للمرة الثانية، ينجو الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، من محاكمته بالعزل، فيما تظل مكايدة نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس الشيوخ، كيدية بداخلها دون أن تحقق ما كانت تألو إليه بتأديب ترامب، الذى تغلب على كل العقبات أمامه، وخرج من كمائن المحاكمة على يد معارضى سياساته. ترامب، الذى يعتبر أول رئيس فى تاريخ الولاياتالمتحدة، تجرى محاكمته فى الكونجرس مرتين، رحب بفشل مساعى الديمقراطيين لإدانته بتهمة التمرد والتحريض على اقتحام الكونجرس أثناء المصادقة على فوز الرئيس الحالى جو بايدن، فى السادس من يناير الماضى، وهى الحادثة التى خلفت فوضى عارمة. إعلان ترامب بأن “حركتنا التاريخية والوطنية والجميلة لجعل الولاياتالمتحدة عظيمة مجددا قد بدأت لتوها”، تحمل فى بواطنها بأنه من المقرر أن يرشح نفسه فى انتخابات 2024، وأنه لا يزال مسيطراً بقوة على الحزب الجمهورى، وأضاف "فى الأشهر المقبلة لدى الكثير لأتشاركه معكم، وأنا أتطلع لمواصلة رحلتنا الرائعة معا لتحقيق العظمة الأمريكية لشعبنا بأجمعه". لكن هل أبرزت نتائج تلك المحاكمة هشاشة النظام السياسى الأمريكى الذى يظهر حالة فريدة من الاستقرار السياسى والدستورى، والبعد عن الهزات والاضطرابات التى يشهدها الكثير من دول العالم وتعصف بأنظمتها السياسية، وتؤدى فى أحيان كثيرة إلى الإطاحة برؤسائها فى أثناء مأمورياتهم الدستورية؟ هذا بات التساؤل الأكثر تداولًا أخيرا. فمن جورج واشنطن، أول رئيس أمريكى (1789-1797)، إلى (الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب 2017)، لم يعزل أى رئيس أمريكى من منصبه على الإطلاق، وتعرض ثلاثة رؤساء فقط من أصل 45 رئيسا لإجراءات عزل فشلت فى حالتين، ولم تصل نهاية المسار فى الحالة الثالثة. وبرغم أن محاولات عزل الرؤساء عبر الطرق الدستورية، فشلت فى الحالات الثلاث، فقد تمت الإطاحة برؤساء أمريكيين آخرين بطرق غير دستورية، حيث شهدت البلاد عبر تاريخها السياسى اغتيال أربعة رؤساء، فضلا عن عدد كبير من محاولات الاغتيال الفاشلة. وقد تعرض ثلاثة رؤساء أمريكيين (ديمقراطيان وجمهوري) لمحاولات عزل من مناصبهم لأسباب ومبررات مختلفة، وهؤلاء الرؤساء هم: أندرو جونسون، وريتشاد نيكسون، بيل كلنتون. ورأى الكاتب الصحفى الأمريكى فريد زكريا فى مقال له بصحيفة “واشنطن بوست” أن ترامب دفع الحزب الجمهورى إلى نقطة الانهيار، وحاول خلاله استشراف مآلات الأحداث التى تشهدها الولاياتالمتحدة، كما أن ترامب تصرف كما وعد، فقد طعن فى نتيجة الانتخابات، ورفض الالتزام بالتداول السلمى للسلطة، وشجّع التطرف بل حتى العنف، لكن اللافت للنظر كان سلوك الجمهوريين، فحتى بعد الهجوم على الكونجرس، لم يصوّت من أعضاء الحزب الجمهورى فى مجلس النواب لعزل ترامب سوى 10 أعضاء فقط. وحتى بعد ساعات قليلة من اقتحام أنصار ترامب للكونجرس، والكلام للكاتب، صوتت غالبية الجمهوريين فى مجلس النواب، بمن فيهم زعيمهم، كيفين مكارثى، بما يتماشى مع مطالب الغوغاء، فى محاولة لإلغاء انتخابات شرعية والإطاحة بحكومة منتخبة. وكان السيناتور جراهام، المعروف بقربه ودعمه الواسع للرئيس ترامب، قد دافع عن تصديق أعضاء مجلسى الكونجرس على نتائج الانتخابات الرئاسية، وقال إن “ما قمنا به هو عمل قانوني، تم التصديق على جو بايدن كرئيس، وأضاف أن إنجازات ترامب وما حققه فى فترة رئاسته مثل تأمين حدود أمريكا، وإنتاج اللقاح وتحقيق سلام فى الشرق الأوسط قد دمرها الرئيس بسبب أنصاره الذين اقتحموا الكونجرس”. وقد وضعت عملية اقتحام الكونجرس الحزب الجمهورى عند مفترق طرق لا توجد عنده اختيارات آمنة، ويعكس موقف السيناتور جراهام معضلة كبيرة تواجه الحزب الجمهورى، إذ لا يريد أن تتم محاكمة ترامب لما قد يسببه ذلك من مكاسب للديمقراطيين من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن للحزب الصمت على دور ترامب فى تحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول، وهو ما نتج عنه مقتل 5 أشخاص، وتدمير الكثير من محتويات الكونجرس. معضلة الجمهوريين وبرغم حادثة اقتحام مبنى الكونجرس، اختار 122 عضوا جمهوريا (ثلث الجمهوريين) فى مجلس النواب، و9 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين (سدس الأعضاء) التصويت لصالح رفض النتائج، نزولا عند رغبة الرئيس ترامب. وعقب حادثة اقتحام مبنى الكابيتول، أجرت جامعة كوينبيانك، استطلاعا للرأى على 1239 شخصا خلال الفترة من 7 إلى 10 يناير، اعتبر خلاله 44 % من المستطلعين أن الرئيس ترامب غير مسئول عن عملية الاقتحام، كما عبر 33 % عن رضاهم عن أدائه مهامه الرئاسية. وتعكس هذه النسب استمرار دعم أغلبية الجمهوريين للرئيس ترامب، على الرغم من كل ما شهدته الولاياتالمتحدة خلال الأيام الأخيرة، التى يراها البعض أكبر تهديد للديمقراطية الأمريكية منذ عقود طويلة. ونقلت وكالة “رويترز” عن أعضاء فى الحزب الجمهورى، أن عشرات المسئولين الجمهوريين السابقين يجرون محادثات للانشقاق وتشكيل حزب يتبنى مواقف يمين الوسط، وذلك لاعتقادهم أن الحزب عجز عن التصدى للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، ومحاولاته لتقويض الديمقراطية الأمريكية، وقالت إن أكثر من 120 جمهوريا، بينهم مسئولون فى إدارات رونالد ريجان وجورج بوش الأب والابن وفى إدارة ترامب، فضلا عن سفراء سابقين. ترامب وعودة للمشهد السياسى على الرغم من نجاة الرئيس السابق دونالد ترامب للمرة الثانية من محاكمته بالعزل، وبرغم الأدلة من الصور والفيديوهات المؤثرة التى استخدمها الادعاء فى محاكمة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب الثانية، فى مجلس الشيوخ، فإنها لم تحقق هدفها بإدانته، ومن ثم منعه من تولى أى منصب فيدرالى مستقبلاً، ومع ذلك يواجه ترامب خطراً محتملاً من نوع آخر يتمثل فى تحقيقات قانونية متزايدة بشأن سلوكه عقب انتخابات عام 2020، وأيضاً بشأن ممارساته التجارية والأخلاقية فى السنوات التى سبقت توليه المنصب الرئاسى. وقال بول سالم، رئيس معهد الشرق الأوسط بواشنطن: إن براءة الرئيس السابق ترامب للمره الثانية تعنى أن سيطرته على الحزب الجمهورى ستستمر، وأنه المرشح المرجح للحزب الجمهورى لانتخابات 2024، كما يؤكد أنه لن يكون هناك جمهوريون يستطيعون أن يتحدوه لأخذ ترشيح الحزب عام 2024. وتابع: أعتقد أنها عمليا مشكلة للحزب الجمهوري، لأن ترامب أصبح مرشحا منقوصا، حيث إن استطلاعات الرأى تعطيه تقييمات ضعيف دائما، وخسر الانتخابات، برغم أن جو بايدن كان مرشحا ضعيفا وبعد الانتخابات قاد هذه الحملة التى أدت إلى الهجوم على مجلسى النواب والشيوخ، الأمر الذى رفض من أقلية من الحزب الجمهورى وخلق شرخا بداخله. بينما وصف توفيق حميد، محلل وكاتب سياسى بواشنطن، براءة ترامب بأنها مؤشر أكيد على اتجاه ترامب، ونحو 80 مليون فرد على الأقل لدعمه فى اتجاه معين، وهو مؤشر أكيد على أن هناك اتجاها قويا لاحتمال عودة الرئيس ترامب لسدة البيت الأبيض، أو قيادة أخرى يباركها ترامب لقيادة هذا الاتجاه، مشيرًا إلى أن براءة ترامب تضعف من قوة بايدن، فقد وصلوا لمرحلة السيطرة على الميديا العالمية بدرجة عالية، وشبكات التواصل كلها ووقفت ضد ترامب، ووصلوا لدرجة من الغرور والعلو بدرجة كبيرة. وقال سام يونو، مستشار العلاقات العالمية بوزارة الخارجية الأمريكية إن كل المؤشرات تدل على أن الرئيس السابق ترامب كسب حريته، والآن يشعر بأنه أقوى رجل سياسى فى أمريكا خارج البيت الأبيض، و 75 مليون مؤازر من الأمريكان وربما يكبر الرقم بالملايين من المحافظين الجمهوريين والمستقلين، وإن دل هذا على شىء فإنه يعنى أن ترامب سيقود الحزب الجمهوريين 2022.