بجرأة شديدة وحس وطنى قوى اختار الفنان خالد السماحى الأسرى الإسرائيليين موضوعا لمعرضه الفنى الذى سيفتتحه بعد غد السبت تحت عنوان «أسير الخطوط» بجاليرى «كليج» بالشيخ زايد، فالفنان القدير الذى يبحث دوماً عن المضمون والمعنى فى أعماله يقدم عبر 25 لوحة مشاهد مختلفة لهؤلاء الأسرى تروى العديد من الحقائق والأحداث واللحظات العظيمة المصيرية من التاريخ المصرى. ربما يثير توقيت المعرض قدراً من الدهشة، فحين نتحدث عن معرض يتطرق إلى حكايات الأسرى الإسرائيليين فى مصر يتوقع البعض أن يكون ذلك فى شهر أكتوبر حيث النصر العظيم، فإن الفنان الدكتور خالد السماحى يرى أن الحديث عن لحظات النصر وقهر العدو لا ترتبط بشهر بعينه خلال السنة، لا سيما حين تتعرض البلاد لما تتعرض له الآن، على حد تعبيره فى حديثه ل«واحة الأهرام المسائى» وأضاف موضحا: "تمر مصر هذه الايام بتحديات ربما تفوق مخاطر الحروب الصريحة، حيث تربص قوى خارجية لنا، إلى جانب تحديات البناء وما يواجهها من أفكار داخلية هدامة علينا أن نقاومها بنفس روح النصرالعظيم، وذكاء ودهاء حربى الاستنزاف و أكتوبر، وأن نستلهم قوتنا وعزيمتنا ونجاح خططنا، فموضوع المعرض يحمل مزجاً بين العزة والكرامة والفخر والتذكير بقوتنا وقدرتنا على مواجهة أى عدو وإذلاله من دون أن نمس القيم الإنسانية الأصيلة والنبيلة التى تتمسك بها مصر وجيشها". يستطيع المتلقى أن يلمس هذه المعانى حين يتأمل لوحات المعرض المستمر حتى منتصف أبريل المقبل، حيث يقدم ملامح الهزيمة والانكسار على وجوه الأسرى فى حين تعكس بعض اللوحات المعاملة الإنسانية النابعة من إرث حضارى عظيم لدولة بحجم مصر وعقيدة جيش هو خير أجناد الأرض، ففى إحدى اللوحات نشاهد أسيرًا يجلس على كرسى متحرك ويعانى من إصابة فى رجله، فى إشارة إلى تلقيه علاجا ورعاية، يقول السماحى: «كانت مصر العظيمة تعالج الأسرى الإسرائيليين فى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، وهى مستشفى كبيرة ومهمة كما نعرف، فى حين كانت تساء معاملة الأسرى المصريين ولايتلقون أى نوع من الرعاية». وأردف: "اهتمامى بتجسيد الأسرى يأتى انطلاقا من دافع وطنى بحت، عندما وجدت من قام برسم أسرى مصر فى حرب 1967م، تساءلت لماذا لم يرسم أحد أسرى إسرائيل ويقوم بتصويرهم فى حرب 1973م. وأردف، لقد استسلم العديد منهم عند اقتحام خط بارليف، كانوا بالمئات، لم تتعامل مصر معهم مثلما تعاملوا مع أسرانا". بحث الفنان طويلا واطلع على الكثير من الأوراق والصور والأفلام التوثيقية حتى تأتى لوحاته وعددها 25 لوحة مسكونة بالصدق والسرد، بل تروى اللوحات بعض الحقائق التاريخية على سبيل المثال نجد الأسرى يرتدون «بيجامات» من الكستور بخطوط طولية، وهى ليست مصادفة، إنما كان ذلك بأوامر من الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى أراد أن يوجه رسالة للعالم ولإسرائيل عن قوة مصر وقهرها لأسطورة إسرائيل، يضيف خالد السماحى موضحا: "عندما أعادهم الزعيم أنور السادات جعلهم يرتدون البيچامات الكستور المخططة كانوا خَجِلِين من ارتدائها حتى أن بعضهم نزل من الطائرة بالملابس الداخلية، وهنا اخترت لحظة عبقرية كانوا يخجلون منها ويهربون من كاميرات التصوير وعندما سأل المراسلون الأجانب السادات لماذا ألبستهم الكستور قال: "عندنا فى الأرياف عندما نطاهر الطفل الصغير يلبس البيچاما الكستور ويلف البلد على حمار" وكان رداً ساخراً من السادات، ولكنى أعتقد أنه كان يُذَكرهم بملابس معتقلات النازية فى الحرب العالمية الثانية لأن لها نفس الخطوط . ولك أن تدرك مدى رعب الأسرى منهم عندما يتذكرون هذا الموقف وماذا نحن فاعلون بهم، ولكن مصر العظيمة تعاملت معهم بتحضر وعادوا إلى ذويهم مكللين بالكستور". استخدام الفنان بالتة ألوان واقعية بها قدر كبير من الحرية، تماهيا مع زخم الموضوع بالقيم التعبيرية والواقعية، وجاءت خطوطه وتكويناته بما تعكسه من حشد للشخوص قوية التأثير، ثرية الرموز والدلالات. إلى هذا لا تقتصر أهمية هذا المعرض على ما تحمله الأعمال من قيمة فنية و براعة الفنان خالد السماحى فى إبراز الانفعالات والمشاعر والأفكار المختلفة بريشته، لكن بجانب ذلك أيضا يمثل المعرض وثيقة فنية تؤرخ لهذه الأحداث السياسية والحربية المهمة، وتعرف الأجيال الجديدة بصفحة مضيئة من تاريخ وطنهم.