قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إنه من المقرر الثابت أن الدعوة إلى التعارف والحوار مبدأ دعا إليه القرآن الكريم، وأيضًا طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينةالمنورة، وكانت المدينة مجتمعًا يعج بالثقافات والأديان والعقائد والقبائل المختلفة، والمبدأ الإسلامي القرآني هو أن الاعتقاد قائم على الاختيار وعلى الحرية المطلقة في هذا الاختيار فلا إكراه في الدين، ومن ثم فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاتفاق مع جميع الأطياف الموجودة في المدينة وثيقة المدينة التاريخية التي رسخت دستوريًّا مبادئ التعاون والتعايش السلمي والاعتراف بالآخر واعتبار المدينة وطنًا واحدًا يسع جميع هذه الأطياف وتتساوى فيه الحقوق والواجبات، وتحترم فيه الخصوصية الدينية والانتماء العرقي، كما روي عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمشْطِ وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ، وَالْمَرْءُ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ، وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ مِنَ الْحَقِّ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ» رواه أبو الشيخ الأصبهاني والخطابي في العزلة." جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها اليوم السبت، أثناء فعاليات المؤتمر الدولي العام الحادي والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الذي انطلقت فعالياته اليوم ويستمر على مدار يومين تحت عنوان: "حوار الأديان والثقافات". وأضاف مفتي الجمهورية، أنه إذا نظرنا إلى تاريخ البشرية بإمعان وإلى حركة التطور والعمران الإنساني، ونظرنا كذلك إلى التطور العلمي والتنامي الحضاري، نجد أن ذلك كله كان نتاجًا جيدًا للتعارف الفكري والتبادل المعرفي بين أبناء الشعوب والثقافات المختلفة، وهو ما دعا إليه القرآن الكريم، فالمعرفة بطبيعتها تحتاج إلى عقول متواصلة ومتعاونة حتى تثمر تلك الثمرة التي تعود بالنفع العام على البشرية. ولقد رأينا في واقعنا المعاصر كيف استطاعت دول العالم عن طريق التعاون والتبادل المعرفي والعلمي أن تقلل بشكل كبير من الآثار الناجمة عن اجتياح فيروس كورونا، وهذه النتيجة التي عادت بالنفع والخير على البشرية كلها هي نتيجة حتمية بإذن الله تعالى لكل جهد مبذول في سبيل التعاون ونشر البر والخير، ولا يكون ذلك إلا بالحوار بين أبناء الأديان والثقافات والحضارات المختلفة. ولفت فضيلة مفتي الجمهورية إلى أن دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم كان لهما اهتمام كبير بهذا الملف، وبذلتا فيه العديد من الجهود من الإصدارات والبحوث العلمية، وعقدتا العديد من المؤتمرات العالمية المعروفة، والدورات التدريبية، مضيفًا: "قمنا بالعديد من الرحلات المتواصلة التي لا تنقطع إلى دول العالم، ونحن على تواصل مستمر مع جميع الهيئات الدينية والثقافية والبرلمانية والدبلوماسية على مستوى العالم، من أجل ترسيخ مبادئ الحوار المشترك بين جميع الأديان والثقافات والحضارات". وعلى المستوى المحلي قال فضيلة المفتي: إن التعاون بين دار الإفتاء ووزارة الأوقاف لا ينقطع أبدًا، والتواصل المستمر وتبادل الخبرات والأفكار وتوحيد الجهود من أجل القضاء على العنف ونشر ثقافة المحبة قائم لا ينقطع أبدًا بين دار الإفتاء ووزارة الأوقاف من أجل مصلحة الوطن ونشر ثقافة السلام في العالم كله. وأشار مفتي الجمهورية إلى أن قضية الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، أمر في غاية الأهمية، فالعالم الآن في أمسِّ الحاجة إلى نشر ثقافة الحوار والتعايش، ونبذ كل ما يدعو إلى الصدام أو العنف، من أجل دفع حركة البشرية إلى طريق الخير والحق، ومن أجل دعم كل الجهود الرامية إلى نشر ثقافة السلام والمحبة بين كافة شعوب العالم. نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى تحقيق هذه الغاية السامية التي اجتمعنا لأجلها.