"يغلبك بالمال وتغلبيه بالعيال" -"الأولاد عزوة"،أمثلة كثيرة تحولت مع مرور الوقت إلى حقائق ومعتقدات والنتيجة زيادة مفزعة في السكان في ظل موارد محدودة ولعل هذه المقولات الخاطئة ترجع في بعض منها إلى ثقافات محدودة وفي مجتمعات منغلقة إذ إن بعض السيدات أنفسهن اللاتي يعتقدن أن إنجاب المزيد من الأبناء، يعد الطريقة المثلى التي تمنع الزوج من التفكير في الزواج مرة أخرى. وقد ظهرت قوة هذه المعتقدات والعادات والتقاليد، وتأثيرها في تحديد حجم الأسرة، حيث يشير تقرير "المجلس القومي للسكان" إلى أن المرأة المصرية تلد 3.5 طفل في المتوسط، وهو معدل أعلى من متوسط الإنجاب في العالم البالغ 2.5 طفل لكل امرأة، والمجتمع المصري لا يزال يعيش تحت قيد عادات وتقاليد الإنجاب الموروثة من المجتمع الزراعي قبل الحديث، من هذه الموروثات، أنه يعتقد العديد من الأفراد في الريف بصورة خاصة، أن كثرة الأولاد "عزوة"، وتنتشر بينهم الأمثال أو الأقوال المأثورة التي تشجع على إنجاب المزيد من الأولاد، بالإضافة إلى استمرار الإنجاب حتى يولد الذكر الذي يحط من مكانة الأنثى، وأن هذا الموروث يدفع الأزواج في أحيان كثيرة إلى عدم التفكير في تنظيم الأسرة، فالأم المُنجبة للذكور تستمر في الإنجاب حتى سن العجز، والمرأة المُنجبة للبنات تظل تنجب أيضا حتى يولد لها الذكر، وحتى الأم المنجبة للذكر والأنثى، تستمر في الإنجاب حتى يكون مجموع الذكور أكبر من الإناث، رحلة الإنجاب هذه ربما ترفع عدد الأبناء إلى سبعة أو أكثر. ومثل هذه المعتقدات كانت مقبولة من الجماعة المصرية، وقت أن كان النشاط الزراعي هو وسيلة الإنتاج الوحيدة، وفي الوقت الذي كان فيه الزواج الثاني أمرا عاديا وليس مستهجنا كما هو الحال الآن، لكن ما نشاهده في قطاعات كبيرة من المجتمع المصري الحديث، يؤكد أن هذه المعتقدات مازالت تمارس قوتها في الفضاء الاجتماعي، رغم أن الواقع الراهن يشير بشكل مؤكد إلى أن كثرة الإنجاب، على مستوى الأسرة - وليس الدولة- أصبح مشكلة اقتصادية واجتماعية وثقافية، تزداد كلما ارتفع عدد الأبناء وكلما تقدموا في العمر. فالأسرة كبيرة الحجم غالبا ما تعجز عن توفير الموارد الاقتصادية، ولا تتمكن من تنشئة أبنائها بصورة لائقة، ولا تستطيع بمرور الوقت تلبية الاحتياجات المتزايدة للأبناء. تواصل "بوابة الأهرام" حملة التصدي للزيادة السكانية عبر مناقشة أبعاد هذه القضية وكيفية تغيير الثقافات والموروثات الخاطئة عن كثرة الإنجاب ظاهرة اجتماعية إنسانية في البداية يقول الدكتور رفعت عبد الباسط، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، عندما نتحدث عن الزيادة السكانية هي في الواقع ظاهرة اجتماعية إنسانية موجودة في المجتمعات، ويمكن النظر إلى هذه الزيادة من منظور سلبي ومنظور إيجابي، فمن المنظور الإيجابي نجد أن هناك دولا تعدادها السكاني أضعاف عدد سكان مصر ولكن استغلت تلك الثروة البشرية ونهضت بالبلاد والاقتصاد، مشيرًا إلى خطة التنمية الشاملة التي كانت في الفترة من عام 1960 إلى 1965 هذه الخطة حققت ناتجا إيجابيا أكثر من جمهورية الصين الشعبية في هذه الوقت، ولكن نجدها اليوم إحدى أوائل الدول على كافة المستويات وكذلك الهند، وأصبحوا من دول العالم الأول والثاني في الاقتصاد والتكنولوجيا، فقد استثمرت الزيادة السكانية في التنمية البشرية والاقتصادية والعلمية وجعلت من زيادتها السكانية إلى ثروة بشرية. ثقافة مواطن وتابع: أن ثقافة المواطن المصري الموروثات الخاطئة عن العزوة والاستناد على المفاهيم الدينية التي تخدم ثقافتهم، ونجد ذلك في الفئات الفقيرة والنظر إلى كثرة الإنجاب من الناحية الاقتصادية وأن كثرة العدد في الإنجاب ستساعدهم في المستقبل على إدرار الأموال عليهم من خلال العمل في أي مجال كباعة متجولين أو التسول في الطرقات أو العمل في المنازل. مثلث التنمية ويرى الدكتور رفعت عبد الباسط، أننا نواجه بالفعل مشكلة كبيرة وقوية نعاني منها منذ عقود، لذا وجب على ضرورة تتضافر كافة أجهزة الدولة، فمثلث التنمية يكون ضلعه اليمين الأجهزة الحكومية، وضلعه اليسار قطاع الأعمال، وقاعدته منظمات المجتمع المدني، لذلك يجب أن تكون كافة الأطراف على قلب رجل واحد وهو حل تلك المشكلة من خلال التعاون المشترك ليست الحكومة وحدها بحسب ولكن كافة الأجهزة والوزارات، وتغير الثقافة السلبية إلى ثقافة إيجابية لنستطيع أن نحقق التنمية البشرية السليمة، لأن بهذه الزيادة السكانية التي تلتهم الأخضر واليابس لا نشعر بثمار التنمية، مؤكدًا أن الإنسان هو هدف هذه التنمية وهو صانعها، ولكي يستطيع، لابد أن يكون عنده غذاء جيد وتعليم شامل ويحقق مصلحة عمله ويتغلب على هذه الظاهرة حتى يمكنه أن يشعر بالجهود التي تقوم بها الحكومة والمشروعات التنموية في أي موقع. قضية شائكة ومن جانبه يرى الدكتور وائل وفاء استشاري العلاقات الإنسانية وتنمية المهارات، أن الزيادة السكانية قضية شائكة تتعلق بالرؤية المستقبلية للدولة وكيفية الاستخدام الأمثل للعامل البشري، وقد يكون هذا مفهوما داخل نسيج المجتمع أننا بحاجة إلى زيادة الإنجاب في حال ما إذا كان هناك قدرة على الاستخدام الأمثل لهذا المورد الهام، ولكن ما يحدث على أرض الواقع أن هناك العديد من الأسر- إن لم يكن غالب الأسر في المجتمع المصري- تقوم بعملية الإنجاب فقط من التفسير الخاطئ للدين أو للتباهي أمام الأقران بكثرة عدد الأولاد، مضيفًا أن عملية الإنجاب هي عملية أساسية لاستمرار الحياة، وبالتالي هي عملية مرتبطة بعملية التخطيط على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة وعلى مستوى الأمة، إذا لم يكن هناك تخطيط سليم فلابد أن تكون هناك مناشدة لهؤلاء الأفراد أن يحجموا فورًا عن فكرة الزواج فالمجتمع يحتاج إلى من يعينه لا إلى من يعيله. تغيير الثقافة والموروثات وفي السياق ذاته، توضح إيمان النشرتي عضوة المجلس القومي للمرأة فرع القاهرة، أن دورنا هو القيام بوعي السيدات خاصة أصحاب المستوى العلمي المتوسط والأقل من المتوسط عن كيفية تحديد النسل، ومحاولة توصيل فكرة تحديد النسل وفوائده وأثر السعي وراء الإنجاب دون تنظيم أو تحديد للعدد، فالراسخ في الأذهان هو ثقافة العدد والعزوة ، لافتة إلى أن دورنا هو تغير مفهوم هذه الثقافة وتوصيل ثقافة بمعناها الحقيقي العلمي والتربوي. قانون تحديد وتنظيم النسل وأشارت إلى أن مشروع قانون تنظيم وتحديد النسل المقدم بالبرلمان لطرحه، لتقنين الاتجاهات العشوائية بالمجتمع والتفكير بزيادة عدد أفراد الأسرة بالإنجاب، مؤكدة أن هناك ترتيبا للأولويات الحياة حتى لا نلقى بهؤلاء الأطفال إلى مصير مجهول ليصبحوا أطفال شوارع أو باعة جائلين أو يتحولوا لخادمات، ولكن يجب قبل التفكير في كثرة الإنجاب التي تلتهم كل شيء أن نضمن لأولادنا مستقبلا تعليميا واجتماعيا حتى يعيشوا حياة كريمة، فكثرة الإنجاب ليست فقط عبئا على الأسرة بل أيضا عبء على الدولة. إيمان النشرتي عضو المجلس القومي للمرأة فرع القاهرة