أعتقد أن برنامج «كن أنت» الذى يقدمه ويعده الدكتور سعد الدين هلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والذى يستهدف إنارة الطريق أمام الباحثين عن الصواب بين ركام التضليل الذى مارسه معظم الذين تصدروا مشهد الفتوى منذ أكثر من قرن من الزمان. أقول إنه برنامج لا منافس له، وأنه يعد الأفضل بين كل ما تقدمه القناة الأولى بالتليفزيون. والرجل بعلمه وبساطته تمكن من الوصول إلى عقول وقلوب المشاهدين. ويوما بعد يوم يزداد عدد المقبلين على الاستماع إليه والمهم أن الأغلبية العظمى من جمهوره باتت على اقتناع أنه صوت العلم، حسن الفهم والإحاطة بما يطرحه من قضايا ومسائل فى الشأن الإسلامي، كما تبينوا أن الرجل من فرط إحساسه بالمسئولية يستذكر دروسه قبل أن يطل على الناس من شاشة التليفزيون ويحفظ جيدا الأسماء والمذاهب والآراء فى المسألة أو المسائل التى يتعرض لها. والرجل ببساطة يقول إن الفتوى مجرد رأي، وأن النص سواء كان قرآنا أو أحاديث نبوية حمال أوجه، وأن دور العالم أو الداعية أو المفتى أن يعلم الناس، أى أن يطرح كل الآراء حول المسألة أو القضية التى يتصدى لها. ويقينا فإن من تخرجوا من كليات الجامعة الأزهرية قد درسوا وعلموا آراء المذاهب. أى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، وعلموا أنه فى داخل المذهب الواحد هناك آراء مختلفة، أى أن المذهب ليس رأيا واحدا. ففى المذهب الحنفى هناك آراء متعددة للإمام أبى حنيفة نفسه. وعلى سبيل المثال، فإنه بالنسبة للغائب أو المفقود. قال بحكم بحوثه بعد اقتضاء 60، 70، 80، 90، 100، 110، 120 عاما، وقال أيضا يترك للقاضى الأمر ليحكم بما يراه، أى أن له ثمانية آراء فى القضية. وهكذا بالنسبة لكل المسائل والقضايا فى كل المذاهب. وكثيرا ما تساءل الدكتور سعد، لماذا يختار من يتصدى للفتوى رإيا واحدا ويعمل على فرضه على الناس، وتأكيد أنه رأى الدين. إنه بذلك ينكر العلم وينطبق عليه الحديث.. من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة كما أنه يحاول إدارة الناس وفرض الوصاية عليهم باعتباره هو الأعلم بمراد الله الذى لا يعلمه أحد. ومعظم أهل الفتوى على امتداد أكثر من قرن من الزمان وهم يعملون على ادارة الناس وفرض الوصاية عليهم بالادعاء بأن فتواهم التى اختاروها من بين كل الفتاوى هى الدين. والسؤال الذى لايجيبون عنه أبدا كيف عرفتم أن هذه الفتوى هى الدين وما يريده الله؟ هل أتاكم الوحي؟ ويقينا ليس هناك وحى بعد الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبالتالى فهم يفتئتون على الدين، ومع ذلك لا يتوقفون. والمدهش أنهم يتصورون أنهم أصحاب حق فى قولهم بالفتوى وبالرأى الواحد، وعلى الناس أن يسمعوا لهم ويطيعوا. فالناس لا يعرفون أما هم كما قال أحدهم.. «لقد اندعكنا فى العلم»، وبالتالى فإن على الناس الانقياد لهم. وببساطة فهم يتجاهلون كل ما قال به الائمة الكبار أبو حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل وابن حزم الظاهرى. ومن المعروف أن هذه المذاهب هى جامعات فكل مذهب جامعة أنشأها الإمام وحافظ على استمرارها تلاميذه من بعده. والدور الذى يقوم به الدكتور سعد يجعله رأس حربة تجديد الخطاب الديني، هذا الهدف الذى تقاعس كثيرون عن تحمل مسئوليته.