د. شيرين الملواني تكتب منذ أن تخرجت من كلية الصيدلة وانغمست بعدها فى مشاكل المهنة ومواجهة متاعبها، وسوق الدواء مكبّل بالمشاكل والمعوقات إلى أن وصلت - فى تقديرى - ذروة التعقيدات فعلياً منذ خمس سنوات؛ حيث عانى السوق المصرى من اختفاء أكثر من 400 صنف من الأصناف التى لا غنى عنها خاصة أدوية الأمراض المزمنة، وأرجع البعض هذا النقصان لأكذوبة عدم توافر المادة الخام وغلو سعرها عالمياً. على الرغم من كون منبعها دولتين فقط هما الهند والصين، وما يتم استيراده منهما كمادة خام متوافر وموحد السعر عالمياً، وتجاهل أصحاب المصالح الفساد المستشّرى فى قطاع صناعة الدواء، الذى بدأ بتراجع إنتاج شركات قطاع الأعمال وتوقف عجلة الإنتاج فيها ثِقلاً بالديون مما زاد نفوذ بعض شركات القطاع الخاص الذي تحكم منذئذ فى 90% من السوق المصرى. وتحولت الصناعة من سلعة إستراتيجية إلى استثمار احتكارى مُربح بغض النظر عن مصلحة المريض، فكان لابد من وقفة وغطاء سياسى لصناعة الدواء يتمثل فى خطوة إسقاط فوائد ديون الشركات المتعثرة لدى بنك الاستثمار القومى بأمر رئاسي ثم إنشاء هيئة مستقلة عن وزارة الصحة تتبّع رئيس مجلس الوزراء مباشرة وتكون معنية بكل مشاكل الدواء بدءاً من المادة الخام والتصنيع والتسعير والتسويق؛ فدُشنَت الهيئة المصرية للدواء فعلياً عام 2019؛ فكانت أول الغيث ووضعت بصمتها فيما يخص أصعب المشاكل ألا وهي محاربة روتين وبيروقراطية تسجيل أى مستحضر دوائى جديد دون عائق طول مدة الإجراءات التى كانت تستغرق من عام لأكثر مما تسبب فى عدم توافر أغلب الأدوية وبدائلها وتسبب فى الفجوة الاستيرادية التى وصلت إلى 70% من احتياجات السوق المصرى. كما يُحسَب للهيئة مراعاتها البُعد الأجتماعى من خلال تحريك أسعار الدواء دون أعباء على المواطن مما ضمن عدم خسارة شركات قطاع الأعمال التى كانت تبيع الدواء بأقل من سعر التكلفة؛ مما هدد إنتاجها وأجبر المواطن على شراء الأدوية المستوردة بثمن مُضاعف. ومنذ أيام جاء خبر تدشين مدينة الدواء (جيبتوفارما) فى الخانكة بالقليوبية بمساحة 120 ألف متر كأمل جديد لخلق توازن فى معادلة الإنتاج والطلب، فالمدينة تشمل خمسة خطوط إنتاج للأدوية المعقدة فضلاً عن مخازن آمنة لمخزون دواء إستراتيجى والمرحلة الأهم فى بناء تلك المدينة الصناعية هى المرحلة الثانية؛ حيث تضمن توفير أدوية الأورام التى كانت معضلة الحصول عليها ترتبط بالعملة الصعبة وتعجل بوفيات قوائم انتظار العلاج الكيماوى. ولعل الهدف الأكبر من هذا المشروع هو أن تصبح مصر مركزاً إقليمياً وعالمياً للإنتاج والتصدير. إن الحق فى الدواء لا يقل عن الحق فى رغيف الخبز وإن لم يسبقه؛ ولعل أهميته وضحت فى أزمة الكورونا الأخيرة وظهر حتمية الاستفادة من كافة الثروات الطبيعية وضرورة الاعتماد على الذات المصرية من خبراء وعلماء وأيد عاملة مُدرَبة كنواة لتصنيع دواء عالى الجودة. وفى هذا المقام وحديثنا عن مستقبل جديد لصناعة الدواء لابد أن نُشير لدور الحكومة ومجلس النواب فى الفترة القادمة فى إحداث طفرة تشريعية بتغليظ عقوبة التهريب وعقوبة غش المستحضرات الطبية وتفعيل قوانين رادعة لمصنعيها ومروجيها عبر الفضائيات ومواقع التواصل الأجتماعى؛ وبهذه الخطوات الجادة يستطيع المواطن المصرى تناول دوائه دون تشكك فى فاعليته، ودون المكوث رهن تواجده، عندئذ يقول المواطن المصرى ( شكراً ....أعطنى هذا الدواء) .