حبهما لبعضهما بلا حدود، جمعا في بيتهما بين السياسة والفن. استطاعت أن تكون مرآة لزوجها أمام العالم أجمع وكانت خير سند له في مسيرته الدبلوماسية الحافلة بالعديد من المحطات المهمة، وكم كانت على قدر المسؤولية والبطولة فداءً لمصر. هو أيضًا، رغم أن السياسة كانت تأخذ جُل وقته، فإنه كان يقدر حياته الأسرية، وكان يتباهى بزوجته أمام الجميع، وقدمها كفنانة تشكيلية لها بصمة متميزة لتحظى رسومها بإعجاب الساسة ومتذوقي الفنون، وكان ومازال سندًا لها ليقف بجوارها في محنة مرضها. السفير محمد نعمان جلال المستشار السياسي لوزير الخارجية سابقًا وزوجته الفنانة التشكيلية كوثر الشريف، الحديث عن حياتهما وحبهما لبعضهما مليء بالشجون والذكريات التي تمتزج بمسيرته الحافلة بمحطات دبلوماسية مهمة ، حيث كان سفيرًا لمصر في الصينوباكستان وعضوًا بالسلك الدبلوماسي لسفارات مصر في النرويجوالهندوالأردنوالكويتوالإمارات، ومندوبا لمصر لدى جامعة الدول العربية، وقائمًا بأعمال المندوب الدائم لمصر في الأممالمتحدة. -مسيرتك مع شريكة حياتك الفنانة كوثر الشريف رحلة تمتد إلى أكثر من نصف القرن كنتما ولاتزالان سندا لبعضكما، كيف تعارفتما؟ السفير محمد: والد زوجتي كان أستاذا في كلية أصول الدين جامعة الأزهر، وكنا نلتقي في مجلس الصوفية الذي كنت أذهب إليه، في القاهرة وأسيوط، وكان لأستاذي في الأزهر في المعهد الديني بأسيوط، وكانوا يسكنون في قرية تابعة لمركز أبنوب وكانت عائلتهم من الأشراف، والأشراف في الريف المصري عمومًا لهم مكانة خاصة، وكان جدي لأمي من «بنى مروان» قرية تسمى المراونة، وكان يصلح بين الناس في أي مكان داخل مركز أبنوب وسار خالي على نهجه، من هنا تعرفت بوالد كوثر وكنا نلتقي في المسجد، وكانت هناك مناسبة عندهم فدعاني إلى تناول الغداء وذهبت إلى منزلهم فلم أجده، فخرجت كوثر وكانت لاتزال طالبة في الجامعة فقدمت إلىَّ الشاي فشربته وانصرفت. وقد أراد الله لنا الارتباط حيث كانت مخطوبة لقريب لها لكنها كانت لا تريد الزواج منه، وسأخبرك بسرّ من الصعب أن يبوح به أحد، فقد كنت أفكر في الزواج، وقد رأيت كوثر عَرَضًا، فلم أرها إلا خمس أو عشر دقائق، وأحد أصدقائي عرض علىَّ زيارة أحد معارفه كي أرى عروسًا لديهم لأتزوجها، لكني رفضت هذه العروس لأن أهلها كانوا يجلسون معنا فلم أستطع التحدث معها لأكتشف شخصيتها، وقلت لصديقي لابد أن أجلس معها منفردًا فوافق أهلها، وكانت البنت متفوقة حيث كانت تدرس في كليةالطب، لكن دراستها للطب وقفت حائلًا دون إتمام الزواج، حيث كنت أعمل في السلك الدبلوماسي، فما الحل لو سافرت إلى إحدى الدول الأفريقية التى ليس فيها كلية للطب، أين ستكمل دراستها؟ وكنت وقتها قد التحقت بالسلك الدبلوماسى بعد تخرُّجى فى الجامعة عام 1965 بمرتبة الشرف الأولى، وكنت الثالث على الدفعة، ورغم أن البنت أخبرتني بأنها ستكلم خالها الذى كان يتولى منصبًا كبيرًا في الدولة بأن يتدخل لنسافر إلى إحدى الدول المتقدمة إذا تزوجنا لكنى رفضت. وذات مرة رأيت في منامي رؤيا لفتاة داخل بطاقتى الشخصية وإذا بهذه الفتاة هي كوثر، وكانت تدرس في كلية التربية وعُيّنت مُدَرِّسة للتاريخ فترة، ونحن فى النرويج زارنا وفد من وزارة التربية والتعليم ولما وجدوها تتحدث الإنجليزية بطلاقة طلبوا منها التدريس فوافقت. * الفنانة التشكيلية كوثر الشريف: كيف استطعت كزوجة التأقلم مع البيئات المختلفة عند انتقالكما من بلد إلى آخر؟ -كوثر: أول بلد زرناه الأردن، وكنا نسكن في بيت أمام السفارة يملكه أردنيون وكانوا يسكنون معنا فى المنزل نفسه، ثم جاءت أحداث أيلول الأسود وتعرضت البيوت إلى القصف وقصفت شقتنا بالرصاص.. السفير محمد: كوثر كانت فى منتهى الذوق، فكانت تقيم الحفلات وتستقبل الضيوف، وتجيد الطبخ، وقبل أن نغادر الأردن حملت فى أول طفل وأنجبت ولدًا، ثم أنجبت ابننا الثاني، وحدث بعد ذلك أن قطع الرئيس السادات العلاقات مع الأردن، فعدنا إلى القاهرة، ثم طلبوا منى السفر إلى الكويت. كوثر: عشت وقتها مع والدي والأولاد حوالى ستة أشهر، سافر فيها زوجي إلى الكويت لكنه لم يكن مستقرًا، إلى أن ابتعث ضمن السلك الدبلوماسي إلى الإمارات لتفتتح مصر سفارتها هناك، واصطحبني زوجي معه إلى هناك وكنا وقتها قبل حرب أكتوبر 1973، ومن ذكرياتي الجميلة هناك لقائي وحرم السفير المصري آنذاك بقرينة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم الإمارات. السفير محمد: كانت هذه الفترة محطة مهمة في حياتنا، بعدما اصطحبت زوجتي معي إلى الإمارات لنفتتح السفارة المصرية هناك، والشيخ زايد كان يحب مصر والمصريين فأعطى السفير وأعضاء السفارة سكنًا، وكان ذلك في عام 1972 وقت استعداد مصر لحرب العزة والكرامة، وكانت أول نصيحة من السفير: لا تتمسك بالروتين وإذا تعرضت إلى شىء فسأدافع عنك، فاصطحبت زوجتى وابنينا إلى الإمارات، ومكثنا فيها عشرة شهور، وزارت زوجتى وحرم السفير حرم الشيخ زايد، ولم تكن الإمارات قد تقدمت كالآن. زوجة الدبلوماسي يقع عليها عبء تربية الأبناء بالإضافة إلى تأقملها مع الثقافات الأخرى، كيف قمت بهذا الدور؟ كوثر: زوجي يشهد لي، أعتقد أنني قمت بهذا الدور على أكمل وجه، فالدبلوماسى بصفة عامة لا بد أن يكون كريمًا. السفير محمد: عندما بدأت العمل في الأردن كان السفير المصرى هناك وقتها موجودًا من أيام الملكية، فاستقبلنا هو وزوجته وتبنانا، وكلما أقام حفلا كان يدعو أحد أبناء السفارة وزوجته، وكل واحد مع أعضاء القسم الذى يعمل به لتسهيل العمل وهكذا، وكذلك الحال فى النرويج أيضا، حيث تبنانا السفير فكان يأخذنا معه للتنزه والفسحة، وكان فى منتهى الذكاء والهدوء، حيث رأى أزمة مصر واحتياجها إلى تطوير السياحة، فقابل رئيس وزراء النرويج وقتها وكان من حزب العمال، ونصحه بأن يعطى مصر 200 مليون دولار في صورة سفن ولنشات بحرية لقناة السويس والإسكندرية ومركبين سياحيين كمنحة لمصر نقوم بتشغيلها لتعالج الكساد الذى تعاني منه النرويج فى الترسانات البحرية، وبذلك يكون قد وفر فرص عمل ستكون سببا في زيادة شعبيته وإعادة انتخابه مرة أخرى، وقد كان، وكان ذلك عام 1976. أما سفير الإمارات فكانت نصيحته لى مساعدة المصريين على البقاء والاستمرار هناك، لأننا إن لم نساعدهم فسيعودوا إلى مصر، لأننا كنا نعانى من الأزمات فى جميع النواحى، فوجود المصريين فى الخارج يسهم فى حل هذه الأزمات بما يجلبونه من دخل يعد من مصادر الدخل القومي، وقد تعلمت من السفراء جميعهم الذين عملت معهم. -وكيف تواءمتِ مع المحطات الخارجية لزوجك والبيئات المختلفة فى اختلاف العادات والطباع؟ - كوثر: بحكم عمل زوجي، فإن الدبلوماسي محكوم بمجموعة من المبادئ توجب عليه التواصل والتفاعل مع المجتمع، فكنا نستقبل الضيوف، وكنت أطبخ وأعد الطعام والمائدة لزوجي وضيوفه. السفير محمد: ثم ذهبنا إلى الهند ورغم غضبى من بطرس غالي وقتها لأنه رشحنى إليها حيث كان وزير الخارجية، لكنه أقنعنى بأن الهند حضارة عظيمة وأننى سأنخرط داخل المجتمع الهندى وسألقى محاضرات وأحضر ندوات وقد كان، وزرت أماكن كثيرة منها أماكن حرق الموتى وآثار والتراث أنا وكوثر وزرنا معبد السيخ، وقد زارنا الراحل الدكتور عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية الأسبق وزوجته، وكان وقتها عمرو موسى، سفير مصر فى نيودلهى وكان د. عبدالمجيد بالمعاش وقدمنا لهما واجب الضيافة ولم نتركهما، وبعد عودته من الهند عُيِّنَ وزيرا للخارجية فطلبنى للعمل معه فى مكتبه، ولما جاء موعد سفرى نقلت إلى نيويورك نائبا لمندوب البعثة، ثم عدت إلى مصر مندوبا لمصر لدى جامعة الدول العربية، وكان د.عصمت عبدالمجيد أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية، وأمضيت عامين ونصف العام أصبحت بعدها سفيرا لمصر فى باكستان. السفير محمد: قبل ذلك كنت قد أقمت علاقات طيبة مع رئيسة الوزراء بى نظير بوتو، ونقلت إليها رسالة من الرئيس الراحل مبارك يطلب منها تسليم بعض الإرهابيين الموجودين هناك ووافقت، وأرسلت مصر طائرة خاصة وحقق معهم وزير الداخلية فى مكتبه مع فريق تحقيق من وزارة العدل، بعد ذلك ضربوا مقر السفارة المصرية فى باكستان، وكتب الله لنا النجاة. كوثر: كنت أشترى أشياء لتجهيز طعام عشاء لوزير العدل الباكستانى بمناسبة زيارته إلى مصر حسبما أخبرني زوجي، وأثناء وجودي في السوق سمعت صوت انفجارات فعدت مسرعة لأجد مبنى السفارة محطما ولولا عناية الله لكان زوجي ضمن القتلى، وجمعت أعضاء السفارة جميعهم وجعلتهم يتصلون بأهليهم ليطمئنوهم. السفير محمد: ثم كان دوري بعد ذلك في الاطمئنان على الجرحى والمصابين، ومن توفوا أرسل إليهم الرئيس مبارك طائرة خاصة نقلتهم إلى القاهرة. وبعد أن أعدنا بناء السفارة أقمنا حفلا كبيرا لافتتاحها، وكانت كوثر تشرف عليه بالكامل، ثم غادرنا إلى القاهرة في إجازة لأجد الوزير عمرو موسى يخبرنى بنقلى من باكستان إلى الصين، وكنت قد حصلت على الماچستير والدكتوراه عن الصين، وكنت كلما طلبت نقلى إليها أرسلونى إلى دولة أخرى، حتى نقلونى إليها، وبعد انتهاء المدة عدت إلى القاهرة مساعدا لوزير الخارجية للتخطيط السياسي، وكان الراحل أحمد ماهر قد عُيِّنَ وزيرًا للخارجية. - سألت الفنانة كوثر الشريف: كيف بدأت علاقتك بالفن التشكيلي؟ فى باكستان بدأت الرسم، لأكتشف نفسي وأنطلق فى الفن، وأقمت معارض فى كراتشى وغيرها من المدن، ومعرضًا فى متحف الفن الباكستانى، وأهديتهم بعض اللوحات. وعندما سافرت مع زوجي إلى الصين واصلت طريق الفن ورسمت طريق الحرير وغيرها من اللوحات، وأقاموا لي أول معرض بعد سفرنا بسنتين وكان فى الميدان السماوى الميدان الرئيسى فى بكين، وأهديت لوحة إلى المتحف، فأنا لا أبيع لوحاتي. - سألت الفنانة كوثر الشريف: حصلت على شهادة وشعلة من الأوليمبياد حدثينا عنهما؟ فى هذه الفترة عاد زوجي إلى القاهرة، وكنا فى هذا الوقت فى البحرين، وكان هذا عام 2008، فقال السفير الصيني فى البحرين لزوجي إن الأوليمبياد تقيم معرضين للفن التشكيلي وزوجتك فنانة، وسيرسلون إليها دعوة للاشتراك في المعرضين، وبالفعل اشتركت وأعطوني جائزة قبل الأوليمبياد، وعند الأوليمبياد أعطوني الشعلة، واللوحات التى اشتركت بها في المعرض أعادوها إلينا عن طريق السفارة، فأهديناها إلى السفير الصيني فى البحرين ليعلقها على جدران السفارة ردا للجميل، وطلب شهادة مني بأنني متبرعة بها حتى يمكنه الدخول بها إلى الصين وأعطيناه الشهادة، وبعد سنتين جاءتني دعوة تلقائيا لبينالى بكين وحضر الافتتاح سفير مصر في الصين وعدد من الأصدقاء. وفى السنة الأولى فزت بالمركز الأول متفوقة على المشاركين جميعهم، وكانوا 600 مشترك، وكانت اللوحة عن طريق الحرير البحرى والسفن.