في يوم انتخاب البطريرك رقم 118، خرجت الراهبات لانتخاب البابا الجديد.. البعض منهن جاء من مسافات بعيدة من أديرة تستقر في باطن الصحراء، والبعض الآخر لم تسعفه حالته الصحية فقضين اليوم يصلين من أجل اختيار الراعي الصالح. الراهبات قطعن مسافات طويلة وأخريات قطعن مسافة قصيرة، لكن هدفن واحد وهو الوصول إلى صندوق انتخاب البطريرك الجديد.. دخلن الكاتدرائية المرقسية فى العباسية - حيث مقر الصندوق - في هدوء شديد، يهمسن للأرض في خطواتهن، يتشحن بالسواد من رأسهن وحتي قدميهن، تركن العالم ولكنهن اضطررن للعودة اليوم لانتخاب البابا الجديد. يتجمعن في صمت داخل قاعة كبار الزوار بانتظار دورهن في الانتخاب، يدخلن قاعة الانتخاب بنفس الصمت والهدوء وكأنهم لايريدن أن يشعر العالم بعودتهن الاضطرارية إلى العالم ويعتبرن عودة فى ومضة سريعة جاءت في غفلة من الزمن، وسعيدن سريعًا إلى حياتهن. أمام باب خروج الناخبين تتنظرن عدسات المصورين والقنوات الفضائية الراهبات فتومض في وجههن فلاش الكاميرات، وتتجاهل الرهبات كل هذا، مثلما تجاهلت العالم من قبل لتذهب إلي الله. تقف بعض الراهبات بجوار باب الخروج لقاعة الناخبين بانتظار إخواتهن في نفس الدير، ونقترب منهن في محاولة لمعرفة ماذا يريدن من البابا الجديد؟ فتجاوبنا إحداهن في حياء "اسألي أمنا رئيسة الدير"، تبتسم لنا الأم الراهبة رئيسة الدير وتجاوبنا "نحن راهبات لانتحدث مع وسائل الإعلام.. تركنا العالم من أجل الله وكنا نود أن نقضي اليوم في الصلاة فقط من أجل اختيار الراعي الصالح". بمجرد أن أدليت الراهبات بصوتهن ركبن السيارة التي يقودها سائق خاص، لوحت لهن وهن جالسات بالمقعد الخلفي فردن التحية، بمثلها بعد تردد وعدن مرة أخري فى طريقهم إلي عالمهن. وبالطبع لم تستطع كل الراهبات ممن لهن حق انتخاب البابا الذهاب إلى صندوق انتخابات البابا، لظروفهن الصحية، فقامت "بوابة الأهرام" بالاتصال بعدد منهن عبر الهاتف، ودار هذا الحديث مع الراهبة ترفينا مسعود أمينة الدير، حيث ردت علينا بصوت سيدة مختلط بصوت الصلوات وأجراس الكنيسة، وتخبرني قائلة إن أختها التي ترفض الحديث للإعلام، وبعد قليل من الإلحاح وافقت على شرط أن تستأذن رئيسة الدير. وبعد قليل جاءنا صوتها وهي تعتذر لي عن الحديث قائلة: "رسالتنا في الكنيسة هي الصلاة فقط وأحاديثنا هي الصلاة إلي الله، هكذا تركنا الحياة لنعيش طقوس الرهبنة المعروفة لدينا منذ القرن الرابع الميلادي". وتتابع: "لم تذهب أختي إلي الانتخاب لظروف صحية، لكننا نثق في أمهاتنا اللائى ذهبن لاختيار الراعي الصالح ونثق في جميع أبائنا، وكما قال البابا كيرلس السادس "الصلاة قادرة علي كل شئ لأنها تحرك يد الله". محاولة ثانية هاتفنا خلالها الأم مارثا جرجس وكيلة دير القديسة دميانة للراهبات في بلقاس التي ستكمل فى الشهر المقبل عامها الخامس والسبعين، وردت علينا قائلة: إنها لم تستطع الذهاب للانتخاب لظروف صحية، لكنها قضت يومها في الصلاة وتثق في جميع الآباء المرشحين من قبل أن تعرف النتيجة.