جاء قرار المستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، بإعادة دراسة مسودة الدستور التي تم الإعلان عنها في الأيام الأخيرة، بمثابة انتصار مؤقت لكل القوى الثورية المعترضة على تشكيل الجمعية التأسيسية والمنتقدة لأدائها، لحين نظر المحكمة الدستورية، بعد قرار محكمة القضاء الإداري بوقف دعاوى حل "التأسيسية"، وإحالتها للمحكمة الدستورية العليا، للفصل في مدى دستورية القانون 79 للسنة 2012. وجاء قرار الغرياني بإعادة دراسة مسودة الدستور بناء على مطالب عدد من أعضاء الجمعية، خصوصا عمرو موسي وأيمن نور، بمراجعة باب الحقوق والحريات واتهاماتهم المتعلقة بعدم تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الجديد، علاوة على ملاحظات التيار السلفي واعتراضاته على لجنه الصياغة. ولاقت اللجنة التأسيسية للدستور، منذ أن تم تشكيلها بعد قيام ثورة 25 يناير من 100 عضو والاتفاق على أن تشكل اللجنة بنسبة 50٪ من نواب البرلمان و50٪ من خارجه، لاقت اعتراضات كثيرة من القوى الثورية، والتيارات الشعبية والمدنية، لهيمنة أعضاء مجلس الشعب، الذي يشكل الإسلاميون أغلبيته، عليها، معللين أنها بذلك لا تمثل جميع طوائف الشعب المصري، أي أن الدستور الجديد سيشكل من وجهة نظر واحدة، وقامت بعض هذه الاتجاهات الثورية برفع دعاوى قضائية لحلها. وعلق حمدين صباحي على طريقة اختيار اللجنة، قائلًا: "أشعر بالأسي والغضب والاستياء من الطريقة التي تم بها اختيار اللجنة المؤسسة للدستور، لأن مصر بكل تنوعها يتم اختزالها في أغلبيه طاغية لاتجاه سياسي بعينه، وهذا مؤشر خطر ينبغي لكل المصريين أن ينتبهوا له". وأضاف أن الدستور ليس ملك أغلبية أو أقلية بل هو لكل المصريين، ولابد أن يشعر كل مصري أن له في هذا الدستور حصانات وضمانات وحقوق. ومن جانبه، شن الدكتور محمد البرادعي، وكيل مؤسسي حزب الدستور، هجومًا عنيفًا علي الأحزاب الإسلامية دون أن يسميها، بسبب تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، موضحًا أنها لجنه تأسيسية لا يرى المصريون أنفسهم فيها، وهي نهاية مرحلة انتقالية، يحاولون فيها وأد الثورة ومصادرة المستقبل. ووجه البرادعي انتقادات عنيفة، لتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، مطالبا بعدم وجوب انتظار حكم المحكمة الدستورية باحتمال العوار القانوني للتأسيسية، والبدء فورا في بناء توافق وطني لمعالجة الاستقطاب والعوار السياسي بها. وقال إن اللجنة التأسيسية غير مؤهلة ولا تمثل أطياف الشعب، ومن غير المتوقع أن يصدر عنها "منتج" توافقي يضمن الحقوق والحريات ويحقق العدالة الاجتماعية. كما أطلق حزب "الدستور" مبادرة بدعوة كل القوى والأحزاب السياسية إلى وضع معايير تشكيل جمعية تأسيسية جديدة، ومسودة جديدة لمشروع دستور يمثل كل المصريين، لبحث مدى شرعية قيام الرئيس باختيار التشكيل الثالث للجمعية التأسيسية حال إبطال تشكيلها الحالي قضائيا، ووضع استراتيجية لحملة شعبية تتفاعل من خلالها الجماهير مع هذه المبادره من أجل "دستور لكل المصريين". وكانت اللجنة التأسيسية قد انتهت من وضع مسودة الدستور الأولى، التى سيتم طرحها للرأى العام، وتضمنت المسودة الأولى 4 أبواب رئيسية، هى باب المقومات الأساسية وتضمن الإبقاء على نص المادة الثانية فى دستور 71 والنص على السيادة للشعب، وعلى كفالة الدولة لشهداء ثورة 25 يناير ومصابيها والمحاربين. وعلق عليها عمرو حمزاوي، وكيل مؤسسي حزب مصر الحرية، مؤكدًا أنه مع التقدير لأهمية الحوار الوطني حول تأسيسية الدستور، إلا أننا "نرفض هذه الدعوى، لأن الآليات غائبة"، مضيفا: "لا نريد أن ندعو لاجتماعات بدون منتج واضح، ولو كان الرئيس محمد مرسي يريد الحوار، فعليه أن يحدد أن الحوار يتمثل في إعادة تشكيل الجمعية، وهذا مطلبنا الوحيد، ونحن أمام وثيقه تصنع نظاما لا يضمن الديمقراطية، وسيعيد بناء السلطوية والاستبداد المصري". وأضاف الدكتور أحمد البرعي، نائب رئيس حزب الدستور، أن مسودة الدستور اعتدت على حرية الصحافة وحرية الإبداع، وهذه المسودة جاءت خالية تماما من الاستجابة لأهداف الثورة، وعلى رأسها العدالة الاجتماعية، فهي خالية من الحديث عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ودعا البرعي لتوافق وطني لإعادة تشكيل التأسيسية بما يضمن التوازن محذرا من استغلال الفترة التي ستكون فيها الدعوى مقامة أمام الدستورية لكي يتم الخروج بوثيقة تملي على الشعب المصري بعد الاستفتاء، ووقتها سيكون الوضع أكثر صعوبة. وقد تم تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بعد قيام ثورة 25 يناير وسقوط النظام السابق بتنحي مبارك في 11 فبراير 2011، وإصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى إدارة البلاد بعده، إعلاناً دستورياً في 13 فبراير بتعليق العمل بدستور 71، وتشكيل لجنة لإعداد تعديلات دستورية تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وكتابة دستور جديد للبلاد. ونصت هذه التعديلات على أن يقوم مجلسا الشعب والشورى المنتخبان باختيار أعضاء جمعية تأسيسية من 100 عضو لكتابة دستور جديد، في غضون ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، وتم الاتفاق على أن تشكل اللجنة بنسبة 50٪ من نواب البرلمان و50٪ من خارجه.