كتب أمير الصرّاف: مع بداية موسم حصاد محصول قصب السكر فى محافظة قنا، فى يناير، تنشط مصانع العسل الأسود أو عصارات القصب حسب ما يطلق عليها محليًا، لتنتج ذلك المنتج الذى تشتهر به محافظة قنا ويقوم على قصب السكر المحصول الاستراتيجى الأول فى المحافظة والصعيد. ورغم أهمية المنتج وتصديره للخارج العربى والأجنبى عبر سلسلة من الوسطاء تبدأ بالتجار المحليين ومنهم إلى مصانع المنتجات الغذائية لإعادة معالجته، ثم التصدير إلى الخارج أو التوريد إلى السوق المصرى، إلا أن هذه الصناعة التى تصنف كصناعة صغيرة تعانى تهميشًا على كل المستويات. يقول سيد بهلول أحد ملاّك مصانع العسل الأسود فى شمال قنا، إنه بالرغم أهمية تلك الصناعة المرتبطة بمحصول القصب التى توفر عائدًا من العملة الصعبة من خلال عملية تصدير العسل الأسود إلى الدول العربية والأجنبية، إلا أنها تعانى الإهمال الشديد. يذكر «بهلول» أن المشكلات التى يعانيها ملاك مصانع العسل الأسود الصغيرة «عصارات القصب» تتمثل فى عدم وجود هامش ربح كاف للملاك بعد الإنتاج والتوريد للتجار، وتحرير مخالفات لأصحاب العصارات من الجهات المختصة بسبب عدم التأمين على العمالة، منوهًا بأنه يتم التأمين على العمال ولكن يحدث أنهم يتركون العمل نظرًا لأن صناعة العسل الأسود موسمية ولا تستمر سوى 3 شهور فيضطر صاحب العصارة للاستعانة بعمالة موسمية ولا يؤمن عليها. ويستطرد أن الصناعة وأساليب الإنتاج فيها بدائية لأن العصارات قديمة وموروثة لأصحابها عن أجدادهم، ولم يدخلها أى تطوير أو إحلال، مبينًا أن الدولة لا تشجع هذه الصناعة بشكل مباشر، وأن هناك قرارًا جمهوريًا لا يزال ساريًا منذ سنة 1976 بوقف منح تراخيص لتشغيل مصانع جديدة لمنع تسريب محصول القصب من شركات السكر والصناعات التكاملية إلى العصارات، وأن البعض يضطر لبناء عصارات مخالفة لمباشرة إنتاج العسل الأسود. وتعمل مصانع العسل الأسود بنظام ورديتين كل واحدة 8 ساعات ويتفاوت الإنتاج حسب ساعات العمل، وتبلغ إنتاجية القيراط الواحد من محصول القصب نحو 4 قناطير من العسل الأسود أو ما يوازى 45 كيلوجرامًا فى المتوسط حسب جودة المحصول، ويتفاوت سعر القنطار حسب حالة السوق والعرض والطلب ويصل ثمنه إلى 200 جنيه للواحد عند بيعه من أصحاب المصانع للتجار فى المحافظة. ويشير المحاسب عمر توفيق صاحب دراسة «المشكلات التى تواجه الصناعات القائمة على قصب السكر- دراسة تطبيقية على صناعة السكر وصناعة العسل الأسود» إلى أن هناك عدة مشاكل تواجه هذه الصناعة فى محافظة قنا ومنها انخفاض أسعار منتج العسل الأسود داخل العصارات حيث لا يتعدى سعر الكيلو 9 جنيهات فى حين يصل سعره عند تصديره إلى أكثر من 10 دولارات أمريكية، أى ما يعادل 75 جنيهًا مصريًا، وعدم مطابقة المنتج الخام من العسل الأسود للمواصفات القياسية إلا بعد معالجته قبل تصديره، بسبب عدم تطوير هذه الصناعة المهمة والقائمة على المحصول الاستراتيجى الأول فى الصعيد. ويضيف توفيق أن الدراسة رصدت أسبابًا عدة لتقزم هذه الصناعة ومنها صعوبة الحصول على خدمات مؤسسات التمويل لهذه العصارات بشكلها الحالى نتيجة أنها لا تمتلك سجلات محاسبية منتظمة يمكن الاعتماد عليها، أو سجلا تجاريا، أو رخصة، والعمالة التى تعمل بهذه العصارات عمالة موسمية وغير مدربة وتعمل بنظام اليومية وغير مؤمن عليها مما يكون له أبلغ الأثر فى نفسية العامل وأسرته نتيجة فقد العمل بسبب مرض أو وفاة، وسوق بيع العسل الأسود تعتبر احتكارية حيث يتحكم عدد قليل من التجار فى أسعار المنتج ويحققون من ورائه أرباحًا طائلة، وعدم مقدرة أصحاب العصارات على تسويق المنتج بأنفسهم نتيجة لنقص السيولة لديهم، وغياب هذه الصناعة الاقتصاد المرئى للدولة، وعدم وجود رابطة (نقابة) لمنتجى العسل الأسود، والمعدات والأوانى المستخدمة فى إنتاج العسل قابلة للصدأ وغير مصرح باستخدامها غذائيًا خاصة للأجزاء الملامسة للمنتج خلال مراحل تصنيعه المختلفة، بالإضافة إلى وجود قصور فى أساليب إدارة الموارد والتسويق وطرق الإنتاج بشكل عام. ويوضح توفيق ل«الوفد» أن الطريقة الحالية فى صناعة العسل الأسود طريقة بدائية لم يتم تطويرها منذ ستينات القرن الماضى ما يؤدى إلى وجود فاقد فى محصول قصب السكر أثناء الإنتاج يصل إلى أكثر من 50% ومنها استخدام آلات العصر البدائية (السهوم) ينتج عنه فقد كمية من العصارة تظل داخل العود تصل إلى 40% بعكس شركات السكر ومصانع العسل الحديثة التى تقوم بعصر عيدان القصب واستخلاص كل كمية العصارة من العيدان، واستخدام المصاصة فى عملية غلى العصير لإنتاج العسل ينتج عنه فقد لهذه الكمية الضخمة من المصاصة التى تستخدم كمدخلات لمنتجات مهمة أخرى مثل الخشب والورق، وضياع منتج مهم أثناء إنتاج العسل وهو المولاس فى صورة شوائب (غشيم) يتم التخلص منه، وهذا المنتج (المولاس) يدخل فى صناعة أكثر من 17 منتجًا آخر مثل العطور والخل والإسبرتو والخميرة، والخميرة البيرة، وتخزين المصاص بالعصارات ينتج عنه الكثير من الحرائق فى هذه العصارات ما يكون له تأثير على أصحاب العصارات والسكان، بالإضافة لتلوث البيئة بفعل الدخان الناتج من العصارات نتيجة استخدام المصاصة فى عملية الحريق. ويطالب ملاك مصانع العسل الأسود فى قنا بوجود اهتمام حكومى واستثمار فى هذه الصناعة بإنشاء مصنع لها فى المناطق الصناعية بقنا، يقوم على إنتاج العسل وتصديره رأسًا من قنا للخارج أو إلى السوق المحلى، وكذلك منح كميات أكبر من محصول القصب لاستخدامه فى الصناعة، مع الاستفادة الكاملة من مخلفات تصنيع العسل الأسود ومنها مخلفات عصر المحصول «المصاصة» التى تهدر باستخدامها كوقود فى العصارات وتدخل فى إنتاج الخشب الحبيبى والورق.