المكان: أحد الميادين، الزمان: منتصف النهار، المشهد يتكرر كل يوم وفى كل ميدان يحتل فيه الباعة الجائلون الرصيف ونهر الطريق ببضائعهم.. وفى لحظات ينقلب مشهد البيع والشراء إلى مطاردات لا تتوقف بين الباعة الجائلين الذين يحاولون الإفلات بأقل قدر ممكن من الخسائر.. البضائع تتناثر فى الشارع خلال مطاردة رجال الحى للبائعين الذين يهرولون خلف العربات التى تحمل بضاعتهم ليعودوا غدا أو بعد غد لنصب السوق من جديد. ومع تكرار المشهد تظل الفكرة الأنسب لحل المشكلة هى التى طرحتها الدولة لخلق فرص عمل جديدة، مستغلين مناطق أسفل الكبارى الجديدة فى مختلف المحافظات على غرار أسفل كوبرى الميرغنى لتحقق عدة أهداف منها القضاء على ظاهرة البلطجة وعالم أسفل الكوبرى وخلق فرص عمل بشكل جمالى جذاب للشباب وتدخل مليارات الاقتصاد غير الرسمى فى فلك الاقتصاد المصري. الباعة الذين التقينا بهم أجمعوا على أنهم لا يريدون إلا بيع بضائعهم فى مناطق التجمعات حتى تظل أبواب الرزق مفتوحة أمامهم وقالوا إنهم لا يريدون مخالفة القانون أو إشغال الطريق أو محاربة أصحاب المحال فى رزقهم، وأنهم لا يريدون قطع أرزاقهم حتى لا يتحول بعضهم إلى بلطجية محتملين، وقالوا إنهم لا يريدون نقلهم إلى مناطق لا يقبل عليها الجمهور، كما حدث عندما نقل بعضهم إلى منطقة الترجمان، أو فكرة نقلهم إلى سوق بمدينة 15 مايو. هنا ظهر السؤال: ماذا لو تم استغلال أسفل الكبارى فى عمل أسواق دائمة لهم بإيجار رمزي؟.. السؤال توجهت به لبعض رؤساء الأحياء. «لن تستطيع أن تسيطر على عشوائية الباعة الجائلين إلا بالقانون» جملة قالها تيسير عبدالفتاح رئيس حى جنوبالجيزة.. وأضاف أنا أعمل هنا من 2012 قدمت كل الحلول الممكنة وغير الممكنة للباعة الجائلين هنا فى سوق الصناديلى بالجيزة والأسواق المشابهة فى البداية خصصت لهم سوقا بجوار سوق السمك بالمنيب «سوق ربيع الجيزى» وجهزنا لهم محال على أفضل حال، لكن رفضوا الذهاب إليها واستمروا فى المخالفة وإشغال الطريق فى ميدان الجيزة.. وبعد فترة اجتمعت معهم مرة أخرى وخصصت لهم أسواقا داخل الأسوار الملاصقة للبنوك فى ميدان الجيزة رغم خطورة ذلك وما كلفنا من مضاعفة التأمين إلا أنهم رفضوا ونزلوا مرة أخرى إلى قلب الميدان. ويستطرد رئيس الحي: نحن لا نكل ولا نمل من تقديم الحلول والاقتراحات للباعة، فنحن نريد أن نقنن وضعهم ونعرف مشاكلهم لكن تركيبة «البائع السريح» لا تعرف سوى البيع أمام أقدام الزبائن، ففى المنيب مثلا قام الحى بإنشاء العديد من المحال للباعة الجائلين على الترعة وفى شارع رئيسى وحيوى وتم تجهيزها لهم، إلا أنهم أجروها من الباطن ورجعوا ليفترشوا ميدان المنيب مرة أخرى. ويضيف: ومن بين الحلول الأخيرة طلبنا منهم أن يظلوا مكانهم على جانبى شارع الصناديلى ويتركوا حرم الطريق للمرور، لكنهم رفضوا واحتلوا الشارع مرة أخرى فكانت الحملات التى نزلت للتنظيم من المرافق وآخرها الحملة التى جمعت فيها 7 عربات كاملة تنفيذا لتعليمات محافظ الجيزة وحى جنوبالجيزة بالتصدى للإشغالات بيد من حديد فقد تم شن حملة مكبرة لرفع الإشغالات وإعادة الإنضباط للشارع الجيزاوى استهدفت إشغالات الباعة الجائلين والمحال التجارية المخالفة لشروط الترخيص ومرت الحملة بميدان الجيزة وتفرعاته، شارع ربيع الجيزى، شارع مراد، شارع الجامعة، شارع الأهرام وتم رفع 260 حالة إشغال متنوعة وتم إيداع ما تم رفعه فى مخازن الحى ولكن هذا لم يردهم فهم يهربون منا فى الحوارى والأزقة الجانبية وبعد مصادرة بضاعتهم يأتون بغيرها فى اليوم الثانى، وهذا المشهد لا يحدث فى الجيزة فقط بل فى كل الميادين التى تعانى من الباعة الجائلين. والسبب من خلال خبرتى أنهم يريدون أن يكون السوق العشوائى فى قلب الطريق وأمام أبواب الميكروباص بحيث ينزل الزبون ليشترى منهم مباشرة، ولا توجد دولة تقوم على العشوائية، والحل من وجهة نظرى يتلخص فى إصدار قانون ملزم مثل قانون البناء يمنع وجود الباعة فى الميادين العامة، فهذا هو الحل الوحيد الذى سينظم هذه الفئة قبل طرح تأجير أسفل الكبارى، ثم إن المتاح الآن ينحصر أسفل الدائرى ولم يطرح بعد للإيجار. تجربة جريئة جانب من مصادرات بضائع الباعة الجائلين «تجربة كبارى مصر الجديدة وكوبرى الميرغنى، تجربة رائعة وجديرة أن تكون نموذجا يتم تعميمه أسفل الكبارى الجديدة وفى كل الأقاليم بهدف خلق بيئة عمل جيدة بشكل حضارى تضاهى مثيلاتها التى شاهدتها فى لندن ودبي» كما يراها الدكتور حمدى عرفة أستاذ الادارة المحلية كلية الإدارة الجامعة الدولية للتكنولوجيا والمعلومات. والذى قال إن إجمالى عدد الأسواق العشوائية فى مصر يتخطى 3425 سوقاً عشوائيًا يعمل بها نحو 5 ملايين بائع متجول فى 27 محافظة متوسط مبيعاتهم نحو 300 جنيه يومياً للبائع الواحد بمعدل مليار ونصف المليار جنيه شهريا هذه الأسواق يصعب السيطرة عليها وإخضاعها للتنظيم لعوامل عدة، وهناك قانون لم يفعل من قبل مجلس المحافظين وهو قانون الباعة الجائلين رقم 105 لعام 2012 والذى يقضى بالحبس شهرا و500 جنيه غرامة أول مرة ثم 6 شهور و5000 جنيه عند تكرار المخالفة.. ولم يطبق هذا القانون على 1٪ من الباعة الجائلين، مما كان له العديد من الآثار الجانبية منها سرقة التيار الكهربائى والتكدس المرورى وإعاقة المارة فى مختلف الميادين، والمخرج من هذه المشكلة ويرضى جميع الأطراف هو المبادرة التى تتبناها الدولة الآن وقدمت نماذج جيدة منها أسفل كوبرى الميرغني. وكما يقول الدكتور حمدى عرفة المتخصص فى التنمية المحلية، فإن هذه المبادرة راعت البعد الحضارى من حيث التنسيق وراعت البعد الوظيفى بتخصيص مثل هذه الأسواق فى أقاليم مصر خاصة المحافظات السياحية، مما يقضى على عشوائية الباعة الجائلين، حيث ستحقق نظرية «البائع أمام محط أنظار الزبائن بدون عشوائية» بشرط أن يراعى تصميم هذه الأسواق البعد الحضارى لكل محافظة وكذلك يراعى تصميم أسواق أسفل الكبارى حرم المكان، فيتم تخصيص أماكن لانتظار سيارات الزبائن وكذلك تحديد مسارات للمشترين للتجول وسط السوق وتحديد أماكن للجلوس، كما يجب أن يتم تزويد الممرات بإشارات ضوئية ومفاتيح يتحكم بها الزبائن فى المرور وقطع الشوارع الرئيسية وهى غير مكلفة ومطبقة فى دول الخليج، وبذلك ندخل مليارات من هذا الاقتصاد الخفى فى ميزانية الدولة.