في فن التمثيل ليس مهمًا أن تكون ممثلًا طول الوقت، بل أن تكون نجمًا طول الوقت، هي ليست لغزًا، بل قد يقفز اسم الفنان إلى القمة بعمل يأتي بعد غياب لسنوات طويلة، كما حدث منذ أيام وأكدت التجارب أن نجمًا بمكانة "أنتوني هوبكينز" يحصل على أفضل ممثل عن دوره في فيلم "الأب" وهو في عمر 83 عامًا في الدورة ال93 للأوسكار، وهي المرة الثانية التي ينالها، أو يجتمع ثلاثة من ألمع نجوم العالم في فيلم واحد وهم "آل باتشينو، وروبيرت دي نيرو، وجو بيتش" وهو "الأيرلندي" دون النظر لأي حسابات غير إنهم يمثلون فليمًا مع صديقهم المخرج مارتن سكورسيزي. قد تكون هذه السطور مقدمة لكلام عن موهبة طالما انتظرنا عودتها بقوة، وهي منى زكي نجمة في مسلسل "لعبة نيوتن"، حيث إنها ظلت لسنوات تبحث عن عمل بمواصفات مختلفة، وكلما راهنت عليه تخسر رهانها، حتى عثرت على فكرة هذا العمل مع منتج هو محمد سعدي، ومخرج بمكانة وموهبة تامر محسن، وفريق عمل سبق أن تعاونت مع بعضهم. فقالت العبارة التي لم تخبئ مشاعرها نحو التجربة "إنه طوق النجاة"، عبارة تؤكد كم إن هذه الممثلة ملت الانتظار إلى صفحة أخرى تسجل فيها رقمًا جديدًا وهي سعيدة به، ليس رقمًا مشابهًا لمعظم الأرقام التي سجلتها خلال السنوات الماضية، فمنذ أن قدمت مسلسل "أفراح القبة" للتليفزيون وقبله "اضحك الصورة تطلع حلوة" للسينما، وهي تنتظر"طوق النجاة"، فببساطة هي لا تنتظر عملًا مكتوبًا من أجلها، ولا نصًا تكون هي النجمة من الألف إلى الياء، فرواية نجيب محفوظ "أفراح القبة" الشخصية التي مثلتها منى زكي "تحية عبده" مجرد سطور في أصل الرواية، لكن طلتها كانت هي الأكثر تميزًا بعد أن قدمتها نشوى زايد في سيناريو بديع. في مسلسل "لعبة نيوتن" الذي كتب فكرته وأخرجه تامر محسن، وهو عن ورشة كتابة، روعة العمل ليست فقط في الخطين المتوازيين اللذين نجح المخرج في أن يجعل منهما مثل قضبان قطار يسير في اتجاه واحد، بل في شاعرية كل الشخصيات، وملء فراغات من الصعب أن نعثر عليها في عمل درامي هذا العام. فما بين مشاهد منى زكي ومحمد فراج في أمريكا، وبين محمد ممدوح وسيد رجب، وعائشة بن أحمد في القاهرة، تشعر وكأنك مضطر أن ترى الآخر ماذا يفعل، ما هي ردود أفعال تصرفات "هنا" التي تمثلها منى زكي عندما يعلم زوجها الذي تعتقد أنه طلقها محمد ممدوح في القاهرة، كل خط مرتبط بآخر دون خلل في ردود الأفعال، فالمشاهد المتتالية والسريعة، تعبر عن المعنى الذي أتى في العنوان "لعبة نيوتن". وبخاصة في القانون الثالث للحركة "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار.. ومضاد له في الاتجاه" تلك هي القاعة الفيزيائية التي بنى عليها تامر محسن مسلسله، وبدون فذلكة، أو الدخول بنا في لغة درامية غير مفهومة، بل كان حريصًا على دقة التفاسير، سواء في الأمور الفنية، أو الفقهية الخاصة بالطلاق والزواج، المبررات تفرض نفسها، قبل أن يسأل المشاهد هو يجيب، وهنا نحن أمام مخرج شاطر يهرب من التساؤلات التي قد تفسد عليه سير العمل. "هنا" هي أصعب شخصية قدمتها منى زكي في تاريخها الفني، هي الطاقة الكامنة التي فجرتها في عمل طالما تمنت أن تجده، وكما يقال إن الممثل الموهوب يساعد غيره في أن يبدع، هي كانت الفعل ورد الفعل لممثل موهوب أيضًا هو محمد فراج، وإن كان الخط الثاني هو الأضعف وهو خط رد الفعل والذي يقدم في الاتجاه الثاني محمد ممدوح، لكنه لا يمكن أن يكون مساويًا في ردود الأفعال بحكم قوة وضخامة مشكلة "هنا". أما حكاية استخلاص العسل من زهرة الخشخاش، فهي فكرة قد يكون المخرج وكاتب المسلسل أراد أن يبهرنا بمعلومة جديدة عن هذا النوع من العسل المر، لكنها أفادت السرد وعززت من ثراء شخصية محمد ممدوح ومبررات علاقة سيد رجب بعائشة بن أحمد، وقد أضافت المؤثرات، والموسيقى التصويرية المعبرة لتامر كروان، والمنتج وهو مهم جدًا في عمل كهذا ويحسب لفريق عمل متكامل إنجي فتحي، نسرين طلعت، وعماد ماهر، ووائل فرج أضافت الكثير لعمل أعاد ممثلة موهوبة للطريق الصحيح، موهبة تمثل بمازورة، كل مشهد محسوب، كل مشاعر في مكانها، حتى المبالغات في التعبيرات تفرضها الحالة التي يضعها فيها الفعل، أو رد الفعل. [email protected]