. كيف نقلل من مخاطر اندلاع أية جائحة متوقعة مستقبلا.. التأسيس للوقاية من هذه المخاطر المحتملة مستقبلا، يستدعي الحفاظ على الأنظمة البيئية وتنوع الحياة البرية، إضافة إلى تعميم وتشبيك التنوع البيولوجي في التنمية، وتنشيط وتعزيز إمكانات المناطق المحمية والتوسع في إنشائها، وإدارة نشطة لآثار تغير المناخ، وهذا يساعد الدول والحكومات والمجتمع المدني على تحديد خارطة للتنمية البيئية المستدامة.. [email protected]