ذاع صيت أغنية "أبو اللبايش يا قصب" التى عرفها الجمهور فى فيلم "شىء من الخوف" بطولة شادية ومحمود مرسى، حيث صارت الأغنية التى كتبها عبدالرحمن الأبنودى وقام بتلحينها الموسيقار بليغ حمدى من تراث حصاد القصب بالصعيد، والذى يضم حتى الآن أقدم مصانع قصب السكر منذ عصر الخديوى إسماعيل باشا. ومن جانبها، ترصد "بوابة الأهرام" تاريخ قصب السكر وتراثه الثقافي القديم الحى الباقى، قبل التطور الذي حدث فى صناعة قصب السكر والعصارات التى تنتج العسل الأسود فى وقتنا الحالى، حيث يحدثنا الشاعر الكبير الراحل الأبنودى فى إحدى مقالاته عن القصب فيقول "إنه لم يكن مثل قصب هذه الأيام القصب الأبيض الجاف الذى يزرع من أجل تصنيعه سكرا فى المصانع المنتشرة فى الصعيد، وإنما كان قصبا رقيقا أحمر اللون يسمى خد الجميل، وهو قصب يساعدك هو بنفسه على تقشيره برقته وليونة قشرته". تقول الروائية والقاصة سحر محمود فى تصريحات ل"بوابة الأهرام" إنه من المعروف فى التراث الشعبى إنه تتباين الأغنيات فى مواسم الحصاد فكل محصول وله أغنياته التى تناسبه فأغانى حصاد القمح تختلف عن القصب، مؤكدة أنه ليس هناك تراثا غنائيًا لحصاد قصب السكر مثل القمح، رغم قدم محصول قصب السكر الذي تتم زراعته منذ العصر الأموى، حتى وقتنا الحالى، ويضم الكثير من المهن والحرف التراثية العتيقة. وتقول كلمات أغنية الأبنودي "يا أبو اللبايش يا قصب، عندنا فرح واتنصب، يا أبو اللبايش يا قصب، جابوا القميص على قدها نزلت تفرج عمها قال يا حلاوة شعرها تسلم عيون اللى خطب، يا أبو اللبايش يا قصب". تؤٔكد سحر محمود أنه فى الأطروحات الحكيمة والمساجلات بين الشعراء بالصعيد يحتل القصب مكانة سامقة حين يضرب به المثل فى الشموخ والشدة فيقول القائل "صاحب عيدان القصب سيبك من الزعازيع لا تصاحب اللى نصب ولا اللى أصله وضيع"، والزعازيع هنا فى إشارة إلى الأجزاء الأمامية من عود القصب التى لا توجد لها حلاوة أو مذاق طيب ويتم التخلص منها. وأضافت أنه عندما نتجه نحو شخصية الأبنودى الذى امتزج مع تلك البيئة الخصبة وخرج لنا بعبقريتها المتمثلة فى أشعاره وإبداعاته فحدثنا عن طقوس الاحتفال بالبلابيصا فى عيد الغطاس الذي يوافق وقت حصاد قصب السكر. حيث كان يتجمع أبناء كل درب من دروب القرية وشوارعها، وكل منهم حريص على الإمساك بالشمع، وإلى جواره يرقد عود القصب، وفى حجره تستقر برتقالة ناضجة، ثم يقومون بتثبيت الشمع فى صليب الجريد فى أربع فتحات مخصصة لذلك، وفى المنتصف تثبت البرتقالة، أما الجزء السفلى من هذه الجريدة المصلبة فيغرس فى عود القصب، حيث تشعل الشموع وينطلق الأطفال بأغنيتهم المعروفة فى القرى "يا بلابيصل". فى كتابه "تاريخ الزراعة فى عهد محمد على باشا"، يؤكد المؤرخ أحمد أحمد الحتة أن الوقائع التى أصدرها الوالى الكبير كأول صحيفة عربية ومصرية، نشرت الكثير من التقاوي كارشادات ونصائح للمزارعين، كما نشرت قرارات الوالى فى التوسع فى زراعة قصب السكر. ويؤكد الحتة أن زراعة قصب السكر كانت تتطلب الكثير من النفقات ولم يقم بها فى أوائل القرن التاسع عشر إلا عدد قليل من الأهالى، إلا إن محمد على باشا قام بمساعدة المزارعين بل قام بصنع صنفين من القصب فى الصعيد، وتم إرسال عمر أفندي أخصائى السكر في رحلة طويلة لأوروبا أولا، ثم أمريكا الجنوبية ثانيًا، كى يطلع على صناعة السكر في جزر الأنتيل والتي كانت تطمح مصر آنذاك فى إقامة مصانع للسكر فى الصعيد علي نسقها وقد جلب عمر أفندى السكر الأحمر وتمت زراعته فى الصعيد. ويقول الباحث التاريخى إبراهيم المصري طايع ل "بوابة الأهرام" إن قصب السكر لا يعتمد على البذرور مثل المحاصيل الأخرى، وإنما يعتمد على العقدة، مما يجعل الحفاظ عليها صعبا مثلما حدث مع القصب الأحمر، لافتا إلى أن هناك أنواع كثيرة بخلاف القصب الأحمر كانت تتم زراعتها في الصعيد، وأن تغيير الفسائل للتربة من الأمور المهمة جدا فى زراعة القصب وخاصة لإنتاج السكر ومشتقات الصناعة الأخرى، مؤكدا أن التراث الثقافى لقصب السكر والمهن الحرفية المرتبطة به، تحتاج للتوثيق الكامل، خاصة بعد التطورات الحديثة. ويضيف "طايع" أنه فى الصعيد قى عصر الأبنودى كان هناك قصب يسمى دراع البس، وهو قصب مخطط خطوطا طولية مثل ألوان ذراع القط الأحمر والأصفر والأسود، أيضًا وقد ذكره الشاعر الراحل، مؤكدًا أن أن الفنان نجيب الريحانى عمل فى مصنع سكر نجع حمادى أقدم مصانع السكر فى الصعيد، وذكر الكثير عن ذكرياته فى المصنع. وأكد طايع أن صناعة العسل الأسود قديما كانت تتربط بالفخار سواء فى الجرار التى كانت يتم لصب عسل الأسود فيها كصناعة فى العصارات القديمة، أو كجرار للتعبئة للجمهور وهو ماتم استبداله فى عصرنا الحالى بجراكن البلاستيك، مضيفاً أن قطار القصب كان لايتحرك بالمحصول، إلا بعد أن يتم وضع الزيت على القضبان، مؤكدًا أن أرشيف الصحف يعج بالكثير من تاريخ قصب السكر بالصعيد وتراثه. قصب السكر بالصعيد قصب السكر بالصعيد قصب السكر