نستيقظ ونغفو على أصوات هواتفنا؛ تلك هي حقيقة العصر الحالي الذي يشهد طفرة كبيرة في صناعة المحتوى الرقمي، فرغمًا عنا أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي نوافذنا على الحياة بمختلف جوانبها، لذا فكر مجموعة من المبدعين في إطلاق صفحة لتقديم محتوى يمزج بين المعلومة والفن والترفيه في آنٍ واحدٍ.. أطلقوا عليها "البلاتفورم". اختيار توقيت الإعلان عن الصفحة، لم يكن عبثًا، فقد اختار القائمون على "البلاتفورم" نهاية عام 2019 لنشر أول فيديو خاص بهم تحت عنوان "ملخص للعام" وكأنهم يعلنون أن العام الجديد سيكون طفرة في عالم المحتوي الرقمي. بعد أيامٍ قليلةٍ من الانطلاق، بدأ يتردد اسم "البلاتفورم" بين روادِ مواقع التواصل الاجتماعي، كونها صفحة تعرض فيديوهات تقدم معلومات هامة بأسلوبٍ شيقٍ يتخلله الكوميديا والنوستالجيا لإضافتها لقطات ساخرة من الأعمال السينمائية للفيديوهات، وهذا ما جعلها أيضًا بمثابة أرشيفٍ فنيٍ يضم أشهر المشاهد في تاريخ السينما المصرية والعالمية. وفي الوقت الذي تقوم فيه العديد من الصفحات بنشر محتوى لا قيمة له بل يصل إلى الابتذالِ أحيانًا، نجد بعد تصفح الفيديوهات التي تقدمها "البلاتفورم"أن لها دورا كبيرا آخر، وهو إحياء فنون التراث الشعبي في ثوبٍ رقميٍ. «أنا عندي يا ولاد الحلال حدوتة.. ولا حد قبلي نقشها في خبر ولا مخطوط»؛ بهذه الكلمات وصف الشاعر المصري الكبير فؤاد حداد "الأراجوز" وهو أحد فنون التراث الشعبي الذي يقدم قصصا لم يقصها أحد من قبل بشكلٍ ساخرٍ وكوميدي، وهذا الأسلوب يتبعه القائمون على "البلاتفورم"، وظهر هذا جليًا في فيديو بعنوان "سد النهضة ويهود الفلاشا" والذي انتشر بشكلٍ كبيرٍ على «فيس بوك». «بيانولا وألابندا وحركات».. الباينولا أو ما يُعرف ب صندوق الدنيا فن آخر من فنون التراث الشعبي، كان موجودا بالشارع المصري قديمًا، عبارة عن صندوق خشبي صغير مزين بصورٍلشخصيات شهيرة، يلتف حوله الكبار والصغار من أجل مشاهدة قصص من جميع الأزمنة والأمكنة على أنغام الموسيقى، ويتشابه هذا الفن مع محتوى"البلاتفورم" الذي يتضمن فيديوهات لقصص من أزمنةٍ ودولٍ مختلفةٍ مثل فيديوهات عودة بابلو إسكوبار، وحكم قراقوش. لم ينسَ القائمون على "البلاتفورم" استعراض صفحات من التاريخ، في عدة فيديوهات مثل حرب أكتوبر ومعركة القادسية والإسكندر الأكبر، وإذا كنت من عشاق العلوم والخيال العلمي ستجد المعلومات التي تبحث عنها في مجموعة من الفيديوهات العلمية الشيقة والتي تهدف أيضًا لتصحيح بعض الأخطاء والمفاهيم المغلوطة، مثل فيديوهات التوهم المرضي، الوسواس القهري، والسفر عبر الزمن. أما الفن التراثي الثالث الذي تقدمه "البلاتفورم" بأسلوبٍ حديثٍ، هو "فن الحكي" والذي يعد من أقدم الفنون حيث استخدمه البشر لتوثيق حياتهم وتخليد ذكرى أبطالهم عن طريق تناقل الحكايات عبر الأجيال، وتحقق ذلك في عددٍ من فيديوهات "البلاتفورم" وهي عمر المختار والنمرود، وقد يغلب على فن الحكي الطابع الأسطوري في أوقاتٍ كثيرةٍ واتبعت "البلاتفورم" ذلك النهج أيضًافي فيديوهات لعنة الفراعنة والنداهة. لم تتوقف "البلاتفورم" هنا، بل شاركت في تقديم عددٍ من البرامج الترفيهية والإنسانية منها برنامج المحطة، ويأتي ذلك في إطارِ منهج تلبية احتياجات الجمهور الذي تتبعهُ الصفحة منذ انطلاقها، حيثُ حددت طبيعة حياة الجمهور واهتماماته وبدأت في إشباعها بمحتوى ثريٍ متنوعٍ يغطي كافة المجالات. بعد مرور ما يقرب من عامٍ على انطلاق "البلاتفورم" ووصول متابعيه لأكثر من مليون و700 ألف شخص يحرصون على التفاعل مع المحتوي الذي تقدمه، الآن يمكننا القول بإنها صفحة قامت بإحياء التراث الشعبي المصري من جديد بشكلٍ يواكب طبيعة العصر ويجمع بين البعدين التراجيدي والكوميدي.