عبدالجليل الشرنوبي أوجاعٌ تسري تُهاجم كل خلايا الجسد بغير تفريق، يدٌ قاسية، الأصابع تقبض على أدق تفاصيل البدن، تفرك كل مقاومة لعضو، وتعصر كل ثمار المُمانعة المختزنة في قواه، تقطر الروح في قلب موجوع، تئن متطلعةً إلى رحماتٍ المولى ليتوقف فعل أيدي الفيروس الغامض المستجد، والذي يبدو بدوره متشبثًا بأماني الحضور استبدادًا بالجسد الواهن، في مجاراة لقسوة واقع باتت سمتًا لعِقدٍ كامل عشناه زمانًا وأوطانًا. فمنذ أن أُدخلنا مع منطقتنا فى عقد الفوضى الخلاقة المعروف إعلاميًا بالربيع العربى، واستبداد الأوجاع القاسيات بأوطاننا ومواطنينا بات سمتًا للمرحلة، يَعلو الأنين ظلمًا فيجيبه لسان القسوة (ما كنتوا عايشين)، ويرتفع الصراخ جوعًا فيرتد صدى التعليق (الله يرحم زمان الاستقرار)، وتتعرى السوءات بقصد الهتك المذل فيكتب المُتتبع للعورات (إيه اللى وداه هناك)، ويسيل الدم البرىء جورًا فيخوض فيه الخائضون ولسان حالهم التشفى، قسوة رانت على الأفئدة وانسحبت على الأوطان حتى ما عادت العراق حاضرة الدنيا، ولا ظل اليمن سعيدًا، ولا بقيت دمشق للدمشقى يشدو (أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدى لسالَ منهُ عناقيدٌ وتفّاحُ)، القسوة انفجرت ثوراتٍ شكلية سرعان ما استحالت عللًا طفحت جراثيمها وفيروساتها من أبدان أوطان احتضنتها دونما تحصين أوليّ أو تطعيم بدائى أو علاجاتٍ ذاتية حتى حان حين الانفجار فراحت ترمى حمم حُمَتِها قنابل تفتك بالأوطان والمواطن والمقدرات والمصائر. بمجرد إعلان الفيروس المستجد عن استبداده بالبدن، وإعلانى عن الاعتزال تحصينًا للأحبة والصحبة وتفرغًا للمقاومة، حتى بدأت حالة اختبار حقيقى لشحن الطاقة فى مواجهة استبداد الوجع، شحنٌ تمثل فى مدد تتابع عبر توحدٍ على جبهتى الشخصية للأهل والأحبة والصحب والمتابعين ممن أعرف مباشرة أو لا أعرف وساقتهم وسائل التواصل الحديثة إليّ، سيلٌ من دعوات المحبة، أنسَنَةٌ للمدد الربانى، وترجمةٌ للأصل الفطرى الكامن فى الخلق شعوبًا وقبائل لتعارفوا وتواصلوا وتكاملوا وتضافروا وتوحدوا، وكلَ مشتقات تعزف على أصل المحبة لحنًا قادرًا على أن يقيم أود الكيان البشرى ويمده بما يعوزه ليواجه «المستبد به» إمراضًا وإنهاكًا، ويمنحه القدرة على لملمة شتات جيوش مقاومته ليعيد تنصيب نفسه وليًا على البدن، ويُعلن استعادة قيادة معركته صوب التحرر من جور الفيروس المستجد، وليكن خطاب التحرير الذاتى متحصنًا بقاعدة شعبية إنسانية عنوانها ثورة المحبة عافية فى مواجهة استبداد القسوة مرضًا، ومع انخفاض معدل الحمى واتزان معدل الأكسجين فى الدم تذهب السكرة لتلوح فى أفق الفكرة أوطاننا تقاوم استبداد فيروسات الفساد والإفساد باستدعاء طاقات المحبة لتواجه معاول كراهية تفتت وتشتت فتُسْقِط وتبدد. حينما بدأت أوجاع الفيروس المستجد فى التراجع مع إيقاع العلاجات وتتابع دعوات المحبة، بدأت تُسْتَدْعَى أوجاع أوطاننا التى يُجسدها واقع الإلهاء المستمر طرحًا والمتجدد جرحًا، ليستيقظ إنسان أوطاننا على عبثية الطرح المتكرر كلما اقترب يوم الرابع عشر من شهر فبراير حيث يغدو سؤال المصير (هل الاحتفال بعيد الحب حرام أم حلال؟)، ولينبرى كل النَقَلَة مشمرين عن سواعد النقل من اجتهاد ما كان حول أصل هذا الاحتفال وخلفيته الرومانية (الوثنية)، ومستجداته الدينية الغربية، ومظاهره العلمانية الجنسية، ولا مانع من أن يدخل على خط الحضور (دعاةً جدد) يرونَ فى الجدل فرصة لإثبات الحضور فى السوق علهم ينالون حظهم شهرة ومالًا وزيجاتٍ جديدة!، كما لا تخلو الساحة من مشاركات تستهلك طاقات أهل الفتوى الرسمية، بينما لا يتساءل أحدنا عن حاجتنا إلى «بروتوكول علاجي» يشمل مضادًا حيويًا للكراهية التى تستشرى، وفيتامينات تدعم التئام خلايا الأوطان الممزقة، ومضادات تجلط للمشاعر والأحاسيس المُغيبة، ومسكنات لأوجاع قسوة تُطل عبر نوافذنا الإلكترونية والورقية والفضائية وفنوننا؟. تسوقنا الأوجاع الناجمة عن المرض إلى مساحاتٍ واسعة من التدبر فى حالة الضعف الإنسانى، وتقودنا أمانى الشفاء ودعواته المحمولة عبر قلوب المحبين والمتعاطفين إلى مساحات أوسع من التأمل فى قدرة المجتمعات الإنسانية على مقاومة الإمراض، وممانعة الإنهاك والإرباك والإسقاط، والحقيقة التى يجب أن نواجه ذواتنا بها أننا فرادى فى مواجهة الفيروسات القديمة والمستجد نكون أضعف، وحين يستبد بنا الضعف تلزمنا طاقات تُعين على لملمة شتات القوة الكامن فينا ثورة تعاف، ولئن كانت الفيروسات تتراجع مع تضافرنا محبة لننتصر للحياة، فإن مستهدفى أوطاننا يراهنون على تفتتنا كرها لينالوا منها ومنّا، فماذا لو جرب أصحاب السيادة الوطنية أن ينتصروا لها محبة فى زمن الكورونا والفوضى الخلاقة، لتكون مناجاة الأوطان محبة مضادات إنسانية ضامنة لخروجها من ليل كراهية طال (يا ليل .. وأنا الموال ف غنوتها، وحرفى ع المدى مشدود - تقول الآه ..تفُوت فيَّا شِدِّتْها كما رعشةْ وجع ع العود - تمِد الآه تاخدنى لسِكِتْهَا ... ما اَسَكِّتْهَا ..أروح وما أعود - يا عين وأنا القوَّال ف حضرتها ..ما ليَّا فى غرامها حدود).