توقيت دقيق تسلمت فيه حكومة رئيس الوزراء ماريو دراجى السلطة فى إيطاليا، فبحلول 30 أبريل المقبل، يجب أن تكون إيطاليا قد وضعت خطة ملزمة حول الكيفية التى تنوى بها استخدام المساعدات الأوروبية، للتعافى الاقتصادى من تداعيات تفشى فيروس كورونا، وقدرها 209 مليارات يورو. وستكون هذه الخطة كما يقول إنريكو ليتا رئيس الوزراء الإيطالى الأسبق- أكبر فرصة لإحداث تحول فى إيطاليا، منذ خطة مارشال منتصف القرن الماضي. أضف إلى ذلك، أنه مع نهاية مارس المقبل سينتهى الحظر المفروض على تسريح العمالة، الذى كان سارى المفعول منذ عام. وتقول مجلة «دير شبيجل» الألمانية، إن النقابات العمالية تخشى من انفجار قنبلة اجتماعية إذا أطلقت الشركات المتعثرة فى جميع أنحاء البلاد موظفيها فجأة. وذلك فضلا عن مهمة توزيع اللقاح على الشعب الإيطالي، وهى المهمة الصعبة، حيث لايزال هناك بعض المشككين فى اللقاح. ولكن ما الاختلاف بين حكومة دراجى وحكومة سلفه جوزيبى كونتي؟، اختياردراجى جاء فى توقيت حرج، ليؤكد أن علاقات حكومته الدولية سترتكز على دعامتين: الانتماء الأوروبى والأطلنطي، حسبما نص فى كلمته أمام مجلس الشيوخ الإيطالي، قبيل التصويت بالثقة. بدد دراجى الذى كان محافظا للبنك المركزى الأوروبي- بخطابه الضباب الشعبوي، الذى كان يخيم على حكومة كونتي، حيث يعلو صوت حركة خمس نجوم الشعبوية وأحزاب اليمين المتطرف المعارضة، التى تظهر استطلاعات الرأى تقدمها. لكن تظل أسباب سقوط حكومة كونتى غير واضحة. فقد وصف لويجى دى مايو، وزير الخارجية والقيادى بحركة خمس نجوم، انسحاب حزب «إيطاليا الحية» بقيادة ماتيو رينزى من الحكومة، وبالتالى سقوطها ب«الأزمة التى يصعب تفسير أسبابها».وجميع السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الدولة سيرجيو ماتاريلا ورينزى أيضا يعلمون أن خوض انتخابات مبكرة الآن، سيضاعف من الأزمة الصحية والاقتصادية للبلاد، وسيعرقل حصول إيطاليا على حزمة التعافى الاقتصادى الأوروبية. لذلك اجتمع رأى غالبية الأحزاب الإيطالية، على شخصية دراجي، المصرفى المخضرم، للخروج من المأزق. فبالنسبة للحزب الديمقراطى اليساري، الذى كان مشاركا فى حكومة كونتي، اعتبر نيكولا تزينجارتى الأمين العام للحزب، أنه مع تعيين دراجى تبدأ مرحلة جديدة، مضيفا أن حزبه مستعد للدفاع عن موقف إيطاليا القوي، المؤيد لأوروبا وإعادة إطلاقه. أما حركة خمس نجوم، والتى كانت شريكا فى حكومة كونتي، فقد تصدعت داخليا بسبب اختيار حكومة تكنوقراط بقيادة دراجي، حتى إن 30 نائبا من كتلتها البرلمانية، عارضوا قرار الحركة بتأييد دراجي، وصوتوا ضد منحه الثقة، مما أدى إلى قيام قادة الحركة بطردهم منها. وكانت قيادة الحركة قد اتخذت قرارها بتأييد دراجي، بعد إجراء تصويت داخلى لنشطاء الحركة، يعرف باسم نظام «روسو». وعلى صعيد اليمين الإيطالي، مد ماتيو سالفينى زعيم حزب الرابطة اليمينى المتطرف والمناهض للاتحاد الأوروبي، يده لدراجي. وبحسب صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، فإن سالفينى شعر أنه مجبر على قبول دراجي، لأن رموز حزبه لا يتبعونه، ورواد الأعمال يرغبون فى حكومة على رأسها دراجي. ويرى رينزى الذى أطاح بحكومة كونتى أن دراجى «سياسى أكثر بكثير من جوزيبى كونتي» حسب تعبيره، وأنه الآن مطمئن بعد جلوس دراجى على مقعد القيادة. ورغم إعلان غالبية القادة السياسيين تأييدهم لدراجي، فإن طريق حكومته يظل محفوفا بالمخاطر. وبحسب مجلة «دير شبيجل» الألمانية يسعى دراجى خلال ولايته التى تمتد لعامين على الأكثر لإخراج إيطاليا من الدائرة الخلفية إلى دور قيادى مرة أخرى فى بروكسل، كما يطمح إلى تقوية الاتحاد الأوروبي، وإنشاء اتحاد مالى واستبدال مبدأ الإجماع الأوروبى فى وضع السياسات، إلى مبدأ الأغلبية البسيطة. وهو برنامج يصعب ابتلاعه بالنسبة لحركة خمس نجوم وحزب الرابطة، فعلى سبيل المثال، يشكك سالفينى فى المساعدات الأوروبية. وأعلن على الملأ أنه لا توجد هدايا لأحد، وأنه يجب ألا تتوقع بلاده الحصول على أموال مجانية من الاتحاد الأوروبي، ورفض سيطرة الاتحاد على السياسات الوطنية الإيطالية. ولا تبدو شخصية دراجى الذى ساهم فى إنقاذ اليورو، خلال الأزمة المالية عام 2012- تقبل المساومات، خاصة فى الأمور الاستراتيجية. فيصفه مصرفى لمجلة «دير شبيجل»، بأنه لا يمكن التعرف على ما يفكر به خلف وجهه، الذى يشبه ورقة البوكر. فهل سيكون الصدام مسألة وقت؟ .