أعرف محمد منير منذ أن بدأ مشواره الفني، والتقينا كثيرًا، ومعرفتي به كانت كواحد من جمهوره ونحن في جامعة سوهاج ندرس في قسم الصحافة، أقام حفلا للجامعة في عام 1985، وهاجمته حينها جماعات دينية، رافضة حضور الطالبات مع الطلبة في مدرج واحد، ورفض هو الغناء إلا بعودة الطالبات. وفي مشواره منذ أن غنى "شبابيك" وأصبح الحالة الفنية الأكثر بريقًا وشعبية، كلون غنائي نابع من طين مصر، لون سمرة النيل، ومضيئًا كأشعة الشمس في ذهبية لونها قبل الغروب، لم يصدر منه تصريح غير محسوب، أو مدروس، وقد يكون تصريحه الأخير، وهنا لا أبرره إن كان يقصده صراحة، ولكن عليه كما قاله أن يبرره. أن يشرح اللغط الذي حدث، فهو ليس مطربًا عاديًا، ولا تاريخه مجرد صفحة في الغناء المصري والعربي، بل والعالم أيضًا، فجمهوره الممتد من أسوان وحتى الإسكندرية ومطروح، ثم ربوع العالم العربي، وإلى النمسا، يعرف الكثير عنه، يحفظ كل تفاصيل مشواره، لكنه قد لا يغفر له ذلة ترتبط بمشاعر الشعوب، فالغناء ليس درسًا في حزب سياسي، أو دعاية انتخابية، الغناء علاقة بين مستمع يحب ويكره على أغنيات من يحبه. ما قاله محمد منير في تصريح لأحد البرامج التليفزيونية: "اتعرض عليا حفلة في فلسطين، والموضوع تحت الدراسة؛ لأني لو فكرت أروح إسرائيل يبقى لازم أروح غزة وأروح المناطق الفلسطينية.. وأنا فنان والفن ليس له وطن". أعتقد أن منير خانه التعبير في مفردات الأماكن، وهو ما كان يستوجب ردًا صريحًا منه؛ لأن الجمهور الذي استغل التصريح ليتحول اسم منير إلى "تريند" سلبي طبعًا، قد تعامل مع ما قاله على أنه إيمان بموقف، وهو حر، إن كان إنسانًا عاديًا، وليس فنانًا، وهو حر إن قرر أن يعتزل الغناء، وهو حر، إن ضرب بجمهوره عرض الحائط. ومنير ليس كغيره من الفنانين، ومن يعتقد أن الفنان، أو الكاتب، إن أعلن عن تبنيه موقفًا مخالفًا لشعبه، أو جمهوره، سينساه له، أذكر أن كاتبًا مسرحيًا كبيرًا ظل حتى رحيله يعاني من موقف مماثل، برغم أنه خرج ليبرر الموقف كثيرًا في لقاءات، لم يشفع له أحد من قرائه. محمد منير يعشق جمهوره، ويعشق وطنه، ومن يدافع عنه مبررًا تصريحاته، ومقتنعًا بها مخطئ، فالعلاقة بين الفنان والجمهور، لا يمكن أن يكون لها وسيط، هي علاقة ثنائية ليس بينهما ثالث، هو يراه كما يسمعه، يفسر فنه على طريقته الخاصة، يتمايل ويتراقص معه عندما يقدم فنًا جيدًا، ويتجاهله عندما يقدم فنًا عاديًا، يحمله على الأكتاف عندما يمتعه بفن جميل، وينكره إن قدم غير ذلك. تاريخ منير الذي تجاوز ال42، يحفظه كل أبناء جيله؛ لأنه يعبر عن أحلام وطموحات، ولا يمكن أن ترصد تاريخ الأغنية في السنوات الماضية دون أن تستند في رصدك إلى مشواره، هو مرتبط بكبار الفنانين، بشعراء وموسيقيين، بمخرجين، وممثلين، فلو أن يوسف شاهين كان حيًا يرزق، ماذا كان رده على منير، عمار الشريعي، والأبنودي، وأحمد فؤاد نجم، ماذا كان ردهم على منير. مؤكد أن منير نفسه يدرك جيدًا أنهم من شاركوه صناعة مجده الفني، سيغضبون لما قاله، ومؤكد - وأنا أعلم هذا جيدًا - أن منير خانته مفرداته، ولم يقصد أن يغضب جمهوره، برغم حريته في التعبير عما بداخله، عن رأيه، فيخرج ليؤكد ماذا يقصد!!